الفصل 139 – هل يملك الحق أن يسميها صديقة؟
قال كارسين فجأة:
“هل تذكر، يا إمبراطور، مَن كانت تلك الفتاة؟”
تصلّبت ملامح جيروم على الفور.
كيف له أن ينسى؟
لقد كان الأمر في يوم من الأيام مخططًا دبرته والدته مع دوق هايتنغز.
وبالطبع، لم يكن كارسين يسأل بدافع الفضول، وجيروم كان يدرك ذلك جيدًا.
إنه يسأل وهو يعلم يقينًا من هي.
ضغط جيروم على أسنانه في ضيق.
يا له من رجل مُلحّ.
لقد حرص بكل قوته أن يخفي الحقيقة، فأحرق كل وثيقة كتبت فيها تلك القصة،
لكن مهما حاول محوها، لم يستطع أن يجعلها كأنها لم تحدث.
فحتى بعد قتل كل من تجرأ على ذكرها، بقيت آثارها مبعثرة، كالخيوط التي خلفتها والدته.
والآن يسمعها من جديد على لسان كارسين… وكأن رماد الماضي عاد ليتوهج.
قال جيروم بحدة:
“ما الفائدة من استرجاع ما مضى الآن؟ أهذا نوع من المزاح؟”
ابتسم كارسين ابتسامة جانبية وقال ساخرًا:
“لا مزاح… لكنني فقط فكرت، لو أن تلك الخطة اكتملت، ربما كان وضع أحدهم أفضل مما هو عليه الآن.”
“وهل يعني ذلك أن وضعها اليوم سيئ؟”
“أنت أدرى الناس بذلك، جيروم.”
ثم أضاف بتهكم ظاهر:
“ألَم يَخطر ببالك أنك تُمسك بها بالقوة؟”
رد جيروم ببرود:
“حتى لو كان ذلك صحيحًا، فليس لك شأن.”
ضحك كارسين بخفة وقال:
“بل هو شأني. كيف لا أهتم بأمر يخص صديقة مقربة؟”
ثم ألقى كلماته كالطعنة:
“ألا يجدر بك أن تُفلتها؟ إن كنت حقًا تريد لها السعادة… فقبضتك ستكسرها في النهاية. إنها ليست شيئًا.”
رد جيروم بصوت غاضب:
“صحيح… هي ليست شيئًا. ولهذا فهي أضعف من أن تتحمل. أضعف من أن تُكسر بسهولة.”
“ملك كالوس!”
زمجر جيروم وقد نفد صبره.
“إن جئت من أجل هذه النصيحة السخيفة، فاعلم أنني لن أتركها أبدًا.”
لكن كارسين لم يتراجع، بل نظر إليه بثبات وقال:
“لم آتِ أنصحك، بل أحذرك، يا إمبراطور البانتريون. احذر أفعالك… ولا تعبث بمصائر البشر.”
ضحك جيروم باستهزاء واقترب منه بخطوات ثقيلة:
“وأنا أردّها عليك: لا تعبث أنت بها. لا تختلق الألاعيب باسم الصداقة.”
كارسين شدد صوته:
“لم أفعل.”
لكن جيروم ضحك بسخرية وقال:
“تظن أنني أجهل ما تُدبره من وراء ظهري؟”
حينها، اهتزت عينا كارسين الرماديتان للحظة واحدة، كاشفتين.
ابتسم جيروم ابتسامة باردة وأردف:
“أي وقاحة… تآمرتَ على إمبراطوريتي، ثم تجرؤ أن تسميها صديقة؟ ما الذي يمنحك هذا الحق؟”
* * *
كنت أراقب جيروم حين عاد من لقائه مع كارسين.
لم يكن وجهه يوحي بحديث سار، بل كان غاضبًا بوضوح.
اقترب مني فجأة وقال:
“هل قال لك ذاك الرجل كلامًا غريبًا؟”
“كلام غريب؟” أعدت بتعجب.
فكرت قليلًا… لقد عرض عليّ أن أذهب إلى مملكته إذا تعبت.
لكن لم أرَ داعيًا لذكر ذلك أمام جيروم.
هزّ رأسه وكأنه طرد الفكرة:
“لا بأس. انسَي الأمر.”
* * *
عاد جيروم إلى مكتبه.
جلس على مقعده وأغمض عينيه، بينما كان صداع يزداد في رأسه.
كلمات كارسين كانت ما تزال تتردد في أذنه.
ذلك الشعور وكأن الآخر يعرف هيلينا أكثر منه كان يثير جنونه.
وفجأة دخلت كلوي، زوجة الكونت، تحمل بين يديها شيئًا أصفر اللون.
“هذه رسالة من محظيتك، يا مولاي.”
مدّت يدها بمنديل أصفر.
المنديل ذاته الذي أوقف نزيف ذراع هيلينا.
قالت:
“حاولت مولاتك أن تزيل بقع الدم منه، لكن هذا أقصى ما استطاعت. وإن لم يكن مرضيًا لجلالتك، ستغسله مجددًا.”
“يكفي.”
لوّح جيروم بيده ليتوقف الكلام.
غادرت كلوي، وبقي جيروم يحدّق في المنديل.
“قلتُ لها أن ترميه…” تمتم بصوت خافت.
رفع المنديل إلى جبينه، وكأنه يتلمّس أثر دفئها العالق به.
هيلينا…
ما الذي عليّ أن أفعل بك؟
لكنه كان يعرف الإجابة مسبقًا.
لن يتركها أبدًا.
* * *
في الجهة الأخرى، كانت فاي تسير بتوتر في غرفتها.
لم يعد جيروم يزورها منذ انتهاء مهرجان الصيد.
كان دائمًا يبرر بانشغاله، لكن رفضه المتكرر كشف لها الحقيقة:
إنه يتجنبني.
لم تستطع نسيان ملامحه يوم المهرجان.
حين ارتاح لسماع خبر العثور على الإمبراطورة،
وحين عبس وهو يرى ليونارد يحملها بين ذراعيه.
هل أدرك ما فعلت؟ هل عرف أنني وراء ذلك؟
ارتجفت.
هل اكتشف أنني سلّمت ممتلكاتها للآخرين؟
لكنها حاولت إقناع نفسها: لا، مستحيل.
لقد سرقت المشط من أشياء كانت مخصصة للحرق أصلًا.
من سيبحث في القمامة؟
ومع ذلك لم يهدأ قلبها.
راحت تعض أظافرها حتى لم يبقَ منها شيء.
وأخيرًا، قررت أن تذهب إلى والدتها، أنثيا.
دخلت عبر الممر السري المعتاد.
لكن حين وصلت، سمعت صوتًا مرعبًا لم تألفه.
صوت أمها، لكنه حاد وقاسٍ:
“قلتُ إن فشلتم، فستموتون. نسيت ذلك؟”
ارتجفت فاي في مكانها.
أهذه… أمي؟
شعرت كأنها تسمع ما لم يكن مسموحًا لها سماعه.
* * *
لكن فاي نسيت شيئًا مهمًا…
أن الإمبراطورة ليست وحدها.
فقد كانت هناك مجموعة صغيرة، يطلقون على أنفسهم “محبو الإمبراطورة”.
مستعدون لفعل أي شيء لأجلها.
وقد كلفتهم مؤخرًا بمهمة سرية:
“ابحثوا إن كان هناك شيء اختفى من جناحي.”
في البداية بدت المهمة مستحيلة.
من يجرؤ على سرقة شيء من جناح الإمبراطورة؟
لكنهم لم يتوقفوا، وبحثوا بتعاون الحراس والخدم وحتى الطهاة.
وأخيرًا، عادت الكونتيسة كلوي لتقول:
“مولاتي… كما توقعتِ. هناك شيء مفقود.”
“ما هو؟”
“مشطكِ.”
ثم تابعت:
“كان من المفترض أن يُحرق مع الأشياء القديمة… لكن اسمه لم يكن في القائمة.”
رفعت إحداهن صوتها غاضبة:
“من يجرؤ أن يلمس ممتلكات الإمبراطورة! حتى لو كانت أشياء سترمى، لن أغفر له أبدًا!”
أما فاي، فقد ظنّت أنّ لا أحد سيفتش في القمامة…
لكن الواقع لم يكن كما توقعت
التعليقات لهذا الفصل " 139"