اقتربتُ أكثر لأرى بوضوح، فاكتشفت أنها كانت تحزم أمتعتها.
لقد كانت تستعد للهروب.
دخلت إليها مربيتها بوجه قلق وسألتها:
“آنستي… ما الذي يحدث؟ هل حصل شيء في مكتب الدوق؟ هل قال لكِ سيّدي شيئًا سيئًا؟”
أجابت هيلينا بنبرة غاضبة:
“أراد أن يرسلني إلى مملكة الشمال.”
“مملكة الشمال؟”
“نعم. يريد أن يزوّجني من ملكها.”
كانت لا تزال متأثرة بما جرى في مكتب والدها.
قالت المربية محاولة تهدئتها:
“ربما من الأفضل أن تعيدي الحديث معه بهدوء. مؤكد أنّ الدوق فقط في حالة ضيق.”
هزّت هيلينا رأسها بعناد وقالت:
“حاولت أن أظن ذلك… لكن هذه المرّة تجاوز الحدود. إن بقيت مكتوفة اليدين فسيفرض عليّ الزواج بالقوة.”
وحين رأت المربية إصرارها، لم تجد بدًّا من مساعدتها.
وبالفعل، ساعدتها على الهروب من قصر الدوق.
لكن—
“أتجرؤين على الهرب؟”
لم يدم الأمر طويلًا.
فنفوذ عائلة هايتنغز كان واسعًا جدًّا، ولم تستطع هيلينا الإفلات.
ولم يمضِ يوم كامل حتى أُعيدت بالقوة إلى القصر.
صفع!
ارتدّ صدى صفعة مدوّية في أرجاء القصر.
صفع! صفعة أخرى!
كان الدوق ينهال عليها ضربًا بيده الغليظة.
“أهذا ما تريدينه؟ أن تجلبي العار على هذه العائلة؟!”
احمرّ وجه هيلينا وانتفخ، حتى إنّ منظرها آلمني من شدّة الضرب.
انشقت شفتها ونزف منها الدم.
لعلها كانت المرة الأولى في حياتها التي تتعرض فيها للضرب من أبيها.
قال الدوق ببرود قاسٍ:
“لم أرد أن أضطر إلى هذا، لكنك أجبرتني.”
ثم أمر بجفاء:
“أحضروها.”
دخلت الخادمة المربية، فارتجف قلب هيلينا.
“ماذا… ماذا تنوي أن تفعل؟”
أجابه ببرود:
“لا بدّ من محاسبة المسؤول. لستِ وحدك من خطط للهروب.”
“لا! أرجوك!”
اندفعت هيلينا نحو مربيتها، لكن الجنود كبلوها بسرعة.
صرخت متوسلة:
“أنا المخطئة! لن أهرب مجددًا! سأفعل ما تريدون! سأقبل بالزواج من ملك الشمال!”
لكن كلماتها لم تثنِ الدوق.
وما تلا ذلك كان فظيعًا حتى إنني لم أحتمل النظر، فأغمضت عيني.
لم يبقَ في أذني سوى صراخها البائس:
“كفى… أرجوكم… توقفوا…”
مضى بعض الوقت، وتبدّل المشهد إلى قاعة الطعام في القصر.
قال الدوق بلهجة هادئة كأن شيئًا لم يكن:
“جلالته قد أمر بأن تتزوجي منه.”
شهقت هيلينا مذعورة:
“لا تقول إنك وافقت على هذا الزواج؟!”
“ومن يستطيع مخالفة أمر الإمبراطور؟”
“أنت تستطيع يا أبي!”
“لقد قلتِ بنفسك أنك لا تريدين الذهاب إلى الشمال. إذن الأمر حسن، هذا أفضل.”
“كيف يكون حسنًا؟! أتريدني أن أتزوج من أحد أفراد العائلة التي قتلت أمي؟!”
“بلى. هذا ما سيحدث.”
صرخت بانفعال:
“أبي!”
لكن الدوق قاطعها ببرود:
“كفي عن الجدال. أترضين أن تسيل الدماء مرة أخرى بسبب عنادك؟”
عضّت هيلينا على شفتيها حتى كادت تنزف، وحدّقت فيه بعينين تتأجج فيهما الغضب.
لكنه لم يبالِ، بل قدّم لها حزمة من الأوراق.
قال وهو يدفع بها إليها:
“خذيها.”
نظرت هيلينا إلى الأوراق بقلق، ثم تسلّمتها.
اقتربت أنا بدوري لأرى.
“هؤلاء الأشخاص…؟”
كان في الأوراق صور وأسماء مألوفة:
الكونتيسة كلوي، وبعض الوصيفات، وحتى البستاني وعدد من العاملين في قصر الإمبراطورة.
لكن بالنسبة لهيلينا في الماضي، كانوا مجرد وجوه غريبة.
سألت باستغراب:
“من هؤلاء؟”
“إنهم من سيقفون إلى جانبك. بعضهم يعمل بالفعل في القصر الإمبراطوري، والبقية سيلتحقون بك قريبًا.”
وأضاف بصرامة:
“تذكّري وجوههم جيدًا. ستحتاجين إلى مساعدتهم في المستقبل. اجعليهم عونًا لكِ، واستخدميهم كي تأسرين قلب الإمبراطور.”
وفي الوقت الذي كانت فيه هيلينا غارقة في أحلامها الثقيلة، كان سيدريك يسلك السلالم المؤدية إلى سراديب قصر الإمبراطورة.
كان يحمل بيده قصاصة ذهبية.
قصاصة وُجدت في باب مكتبه—إشارة متفق عليها بين أعضاء منظمة محبّي جلالتها الإمبراطورة.
حين تصل القصاصة، فهذا يعني اجتماع عاجل.
وقف سيدريك أمام الباب الخشبي الثقيل، قلبه يخفق بتوتر.
كلما جاء إلى هذا المكان، غمره شعور وكأنه يدخل إلى صندوق باندورا.
“يا ترى، ماذا ينتظرني هذه المرّة؟”
أخذ نفسًا عميقًا ثم فتح الباب.
“آه! حضر القائد!”
“انتظرنا قدومك، أيها القائد!”
استُقبل سيدريك بترحيب حار، فتورد وجهه من الحرج.
لم يعتد قط على لقب “القائد”.
قال بتردد:
“أرجوكم، يمكنكم مناداتي باسمي فقط… ليس من الضروري استخدام كلمة قائد.”
لكن الأعضاء صاحوا بعناد:
“لا يمكن! أنت قائدنا، وستبقى قائدنا!”
“صحيح! من دون الألقاب تنهار هيبة المنظمة.”
“القائد مرة، قائد دومًا!”
لم يجد سيدريك بدًّا من الاستسلام:
“…نادوني كما تشاؤون.”
“نعم، أيها القائد!”
جلس سيدريك متعبًا على الطاولة وسأل:
“إذن… ما سبب الاجتماع اليوم؟”
تقدمت الكونتيسة كلوي وألقت خطابًا قصيرًا:
“لقد جمعتكم اليوم لنخطط للخطوة التالية. بدايةً، لنشكر السماء أن جلالتها الإمبراطورة قد تُوّجت ملكةً لمهرجان الصيد كما خططنا تمامًا. أرجوكم، صفّقوا!”
ارتج المكان بالتصفيق والهتاف:
“عاشت جلالتها الإمبراطورة!”
“جلالتنا للأبد!”
ابتسم سيدريك بخفة وهو يراقب الحماس في وجوههم.
“لا يزالون مدهشين… من أين يأتون بكل هذا الشغف؟”
لم يتمالك نفسه فسأل:
“لكن، لماذا… لماذا أسستم هذه المنظمة أصلًا؟”
توقفت الأصوات فجأة، وساد الصمت.
نظر الجميع إليه بدهشة.
ارتبك سيدريك وحاول التوضيح:
“أعني، لا أنكر أن جلالتها تستحق الحب والإخلاص. لكن أن تكرّسوا حياتكم بهذا الشكل… فضولي فقط أن أعرف السبب.”
ابتسمت الكونتيسة كلوي بحنان وقالت:
“السؤال في محله. لكلٍّ منا سبب مختلف، لكن ما يجمعنا أننا جميعًا مَدِينون لجلالتها بفضل عظيم.”
ثم روت قصتها:
“لي ثلاثة أبناء. كان أصغرهم ضعيف الجسد منذ ولادته. وعندما علمت جلالتها بالأمر، أرسلت إلينا طبيب القصر الإمبراطوري بنفسه. وهو طبيب لا يعالج سوى أفراد العائلة المالكة. بفضل ذلك العلاج النادر، تعافى ابني وعاد للحياة.”
تأثر سيدريك، ثم تتابعت شهادات الآخرين.
رفع البستاني العجوز يديه المتشققتين وقال بعين دامعة:
“كنت أخجل من يديّ الممتلئتين بالجروح. لكن جلالتها قالت إنها أجمل يدين في العالم، لأنها تزرع البهجة في حديقة القصر. ومنذ ذلك الحين لم أعد أكره يدي.”
ضحكت الوصيفات وهنّ يذكرن موقفًا مضحكًا مع الخادمة ماري، حينما حاولت في البداية أن “تفكّ السحر” عنهن وهي تظن أن الإمبراطورة غسلت أدمغتهن.
لكن ماري احمرّت خجلًا وأجابت بجدية:
“الآن أعلم من هي جلالتها حقًا. لا أنسى يوم وقفت في وجهي الدائنين لتحميني وأسرتي. لقد فعلت الكثير من أجلي… ولن أكفيها شكرًا ولو عشت عمري كله.”
وهكذا أخذ كل فرد يحكي قصته، والكل يجتمع على حقيقة واحدة:
أنهم بدأوا طاعةً لأمر الدوق، لكن ذلك تغيّر منذ زمن بعيد.
لم يعودوا أداة بيد أحد.
صاروا منظمة محبّي الإمبراطورة بحق—
أشخاصًا نذروا أنفسهم بصدق لدعمها، بملء إرادتهم.
وفي النهاية، قالت الكونتيسة كلوي بابتسامة دافئة:
“كل ما نرجوه، هو أن تعيش جلالتها الإمبراطورة حياةً سعيدة حقًّا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 144"