الفصل 123: يبدو أنني أنا من فاز
“…الآن، ما الذي تفعله بالضبط؟”
سأل ليونارد بصوت منخفض يقطر بالغضب.
كارسن ابتسم باستهزاء وقال بهدوء:
“أظن أنه من الأفضل أن تستعيد شيئًا من وعيك. أنت تدرك أن نظرتك الآن… ليست طبيعية، صحيح؟”
لو كان هناك مرآة ليرى نفسه، لكان أدرك ما يقصده كارسن.
لكن ليونارد لم يرد سوى بكلمة واحدة:
“هراء.”
ثم ضغط بقوة على سيفه ليدفع كارسن بعيدًا.
كارسن تراجع خطوتين بملء إرادته، وكأنه لا يأخذ الأمر بجدية.
“هل أخبرك كيف تبدو لي الآن؟”
“…”
“مثير للشفقة يا سير ليونارد.”
“…”
“لم أتخيل أنك قد تفقد صوابك بهذه السهولة. يبدو أنني أسأت تقديرك.”
كلمات كارسن الساخرة لم تزعزع ليونارد قيد أنملة.
“لا يهمني ما تظنه بي.”
استدار ليكمل قتاله مع الوحوش، لكن…
تَشَانغ!
سيف كارسن اعترض طريقه مجددًا.
“تنحَّ جانبًا.”
صوت ليونارد انخفض أكثر، حتى إن نبرة القتل فيه جعلت كارسن نفسه يتنبه.
ضغطٌ خانق، ثقيل، نادرًا ما شعر بمثله.
ابتسم كارسن ببرود وقال:
“إن كنت تريد المرور، فعليك أن تطيح بي أولًا.”
“…”
“طبعًا، إذا كنت قادرًا على ذلك.”
في تلك اللحظة، اشتعلت عينا ليونارد الزرقاوان.
هجومه كان خاطفًا.
تَشَانغ! تَشَانغ! تَشَااانغ!
تبادلا الضربات بلا أي تردد.
كل ضربة كافية لقطع الرقبة إن أخطأ أحدهما لحظة واحدة.
صوت الحديد المتصادم غطّى الغابة.
رغم التكافؤ المبدئي، بدأ كارسن يتراجع قليلًا قليلًا.
ليونا رد ضغطه بلا هوادة حتى ألصقه بجذع شجرة.
“انتهى الأمر.”
رفع ليونارد سيفه ليجهز عليه.
لكن في اللحظة الحاسمة…
“…!”
انحنى كارسن فجأة ليتفادى الضربة، وتحرك بخفة لا تصدق.
حين استوعب ليونارد ما حدث، كان كارسن قد وصل خلفه بالفعل.
مواقعهم انعكست بالكامل.
“مساء الخير.”
ابتسامة متهكمة ارتسمت على وجه كارسن، مختلفة كليًا عن الرجل الذي بدا وكأنه يُسحق قبل ثوانٍ.
الحقيقة؟
كارسن كان يتعمد التظاهر بالضعف ليجر ليونارد إلى هذه اللحظة.
وفي حالته المضطربة، لم يدرك ليونارد الفخ.
“يبدو أن الفائز… هو أنا.”
رفع كارسن يده وأراه قطعة قماش صغيرة.
كانت جزءًا من ياقة ليونارد، قطعها بخنجر قصير وهو يتفادى الهجوم الأخير.
الرسالة كانت واضحة: لو أراد، لكان قطع أكثر من مجرد قطعة قماش.
ليونارد شدّ قبضته بغيظ.
كارسن أضاف بصوت جاد هذه المرة:
“استفق. لن تبقى هنا لتقتل الوحوش بلا نهاية، صحيح؟”
“…”
“يجب أن نذهب لنبحث عنها. عنها هي.”
اسمها لم يُذكر، لكن ليونارد فهم فورًا.
عيناه، التي غشاها الغضب، استعادت صفاءها.
‘صحيح… لا وقت لإضاعته هنا. عليّ أن أجد هيلينا.’
أمسك سيفه مجددًا، والشعور بوزنه عاد إلى يده كما كان.
قال كارسن مبتسمًا:
“تعترف بأنك مدين لي، أليس كذلك؟”
أجاب ليونارد بصرامة:
“نعم… كثيرًا.”
“جيد. سأستوفي دَيني لاحقًا.”
وقبل أن يكملوا، هاجمهم وحش آخر.
لكن بضربة واحدة دقيقة، سقط الوحش.
كان ذلك سيف موريتز، الذي صرخ غاضبًا:
“أيها الأحمقان! أهذا وقت المبارزات؟! أنا هنا أقاتل عن ثلاثة أشخاص وحدي!”
في مكان آخر…
“يبدو أن هناك من تعمد أن يُظهر الأمر وكأنك قتلت الوحش.”
قال جيروم بحدة بعد أن صدّ سهمًا استهدفهما.
“وماذا سنفعل الآن؟”
سألته هيلينا بتوتر.
“نهرب، طبعًا.”
“نهرب…؟!”
لم يترك لها فرصة للاعتراض، إذ رفعها خلفه على صهوة حصانه وانطلق بسرعة هائلة.
الريح تصفر حولهما، والسهام تتساقط.
هيلينا شهقت: “إنهم…! قتلة!”
رجال مقنّعون بالسواد خرجوا من بين الأشجار، يطاردونهم بلا توقف.
جيروم صدّ السهام ببراعة لا تُصدق، كأنه يملك عيونًا خلف رأسه.
هيلينا ضغطت على مقبض النشاب الذي تحمله:
“أستطيع مساعدتك! بقي معي عشرة سهام فقط، لكن…”
قاطـعها جيروم ببرود:
“لا تستخدميها. عشرة سهام لن تُغير شيئًا. احتفظي بها للحظة حاسمة.”
كلماته كانت منطقية، لكنها شعرت بالعجز.
وفي تلك اللحظة، استيقظ الوحش الصغير في حضنها، يفتح عينيه وينظر إليها بنعاس.
‘صحيح! الانتقال المكاني!’
همست له بسرعة: “هل يمكنك فعل ما فعلته من قبل؟ أن تنقلنا بعيدًا؟”
لكن الوحش الصغير هز رأسه ببراءة. لم يكن الأمر بإرادته.
أحبطها ذلك، وقبل أن تكمل التفكير…
توقف حصان جيروم فجأة.
“لماذا…؟!”
نظرت للأمام، فإذا بهم أمام جرف شاهق يتدفق تحته شلال هادر.
“على ما يبدو… انتهى طريق الهرب هنا.”
قال جيروم وهو يشهر سيفه.
المطاردون ظهروا من جديد، يضحكون:
“انتهت لعبتكما.”
اندلعت المعركة.
هيلينا خبأت الوحش خلفها، تقاتل بالقدر القليل من السهام التي تملكها.
أما جيروم فكان يقاتل كعاصفة، يسقط خصمًا تلو الآخر.
لكن هيلينا وقعت في موقف مميت.
نضبت سهامها تمامًا، وأحد القتلة انقض عليها بسيفه.
‘هكذا… سأموت؟ بعد كل ما فعلت لأتفادى نهايتي…؟’
في اللحظة الحرجة، دوى صوت يناديها:
“هيلينا!”
رأت خصلات الشعر البلاتيني تلمع، وذراعين قويتين تطوقان خصرها بقوة.
وبينما صدى الطعنة يرنّ في أذنها… وجدت نفسها تسقط مع منقذها من فوق الجرف، نحو الشلال المدوّي.
التعليقات