الفصل 153. الساحر المقنّع (3)
كان سيدريك يعرف من خلال الشائعات أيّ شخص هو خطيب بريم.
الابن الوحيد لعائلة ازدهرت بعدما ارتفعت قيمة الأرض التي اشتروها بالصدفة.
كان معروفًا بجدّيته في أعمال العائلة، وبشخصيته الهادئة الطيبة.
وأحيانًا كانت رسائل بريم تذكره.
تقول إنه لطيف للغاية، ويجعلها تبتسم دائمًا.
سيدريك بدوره لم يعترض. إن كانت بريم سعيدة، فهذا يكفي.
مثل هذا الرجل، كان يمكنه أن يأتمنه على سعادتها.
لكن، قبل وقتٍ قصير من موعد حفل الخطوبة، كشف تشارلين عن وجهه الحقيقي.
صَفَع!
استدار رأس سيدريك بقوة.
لقد كان خطيب بريم، تشارلين، الذي بادر بضربه على وجهه.
“أمثالك يجرؤ على… التقرّب من خطيبتي؟!”
كان صوته يرتجف من الغضب.
سيدريك نظر ببرود إلى الأوراق المتناثرة على الأرض.
كانت تلك رسائله إلى بريم.
حين علم تشارلين أنه ظلّ يتواصل معها، استدعاه على الفور.
في داخله، زفر سيدريك تنهيدة قصيرة.
“لا تُسيء الفهم. آنسة بريم وأنا مجرد أصدقاء.”
“أصدقاء؟”
قهقه تشارلين باستهزاء.
“أتريد مني أن أصدق هذا؟!”
لكن سيدريك أصرّ:
“هذه الرسائل لم تخرج عن إطار التحية والاطمئنان لا أكثر.”
“مضحك! نظراتك وحدها تفضحك. تحدّق بها بعينين دنيئتين ثم تزعم أنكما مجرد أصدقاء؟!”
رفع تشارلين يده مرة أخرى، لكن عندها انفتح الباب فجأة.
“تشارلين، قيل لي إنك هنا. ماذا تفعل….”
ارتجفت عينا سيدريك بشدّة.
لقد كان الصوت مألوفًا جدًا.
بريم…!
كانت هي حقًا.
وبدل الفرح برؤيتها، اجتاحه القلق. لم يكن يريد أن تراه في مثل هذا الموقف.
حين رأت بريم ما يحدث، اتسعت عيناها من الدهشة.
“ما الذي يجري هنا؟!”
“هذا لا يخصّك.”
“إنه صديقي! كيف تقول لا يخصّني؟ لماذا كنت تريد ضربه؟!”
اندفعت بينهما وفتحت ذراعيها كمن يحمي سيدريك بجسدها.
تضايق تشارلين وأشار للحرس خلفه:
“أمسكوها.”
صرخت بريم:
“اتركوني!”
لكنها لم تستطع مقاومتهم.
سحب تشارلين سيفه فجأة، فتألّق نصله الأزرق ببريق مخيف.
“سأحرص أن لا ترى خطيبتي ثانية بعينيك هاتين.”
عندها، بدأ سيدريك يجمع السحر في يديه.
لكن تشارلين لوّح بسيفه نحو بريم:
“جرّب فقط أن تتحرك… وستدفع هي الثمن.”
ارتجف سيدريك.
اختفى السحر الذي كان يجمّعه.
ابتسم تشارلين بخبث:
“تعاون معي أفضل لك. لا أريد أن أُفسد زفافنا بخطيبة مليئة بالكدمات.”
اشتعلت عينا سيدريك بالغضب:
“الآنسة بريم ليست سلعة لتتحدث عنها هكذا.”
أما بريم، فقد هزّت رأسها بيأس:
“تشارلين… لست أنت. أنت وعدتني بالحب، كيف تفعل هذا بي؟!”
ضحك تشارلين ببرود:
“الحب؟ هراء. لقد دفعت ديون عائلتك. هذا يكفي.”
شهقت بريم:
“قلت إن المال لم يكن يهمّك…!”
“كان ثمنك فقط. لا أكثر.”
“مستحيل…!”
صرخت بريم نحو سيدريك:
“سيدريك! اهرب! استعمل سحرك!”
لكن سيدريك لم يتحرك.
بل ابتسم لها ليطمئنها.
تقدّم تشارلين بسيفه، وبريم تصرخ وتحاول الإفلات من الحراس.
عضّت يد أحدهم وركضت نحو سيدريك، لكن كان الأوان قد فات.
انغرز سيف تشارلين.
“لم تُصدر حتى أنينًا… عنيد حقًا.”
نظر تشارلين إلى سيدريك باحتقار.
“كنت سأفقأ عينك الأخرى أيضًا، لكن لأجل خطيبتي سأدعك هذه المرة.”
ثم رحل مع حراسه.
بريم ركعت قرب سيدريك وهي تبكي:
“أحمق! لماذا لم تستخدم سحرك؟ كان بإمكانك الهرب!”
أجابها وهو يبتسم رغم الألم:
“لو فعلت، لكان هو أذاكِ أمامي. هذا أفضل.”
ازداد بكاؤها.
“آسفة، سيدريك… آسفة جدًا.”
“أنا بخير.”
لكن الدم كان يسيل بغزارة.
بفضل الحماية التي أخفاها، بقيت عينه سليمة، لكن وجهه انشقّ بعمق.
في اليوم التالي، علم سيدريك كم كان مخطئًا.
ظنّ أن الأمر انتهى به، لكن تشارلين لم يكتفِ، بل طعن بريم نفسها.
حين وصل سيدريك، كان جرحها في الخاصرة ينزف بشدّة.
“لماذا…؟! ذلك الوغد كيف تجرّأ!”
ابتسمت بريم بضعف:
“انتهى الأمر يا سيدريك.”
“انتهى؟! كيف تقولين هذا؟!”
ضحكت بخفوت:
“على الأقل… أخيرًا صرت تكلّمني بلا تكلف….”
حتى في تلك الحال، وجدت سببًا لتبتسم.
سيدريك كان يضغط على جرحها محاولًا علاجه بالسحر، لكن الدم لا يتوقف.
كل السحر يتسرّب خارج جسدها.
صرخ داخله:
لماذا لا يجدي نفعًا؟!
استخدم ما يكفي من الطاقة لتقوم به خمسة عشر ساحرًا معًا، لكن بلا جدوى.
وضعت بريم يدها الباردة فوق يده المرتعشة، وهزّت رأسها.
كأنها تقول: يكفي….
ارتعش جسده وهو يمسك بيدها.
كانت باردة… برودة مخيفة.
همست أنفاسها الأخيرة:
“سيدريك….”
“لا تذهبي… أرجوك، لا تتركيني وحدي!”
دموعه انهمرت بلا توقف.
“وعدتِني… أن تبقي دائمًا بجانبي!”
ابتسمت بخفة:
“لا تبكِ… إن بكيتَ… سأحزن.”
وأغمضت عينيها ببطء، محاولة أن تحفظ ملامحه في ذاكرتها الأخيرة.
“شكراً… لكونك صديقي.”
تناثرت كلماتها الضعيفة:
“لا تبقَ وحيدًا… قابل من تحبّ… وابتسم دائمًا….”
ثم سعلت دمًا، لكن ابتسامتها بقيت على شفتيها.
“أريدك أن تبتسم… دائمًا.”
مدّت يدها لتلمسه، لكن قوتها خذلتها.
انسلت يدها من يده، وصمتت.
ساد سكون مخيف.
جملتها الأخيرة لم تكتمل، لكن سيدريك عرف ما كانت تود قوله:
“سيدريك… يجب أن تكون سعيدًا. سأصير روحًا… وأحميك.”
التعليقات