الفصل 140 – “إذن، كنتِ أنتِ”
لم يكن خبر اختفاء متاعي صادمًا جدًا بالنسبة إليّ.
كنت أتوقعه مسبقًا إلى حد ما.
من قبل قال لي ليونارد إنه شعر بعطري منبعثًا من ذلك الوحش الصغير.
حينها، فكرت طويلًا: كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
ثم راودني احتمال واحد… ربما استُخدم أحد أغراضي لإضفاء عطري على الوحش.
فطلبت من وصيفاتي أن يبحثن في الأمر.
فهنّ المسؤولات عن كل ما يُحفظ في جناحي، ومن المؤكد أنهن سيجدن شيئًا.
وكما توقعت، عدن إليّ بالإجابة.
“هل عُرف مَن سرق الغرض؟” سألت.
إحداهن ردّت بأسف:
“للأسف، لم نتمكن من تحديد الفاعل. لم يُترك أي سجل بهذا الخصوص.”
لكن ذلك لم يكن مهمًا كثيرًا… فقد كان لديّ تخمين قوي بمن يقف خلف الأمر.
قالت إحداهن بقلق:
“لكن، من يا ترى قد يفعل أمرًا كهذا؟”
وأضافت أخرى:
“حتى لو كانت أشياء مرمية، فهذا مثير للريبة… قد يكون استُعمل في مكان مشبوه.”
ارتسمت ملامح التوتر على الوصيفات.
“فما الذي علينا فعله الآن؟”
“ربما علينا أن نخبر السير ليونارد. سيكون قادرًا على مساعدتنا.”
“لكن السير ليونارد منشغل بشؤون الفرسان هذه الأيام.”
“ومع ذلك، إن علم أنها مسألة تخص الإمبراطورة، فسيأتي مسرعًا بلا شك.”
“أحم، في الحقيقة لديّ فكرة ممتازة!”
كان هذا صوت الطاهي ماكس وهو يرفع كُمّه بثقة.
لكن الوصيفات تجاهلنه تمامًا.
“ماذا عن السيد سيدريك؟”
“آه! صحيح، سيدريك أيضًا موجود!”
“فكرة رائعة! فالسيد سيدريك ذكي للغاية… يكاد يكون أشبه بقائد. سيعرف كيف يحلها.”
أما ماكس، فقد ظل يلوّح بيده كالمهمل:
“أ.. أيتها السيدات…؟”
شعرت بالشفقة عليه، فالتفت إليه وسألته بنفسي:
“ماكس، ما هي هذه الفكرة العظيمة التي تتحدث عنها؟”
انتفض بحماسة:
“مولاتي الإمبراطورة! دعيني أتولى الأمر! أنا مختص بمثل هذه الأمور. من تجرأ وفعلها… سأقوم بالتخلص منه بصمت، سريعًا وبدون أثر.”
ثم رفع يده مشيرًا بحركة الذبح على عنقه.
لكن في يده لم يكن سيفًا… بل جزرة طويلة.
متى تحوّل طاهٍ خاص بالإمبراطورة إلى قاتل مأجور؟
لم أرَ في عرضه سوى مصدر قلق جديد… تخيلت أنه سيجرّ عليّ زجاجة سم مجهولة المفعول.
قلت له بحزم:
“أقدّر نيتك يا ماكس، لكنني لن أسمح لك بخوض أمر خطير كهذا.”
“… مفهوم.”
خفض رأسه محبطًا، بينما سارعت الوصيفات لمصادرة جزرتِه.
“آااه! جـ… جزرتي!”
تركت خلفي صوته البائس، وعدت للتفكير.
لقد أمسكتُ بالخيط الآن… لكن كيف أستغله؟
لم أرد تضخيم الأمر، لكنني أيضًا لم أكن مستعدة للتغاضي عنه.
تخويف بسيط فقط… هذا يكفي.
ناديت الكونتيسة كلوي:
“كلوي.”
“نعم، مولاتي.”
“هل يمكنك الحصول على مشط مطابق تمامًا للمشط المفقود؟”
ترددت قليلًا ثم أجابت:
“أجل، يمكنني. لكن… لمَ تحتاجينه؟”
أجبتها بابتسامة صغيرة:
“لأن لديّ شخصًا أرغب بإهدائه إياه.”
* * *
بعد أيام قليلة، في الحديقة الخلفية للقصر الإمبراطوري.
دعوت ضيفة خاصة.
فوجئت وقالت ببرود:
“لم أتوقع أن تستدعيني، مولاتي.”
كان ذلك طبيعيًا، فالعلاقة بيننا لم تكن يومًا ودية.
ضيفتي لم تكن سوى فاي.
كانت عيناها تتأملانني بحذر شديد.
“ما الأمر؟”
أجبتها بهدوء:
“أردت أن أهديك شيئًا.”
اتسعت عيناها دهشة:
“هدية…؟”
أشرت إلى ليونارد الذي كان ينتظر خلفي، فقام بوضع صندوق صغير أمامها.
قلت بلطف مصطنع:
“ليست هدية كبيرة… لكن أتمنى أن تعجبك.”
فاي ظلّت تحدق في الصندوق بريبة.
قلتُ وأنا أبتسم:
“لمَ لا تفتحينه؟”
“هل عليّ فتحه هنا؟”
“أجل، أريد أن أرى ردّة فعلك.”
احمرّ وجهها وقالت بغضب:
“أنا لست دمية لتسلّي بها نفسكِ!”
أجبتها:
“ليس الأمر كذلك. لكن الهدية إن لم تُفتح أمام مُهديها، فهل تبقى هدية؟ إنه مجرد احترام بسيط.”
بدت مترددة، لكنها في النهاية رضخت.
أدركت أنني لن أدعها تذهب قبل أن تفتحه.
فكّت الشريط ببطء، ثم لمّا رأت ما بداخله… شحب لونها فورًا.
سألتها متعمدة:
“هل أعجبك؟”
تمتمت بارتباك:
“ه… هذا… ما هذا؟”
أجبت ببرود:
“أما ترين؟ إنه مشط.”
رفعت رأسها فجأة، وكأنها سمعت ما لا يصدّق.
سألتها بسذاجة مصطنعة:
“ما الأمر؟ أهناك مشكلة فيه؟”
تلعثمت وهي تغطي وجهها:
“ل… لا. إنه… جميل جدًا، ففوجئت فحسب.”
لكن ردّ فعلها فضحها أمامي تمامًا.
إذن… كنتِ أنتِ.
قلتُ بهدوء قاتل:
“ظننتُ أنكِ رغبتِ به بشدة، لدرجة أنكِ لم تترددي في سرقته.”
اتسعت عيناها هلعًا:
“ماذا تقولين…! أنا لم أسرق شيئًا!”
ابتسمت بسخرية:
“إن كنتِ بحاجة إلى مشط، لِمَ لم تطلبي واحدًا جديدًا؟ لماذا وجب أن يكون مشطي أنا بالذات؟”
“هذا اتهام باطل، مولاتي!”
اقتربت منها أكثر وهمست:
“وهل قمتِ بهذا وحدك؟ أم أن أحدًا دفعكِ لذلك؟”
صرخت غاضبة:
“كفى! هذه إهانة! أنا أغادر الآن.”
لكنني أمرت ببرود:
“اجلسي، لم أنتهِ بعد.”
حدقت بي بعيون تملؤها تحديًا وقالت:
“لا يحق لكِ معاملتي هكذا. إن علم جيروم، فلن يسكت!”
ابتسمت بهدوء:
“إذن، لمَ لا ندعوه الآن ليرى بنفسه؟”
رأيتُ ارتباكها… فهي لم تكن متأكدة من موقف جيروم تجاهها.
حين حاولت أن تغادر، ظهر أمامها ظل ضخم قطع الطريق.
كان ليونارد، يقف شامخًا في بزته السوداء، يحدق بها بازدراء وكأنها لا تساوي شيئًا.
قال ببرود:
“اجلسي. لم تنتهِ كلمات مولاتي.”
ارتجفت فاي من هول نظرته.
على الرغم من أنها تحمل لقب الإمبراطورة الثانية (المحظية)، إلا أنها شعرت آنذاك وكأنها لا شيء.
رمقتها بعينين بارعتين، وقلت لها:
“لا ترتجفي هكذا. لن أقتلك هنا.”
صرخت بانفعال:
“إذن لمَ تعاملينني بهذا الشكل؟”
“سألتك سؤالًا واضحًا: هل فعلتِ هذا بأمر من أحد؟”
“أكرر للمرة الأخيرة، ليس لي علاقة! لم أسرق شيئًا!”
كلماتها المرتجفة وصوتها المتهدج لم يقنعا أحدًا.
ثم بدأت تهز رأسها وهي تلهث:
“أنا… أنا لم أفعل شيئًا… لا أعلم شيئًا!”
وفي لحظة، فقدت وعيها وسقطت على الأرض.
وفجأة… جاء الصوت الذي جمد الدماء في عروقي.
“ما الذي يحدث هنا؟”
التفتّ ببطء، وإذا بجيروم واقف خلفي، بوجه متصلب كالصخر.
التعليقات