📖 الفصل الرابع عشر: اولًا، اخلع ثيابك
فكيف لك بحق السماء ان تشرح هذا الموقف؟
قال الرجل: “اعتذر.”
كنت اطل عليه من فراشي، وهو راكع على ركبتيه تحت ضوء القمر المتسلل من النافذة خلفه. شعر فضي يلمع كأنّه امتص القمر، وجه مغطى نصفه بقناع ابيض، وعينان ذهبيتان متوهجتان حتى في العتمة.
انه نفسه ذاك الدخيل الذي كمم فمي منذ لحظات.
كرر بانحناءة متكررة ويدين معقودتين امامه: “اعتذر، حقًا اعتذر.”
القرط في اذنه كان يومض كلما انحنى. رغم انّ يده لم تعد تمسكني، قلبي ظل يخفق بعنف.
قلت مذهولة: “ما هذا بحق السماء؟”
اجاب بلطف: “اعلم، الوقت متأخر، وقد اقتحمت المكان فجأة وكممت فمك، فلا بد انّكِ ارتعبتِ.”
يا للعجب… كلامه المهذب وعيناه الصافيتان خففا توتري. لم يكن في نبرته اي نية لإيذائي، بل ربما شيء من البراءة.
سألته مباشرة: “ولماذا فعلت هذا رغم معرفتك انّه خطأ؟”
خفض رأسه وقال: “كان هناك سبب لا مفر منه.”
“اي سبب عظيم يجعلك تتسلل الى جناح الإمبراطورة؟”
انتفض الرجل مذهولًا: “هذا جناح الإمبراطورة؟!”
كاد لونه يفقد الدم، بدا حقًا انه لا يعلم.
تمتمت لأخفف الموقف: “لا تقلق، المكان آمن.”
زفر بارتياح، بينما انا ابتسم في سري. آه مسكين… لو عرف الحقيقة كاملة لأغشي عليه.
قلت بحزم: “قل لي، ما الذي جئت من اجله؟”
رد بتردد: “هناك شيء اردت رؤيته… لا يظهر الا في الليل.”
عيوني اتسعت وانا افكر: هل يقصد حبيبة سرية؟ رومانسية ممنوعة بين الحرس والنبيلات؟
لكن الرجل قال بهدوء: “الزهور.”
“زهور؟!”
انهار خيالي الدرامي في لحظة.
اعترف: “كنت اجيء منذ سنوات فقط لرؤية ازهار نادرة لا تنمو الا هنا. لم اقطفها قط، بل انظر اليها واعود.”
شهقت: “خاطرّت بحياتك ثلاث سنوات من اجل ازهار؟!”
“نعم.”
يا الهي… اي ساذج هذا؟
مع ذلك، في عينيه لم ارَ كذبًا.
تنهدت وقلت: “وماذا ستفعل الان؟ الحرس في كل مكان.”
قال بخجل: “كنت انوي الانتظار حتى يخف الحرس ثم اغادر كما دخلت.”
ضحكت بمرارة واشرت الى ثيابه السوداء: “بهذا المظهر؟ سيظنونك متسللًا آخر من عصابة الاسود.”
ارتبك وعضّ شفته.
فكرت: لو سلّمته للحرس، سيُقتل حتمًا. يقتل بسبب الزهور؟ لا… لا استطيع.
ابتسمت وقلت: “سأساعدك على الخروج. لكن بشرط، تفعل ما اطلبه.”
هز رأسه بجدية: “مهما كان.”
قلت بخبث: “اذًا… اخلع ثيابك.”
ارتجفت عيناه الذهبية.
* * *
في وقت لاحق، عند البوابة الرئيسية للقصر، انحنى الحرس لي قائلين: “جلالة الإمبراطورة!”
اجبت بابتسامة هادئة: “شكرًا لتعبكم. اردت فقط ان استنشق الهواء.”
ثم التفتوا خلفي الى الشخص المرافق. سأل احدهم: “ومن هذه؟”
قلت ببساطة: “انها احدى وصيفاتي.”
كان طويلًا جدًا على ان يكون وصيفة، لكن ثوبي الازرق الذي البسته اياه اخفى قوامه، وشعره الطويل اخفى القناع الابيض.
ولدهشتي، لم يشك الحرس. ربما لأنني انا نفسي من قدمته.
بعد ان ابتعدنا، قال بصوت مرتجف: “لِمَ لم تخبريني انك الإمبراطورة؟”
ابتسمت بخفة: “المهم انك خرجت سالمًا. لكن اسمعني، لا تعُد لمثل هذه الحماقة ثانية.”
هز رأسه بعينين مرتبكتين.
مددت خنصري وقلت بابتسامة جادة: “هنا نربط وعدًا، لا رجعة فيه.”
تردد قليلًا ثم شبك اصبعه باصبعي: “وعد. لن اكررها.”
* * *
وانا عائدة الى جناحي، تنفست الصعداء.يا له من رجل غريب… يخاطر بحياته لرؤية زهرة.
ظننت انني لن التقيه ثانية.
لكن عند مرور الظلال تحت شجرة متسلقة، سمعت صوتًا غريبًا منخفضًا: “تمامًا في الوقت المناسب…”
خرج من العتمة رجل ذو شعر احمر قاتم وعينين لا اعرفها.
تجمدت مكاني.وهذا… من يكون؟
التعليقات