الفصل 152 – الساحر ذو القناع (2)
بريمروز باسيت.
كانت ابنة لعائلة نبيلة صغيرة.
الناس اعتادوا مناداتها بـ بريم. حتى سيدريك نفسه كان يناديها هكذا.
أول مرة التقاها كانت بالقرب من بيته، تحديدًا في البقعة التي اعتاد أن يزرع فيها أزهاره.
حين ظهرت لأول مرة، توتر سيدريك بشدة. لم يكن معتادًا على أن يتطفل أحد على الغابة التي يسكنها.
أخذ وضعية دفاعية، يراقبها بحذر.
لكنها لم تكن شخصًا سيئًا.
كانت تكتفي بالنظر إلى الزهور بصمت ثم ترحل.
وسيدريك كان يختبئ خلف الأشجار الضخمة، يتابعها من بعيد.
ومرت أيام على هذا الحال، حتى بادرت بريم بالكلام:
«أعرف أنك مختبئ هناك. اخرج.»
«…!»
تفاجأ سيدريك وازدادت حركته توترًا وهو يلتصق أكثر بجذع الشجرة.
لكن بريم لم تنخدع بحيلته.
«هيا، أنت! لا تبقَ تراقب فقط. اخرج الآن.»
«…….»
«إن لم تخرج فسآتي إليك بنفسي!»
تحت هذا “التهديد اللطيف”، خرج سيدريك أخيرًا ببطء من مخبئه.
ابتسمت له بحرارة وقالت:
«مرحبًا. هذه أول مرة نلتقي وجهًا لوجه.»
تلعثم سيدريك:
«ك– كيف عرفتِ أنني كنت هنا…؟»
«نظراتك كانت قوية جدًا. من المستحيل ألا أشعر بها.»
«آه…»
«على كل حال، هذه الأزهار… أنت الذي زرعتها، صحيح؟»
أومأ سيدريك بصمت.
فابتسمت بريم ابتسامة مشرقة وقالت:
«رائع! يبدو أنك تعتني بها جيدًا. إنها تبدو سعيدة.»
لم يسمع سيدريك أحدًا من قبل يصف الزهور بأنها “سعيدة”.
ثم صاحت بفرح:
«يا إلهي! أعرف اسم هذه الزهرة! إنها بريمروز! تمامًا مثل اسمي!»
انحنت تنظر إليها بدهشة، وكأنها اكتشفت كنزًا.
«كنت أراها دائمًا في الكتب فقط… هذه أول مرة أراها على الحقيقة. إذن هذه هي بريمروز.»
«هل تعجبكِ هذه الزهرة كثيرًا؟»
«نعم! إنها جميلة جدًا. هل يمكنني المجيء لرؤيتها باستمرار؟»
«ستعودين ثانيةً…؟»
«طالما لا تمانع. لا أجد مكانًا آخر مليئًا بالزهور هكذا.»
«آه… كنتُ أظن…»
للحظة، ظن سيدريك أنها تأتي لأجله هو، فاحمرّ خجلًا. لكن سرعان ما أدرك أنها تقصد الزهور.
وبعد تردد قصير، سمح لها بالدخول. لم يكن الأمر صعبًا عليه.
ومنذ ذلك اليوم، صارت بريم تزور بيته كثيرًا، تكاد تأتي يومًا بعد يوم لرؤية الأزهار.
لقد كانت تحب الزهور بجنون.
في أحد الأيام، قالت له بريم فجأة:
«بالمناسبة يا سيدريك، إلى متى ستظل تكلمني بهذه الرسمية؟»
«…؟»
«نحن في نفس العمر. يمكنك أن تتحدث بحرية.»
«لا… لا أستطيع.»
هز رأسه بحزم:
«أنا مجرد عامي، وأنتِ ابنة عائلة نبيلة. كيف أجرؤ على معاملتكِ كندّ؟»
«لكننا أصدقاء! أي فرق تصنعه المكانة بين الأصدقاء؟»
«أنا مرتاح هكذا.»
تنهدت بريم، ثم غيرت الموضوع فجأة:
«حسنًا كما تريد… آه! لحظة، أحنِ رأسك قليلًا.»
«؟»
وضعت شيئًا فوق رأسه.
كانت إكليلًا من الزهور.
احمرّ وجه سيدريك بالكامل.
«م– ما هذا…!»
«إكليل زهور. ألا ترى؟»
«أعرف أنه إكليل، لكن لماذا تعطيني إياه؟»
«هدية بمناسبة صداقتنا. يليق بك فعلًا… كح– كح!»
بدأت تسعل فجأة. فذُعر سيدريك وأمسك بها قبل أن تنهار.
وجهه شحب وهو يسألها بقلق:
«هل أنتِ بخير؟!»
أجابته بابتسامة خفيفة:
«لا تقلق… فقط حان وقت دوائي. ناولني حقيبتي.»
تناولت دواءها كالمعتاد، ثم عقدت حاجبيها قليلًا:
«آه… مرّ الطعم أكثر من العادة اليوم.»
كانت بريم مريضة منذ ولادتها.
جسدها ضعيف، وعليها أن تتناول الدواء يوميًا بلا انقطاع.
حتى مع الدواء، ما زالت نوبات المرض تأتيها أحيانًا.
سيدريك حاول أكثر من مرة أن يعالجها بسحره، لكنه فشل دائمًا.
لقد كانت حالة نادرة، جسدها ببساطة لا يتقبل السحر.
مهما بلغت قوته، لم يكن قادرًا على تجاوز حدود وضعتها الآلهة.
وكان يتساءل:
إن كان هناك إله، لماذا اختار أن يجعلها هكذا؟ لماذا بريم بالذات؟
لكن بريم نفسها لم تشتكِ يومًا.
بل كانت تقول له بابتسامة:
«سيدريك، يومًا ما سأصبح روحًا.»
تفاجأ وقال:
«هذا مستحيل. البشر لا يمكن أن يصبحوا أرواحًا.»
«ليس صحيحًا! أنا أؤمن أنه يمكن.»
«لكن البشر مخلوقات مختلفة تمامًا…»
«لهذا السبب هو حلم. والأحلام ممكنة دائمًا.»
لم يفهم سيدريك في البداية.
لكن مع الوقت… وجد نفسه يتمنى أن يتحقق حلمها.
مرت الأيام، وجاء يوم صادم.
قالت له بريم بوجه خجول وسعيد:
«سيدريك، لقد وقعت في الحب. بعد شهرين سأخطب.»
«…بعد شهرين؟!»
لم يستوعب. كانت الخاطب نبيلاً شابًا قابلته منذ فترة قصيرة. زواج مرتب كالعادة بين الأسر.
«أليس هذا مبكرًا جدًا؟ لم تلتقيه سوى ثلاث مرات.»
«صحيح… لكن حين أقف أمامه، أشعر بقلبي ينبض بسرعة… أشعر بسعادة غريبة.»
كان وجهها يضيء بفرح نادر لم يره من قبل.
لم يستطع أن يقول شيئًا يعكر تلك السعادة.
«أنت أول من أخبره. لأنك أعز أصدقائي.»
«…أفهم.»
«وستحضر زفافي، صحيح؟»
«بالطبع… مبروك.»
قالها بابتسامة متكلفة، لكنها ابتسامة على أية حال.
منذ ذلك اليوم، لم تعد بريم تزوره كما اعتادت.
انشغلت بالتحضيرات.
لكنه ظل يتلقى منها رسائل مكتوبة.
كانت رسائلها مليئة بالبهجة والمرح.
لكنه لاحظ شيئًا… الرسائل بدأت تقل تدريجيًا.
من كل يوم، إلى كل يومين… ثم كل ثلاثة… حتى صارت تصل مرة في الأسبوع فقط.
وكان يشعر أن العالم يمضي بسرعة من حوله، تاركًا إياه وراءه.
في إحدى المرات، لم يستطع تمالك نفسه، فذهب سرًا إلى بيت عائلتها ليراها.
لكنه من خلال النافذة، رأى شيئًا جرح قلبه:
كانت تبتسم بخجل لحبيبها، وتقول له:
«أنا أيضًا أحبك، تشارلين.»
تجمد في مكانه. شعر أنه دخيل.
رحل من دون أن تراه.
لاحقًا، كان يقرأ رسائلها ببطء شديد، كلمة كلمة، وكأنه يحاول أن يطيل بقاءها معه.
وفي نهاية كل رسالة، كانت تكتب الجملة نفسها:
[صديقك الأبدي، بريمروز باسيت.]
لم يستطع أن يرفع عينيه عنها.
قرأها مرارًا وتكرارًا، حتى بللت دموعه الحروف.
«لماذا… لماذا أبكي؟»
لم يعرف السبب. كان يفترض أن يكون سعيدًا من أجلها، لكنها الدموع انهمرت بلا توقف.
وبينما يبكي وحده، كأنه سمع صوتها من جديد:
— أيها الأحمق، لماذا تبكي؟ إنها مناسبة سعيدة. يجب أن تبتسم.
«لا أعرف… لا أعرف بنفسي يا بريم…»
ظل يبكي حتى أرهقه البكاء.
لكن بعد ذلك اليوم، شعر قلبه أخف قليلًا.
وأقنع نفسه أن دوره هو أن يدعمها من بعيد.
أن يبقى صديقًا أبديًا… وهذا يكفي.
لكن لم تمضِ مدة طويلة حتى تغيّر كل شيء.
فقد استدعاه شخص لم يكن يتوقعه أبدًا.
تشارلين تشامبلر.
خطيب بريم.
التعليقات لهذا الفصل " 152"