الفصل 122 – استفق
قفزتُ مذعورة وابتعدت بخطوات متراجعة وأنا أصرخ:
«لـ… لماذا أنت هنا يا جيروم؟!»
نعم… الرجل الذي كان تحت جسدي لم يكن سوى جيروم نفسه.
ابتسم بسخرية وهو ينهض ببطء قائلاً:
«هذا ما يجب أن أسألك أنا. أليس عليك أنت أن تفسّري لي كيف ظهرتِ فجأة هنا؟»
«…»
لا أستطيع المجادلة. كلامه منطقي. لكن هل من الضروري أن ينفض الغبار عن ثيابه وكأنه متسخ بسببي؟ يحرجني أكثر!
قلت سريعًا:
«لم آتِ بإرادتي! استيقظتُ فجأة فوجدت نفسي هنا.»
ردّ بنبرة متشككة:
«تتحدثين وكأنك انتقلتِ عبر المكان.»
«يمكنك اعتبار الأمر كذلك.»
«منذ متى أصبح لديكِ مثل هذه القدرة؟»
رفعت المخلوق الصغير من بين ذراعي وأريته:
«هذا بفضله.»
تقلّصت عيناه للحظة:
«مخلوق سحري؟»
«نعم، صحيح أنه صغير، لكن أنقذ حياتي.»
قهقه جيروم بسخرية:
«مخلوق سحري منقذ؟ لم أسمع بمثل هذا الهراء.»
تجهمت وأنا أجيبه:
«قد لا تصدق، لكنه الحقيقة. وإلا كيف تفسر أنني ظهرت فجأة أمامك؟»
صمت، لكنه لم يُنكر.
نظرتُ إلى المخلوق في حضني، لا يزال نائمًا بسلام. كنت قد ذهبت لغابة الظلام فقط لإعادته إلى موطنه… ومع ذلك عدتُ إلى نقطة البداية وكأن شيئًا لم يكن.
قطع جيروم شرودي حين مدّ إليّ منديلًا.
«…؟»
لم يكن المنديل الأبيض الذي أعطيته له سابقًا، ولا منديل فاي المطرّز. كان أصفر بسيط بخيوط غير متقنة. لماذا يعطيني هذا؟
أشار بوجهه إلى ذراعي:
«أنتِ تنزفين.»
نظرتُ، فإذا بالخدش الذي سبّبته الأشواك ما زال يقطر دمًا. وما إن تذكرتُه حتى عاد الألم.
تمتمت:
«لا بأس… ليست مشكلة.»
قطّب حاجبيه وقال:
«على الأقل أوقفي النزيف.»
«كنت سأستخدم الدواء الذي أعدته وصيفاتي، لكن… آه!»
تذكرتُ أن كيس الأدوية بقي على سرج إلي. والآن لا أملك سوى مقلاع وبعض السهام القليلة.
قال بإصرار:
«خذي.»
ناولني المنديل ثانية. لم أجد بدًّا من أخذه.
«سأغسله وأعيده إليك.»
«لا حاجة. تخلصي منه لاحقًا.»
«حسنًا… كما تشاء.»
لكن محاولة لفّه حول جراحي وأنا أحمل المخلوق في الوقت نفسه كانت كارثة. تأوهت بضيق: لماذا لا يثبت؟!
قال ببرود وهو يمد يده:
«أعطيني.»
«لا حاجة! أستطيع القيام بهذا وحدي.»
«لا تكوني عنيدة. قبل أن يسقط ذاك المخلوق من حضنك.»
تأففت:
«أما كان بإمكانك قول دعيني أساعدك بدلًا من هذا الأسلوب الجاف؟»
ابتسم ببرود:
«أنتِ تعرفين أنني هكذا.»
أخذ المنديل من يدي وربطه بمهارة حول جرحي. راقبته في صمت، خائفة أن يكون في لمسه أي شيء متعمّد، لكنه لم يفعل سوى تضميد الجرح بإتقان.
سأل فجأة وهو يشدّ العقدة:
«أي صيد هذا الذي يجعلك تنزفين هكذا… بينما تحتضنين مخلوقًا سحريًا صغيرًا؟»
أجبته بصراحة:
«الأمير كارسين هو أول من عثر عليه. كان وحيدًا يتجول. فقررنا إعادته لغابة الظلام. لكن أحدهم دبّر الأمر ليبدو وكأنني قتلته.»
توقف جيروم فجأة عن الحركة:
«…ماذا قلتِ؟»
أكملت ببرود:
«المخلوقات البالغة ثارت عليّ وظنت أنني الجانية. أصابوني وأنا أهرب… وهذه النتيجة.»
قبض على أسنانه بغضب:
«من الذي تجرأ…!»
في الماضي كنت سأظن أنه هو المدبر. ألم يكن ليقتلني باسم حماية البطلة فاي؟
لكن الآن… غريزتي تخبرني أن جيروم لن يحاول قتلي بتلك الطريقة.
رفعت رأسي وسألته بهدوء:
«ومن تظن أنه وراء هذا يا جيروم؟»
في عينيه لمع بريق غامض، ثم همّ بالكلام:
«أنا…»
لكن فجأة… جذبني بقوة إلى صدره!
«ماذا تفعل…!»
وقبل أن أكمل، اخترق الهواء صوت حاد شويييك!، وسهم ضخم انغرس في الشجرة حيث كنت أقف قبل لحظة.
لو لم يسحبني جيروم… لكنت الآن مثقوبة بذلك السهم.
وفي تلك الأثناء، في غابة الظلام…
«هاه…»
أطلق موريتز تنهيدة وهو يسقط وحشًا آخر. كان يظن القتال سينتهي بسرعة، لكن مع رائحة الدم تدفقت المزيد من الوحوش.
والأسوأ أن الشمس بدأت تغرب. الليل يعني كارثة، فالمخلوقات تصبح أكثر شراسة.
صرخ موريتز محذرًا:
«يا صاحب السمو! يجب أن ننهي الأمر قبل أن يحل الظلام! وإلا سنتعرّض لهجوم مضاعف!»
لكن الأمير كارسين ابتسم بلهفة وقال:
«أوه… هذا يبدو ممتعًا!»
هذا الرجل لا يُعالج! فكّر موريتز بأسى، لكنه لم يستغرب. فكارسين كان يقاتل وهو يضحك، كساحر طفل شرير يستمتع بالدماء.
أما السير ليونارد هيلبرت، قائد فرسان المملكة العدوة، فقد أذهل موريتز أكثر. كان يسمع عن قوته، لكن لم يتصور أن يكون بهذه الوحشية.
كل ضربة من سيفه كانت تسقط وحشًا بضربة قاطعة.
لكن… شيئًا تغيّر.
بدلًا من حركاته المحسوبة والباردة، صار يقاتل بجنون متسارع. لا يبالي بالدماء التي تغطيه، كأن عقله انطفأ ولم يبقَ سوى غريزة القتل.
هذا ليس طبيعيًا… إنه أشبه بقاتل مسعور.
حتى كارسين نفسه اضطر أن يناديه:
«يا سير ليونارد، ستنهك جسدك إن قاتلت هكذا!»
لكن ليونارد لم يسمع.
كان كل فكره في مكان آخر:
هيلينا… لقد اختفت.
منذ أن ابتلعتها تلك الهالة الحمراء، لم يرها مجددًا. لو أنها سقطت وسط هذه الغابة الجهنمية؟ لن تصمد عشر دقائق.
فكّر فيها وحيدة خائفة… ودمه تجمّد من الرعب.
ارتكب خطأ. سمح لخصم أن يقترب منه—لكن بمهارة خارقة قطع الوحش دون حتى أن يلتفت.
موريتز شهق: هذا الرجل… وحش هو الآخر.
لكن فجأة، هاجم شيء آخر ليونارد. لم يكن وحشًا.
كاااااانغ!
صوت معدن يضرب معدنًا دوّى في المكان.
رفع ليونارد نظره… فإذا بسيفين متقاطعين يوقفان ضربته.
خصمه هذه المرة لم يكن وحشًا.
كان كارسين نفسه.
قال ليونارد بصوت منخفض كالثلج:
«…ما الذي تفعله الآن يا صاحب السمو؟»
✨ يتبع…
التعليقات لهذا الفصل " 122"