الفصل 121 – لقد اختفت
بعد أن قررت التوجّه إلى غابة الظلام، كان أول ما فعلته أن أعدت وصيفاتي ومعهن ماكس وكارل إلى القصر.
قالت إحدى الوصيفات بتردّد:
«ماذا؟! تقصدين أن نعود؟»
وأضافت أخرى: «نحن أيضًا سنرافقك يا جلالة الإمبراطورة!»
«نرغب في البقاء إلى جوارك وحمايتك!»
لم يكن من السهل إقناعهم بالعودة، لكن لم أستطع اصطحابهم إلى غابة الظلام. كانوا قد أنهكهم الهروب من الدب قبل قليل، ولن يتحملوا المزيد.
هززت رأسي قائلة:
«أقدّر مشاعركم، لكن الأمر في غاية الخطورة. الأفضل أن تعودوا، تتلقّوا العلاج وتستريحوا.»
اعترضت ماري بعناد:
«لكن جلالتك…!»
فتدخّل شقيقها إميل قائلاً:
«ماري، جلالتها محقّة. كيف ستذهبين بهذا الجسد المرهق؟»
بفضل إميل انتهى الجدال، وقبل أن يغادروا جهّزوا لي بعض الطعام والدواء الإضافي.
وما إن اختفوا عن أنظارنا، حتى تخلّى كارسين عن أسلوبه الرسمي وقال بنبرة مريحة:
«إذن… نتحرّك؟»
ركبنا الخيل وقطعنا مسافة طويلة حتى وقفنا أمام مدخل غابة الظلام.
قال موريتس وهو يشير:
«بعد هذا المنحدر… هناك الغابة.»
حتى من بعيد، كان الجو مشؤومًا، مختلفًا تمامًا عن الغابات الملوّنة بالخريف. الأشجار هنا مظلمة قاتمة، والضباب يغطي المكان وكأنه يحذّر الداخلين.
وفجأة، تحرّكت المخلوقة الصغيرة بين ذراعيّ، أذناها ترتعشان وكأنها التقطت شيئًا. قفزت من حضني وركضت بسرعة.
قال ليونارد بهدوء:
«فلنلحق بها.»
اتبعناها عبر الممرات الملتوية حتى توقّفت أمام مشهد صادم.
«…هذا؟!»
كان هناك مخلوق صغير آخر، جاثم تحت جذور شجرة ضخمة، جسده بارد ساكن بلا حياة.
أصدر مخلوقي الصغير أنينًا حزينًا، يدفعه برأسه، يلعقه، يلتف حوله، لكنه لم يتحرّك.
لم أستطع قول شيء من شدّة الألم.
قال ليونارد بصوت عميق:
«يبدو أن أحدًا ما قتله عمدًا… ورائحة جلالتك تنبعث منه.»
تجمّعت قطع الأحجية في رأسي. أجل… كانوا يريدون أن يظهر الأمر وكأنني قتلت صغارهم. الهدف واضح: إثارة غضب المخلوقات وجعلها تهاجمني.
ارتجّت الأرض فجأة دُمدمة…
استلّ ليونارد سيفه، وكذلك كارسين وموريتس.
قال كارسين وهو يبتسم ببرود:
«على ما يبدو… كانوا ينتظروننا.»
ومن بين الأدغال خرجت وحوش ضخمة على هيئة أرانب هائلة، بحجم دبّين مجتمعين، أسنانها حادّة وأذيالها كالسياط، عددها لا يقل عن خمسة عشر.
ارتجف قلبي:
«يا إلهي… هذه من الرتبة العليا.»
عيناهما الحمراء كانت موجّهة نحوي، والنية واضحة: أنا الهدف.
صرخت المخلوقة الصغيرة وحاولت الوقوف أمامي لتدافع عني، لكن الوحوش لم تعبأ بها وانطلقت نحوي.
«خطر!»
احتضنت المخلوق الصغير وتدحرجت بعيدًا. خدشت ذراعي بعض الأشواك لكنني نجوت.
التفتُّ ورأيت الرجال الثلاثة يقاتلون.
صرخت بأعلى صوتي:
«يا سير ليونارد! الجبهة! في منتصف الجبهة توجد نقطة ضعفهم!»
كان هناك بلّورة حمراء تلمع في جباههم. استوعب ليونارد على الفور، قفز، وضرب بدقّة ليحطّم البلّورة، فسقط الوحش جثة بلا صرخة.
بعد أن عرف نقطة الضعف، صار قتاله أشبه برقصة حربية: رشيق، محسوب، ساحر.
أما كارسين فقد اندفع بين الوحوش يلوّح بسيفيه المنحنيين بحرّية، لا يهتم بالضعف أو غيره، يقاتل بعنف ممتع كسمكة في الماء.
في حين أن موريتس ظلّ يقاتل بدقة وصبر، لا يهاجم إلا حين يتأكّد من إصابة قاضية، وكل هذا وهو يصرخ ساخطًا:
«يا صاحب السمو! ألم أقل لك أن تهاجم النقاط الضعيفة؟ توقف عن العبث!»
مشهدهم كان مدهشًا حقًا.
أما أنا فلم أبقَ بلا فعل. رفعت مقلاعي وأطلقت السهام. لم يكن تأثيري كبيرًا أمام سرعتهم، لكنّي أصبت اثنين على الأقل.
بدأت أتنفّس الصعداء إذ بدا أن المعركة تميل لصالحنا، لكن فجأة صرخ وحش قريب، وإذا بظلٍّ ضخم ينقضّ عليّ.
التفتّ متأخرة… لقد كان أمامي!
حاولت الاحتماء خلف شجرة، لكن الوحش ضربها بذيله، فتحطّمت كعود ثقاب.
«لا…!»
رفع الوحش جسده الضخم، والشجرة المدمّرة تهوي فوقي.
في تلك اللحظة…
«كيووو!»
أضاءت البلّورة الحمراء في جبهة المخلوق الصغير بين يديّ.
في وسط المعركة، كان ليونارد يراقبني رغم القتال. أراد أن يصرخ بي لأهرب، لكن شجاعتي جعلته يدرك أني لن أستمع. فركّز على إنهاء الأمر بسرعة.
لكن حين رأى الشجرة تسقط فوقي، كاد قلبه يتوقف. ركض بكل قوته، يمد يده.
«جلالتـــك!»
لكن قبل أن يصلني، انفجرت من بين ذراعيّ أشعة حمراء ساطعة، غمرتني بالكامل.
اختفيت.
سقطت الشجرة بضجّة عظيمة، لكنّي لم أكن تحتها.
«أين… هذا؟»
فتحت عينيّ وأنا مذهولة. قبل لحظة كنت في غابة مظلمة مليئة بالوحوش، والآن… مكان آخر.
تذكّرت ما حدث: البلّورة على جبين المخلوق أطلقت ضوءًا أحمر، ثم شعرت بجسدي يُسحب في الفراغ.
«هل… نقلتني عبر المكان؟»
المخلوق الصغير غفا بين ذراعي بعد أن أنهكه استخدام قوته. ربتّ على وجنته وابتسمت:
«شكرًا لك.»
لكن الدوار كان شديدًا، مع صداع يضغط على رأسي. حين هدأ، نظرت حولي. ما زلت في غابة، لكن مختلفة. ليست مظلمة بل خضراء، وفي الأفق شجرة عملاقة تشقّ السماء.
«هذه الشجرة… رأيتها من قبل… في أحلامي.»
نعم، كان هذا هو المكان الذي حلمت فيه بجيروم وهو ملقى أرضًا. أيقنت أنني في الغابة القريبة من القصر حيث كان يقام الصيد الملكي.
ارتحت قليلًا: على الأقل لم أُرمَ في عالم مجهول.
لكن ما من وقت. يجب أن أعود إلى الآخرين. أردت أن أنهض، لكن حين وضعت يدي على الأرض أحسست بحرارة غريبة، كأنها جسد حي.
نزل بصري ببطء…
عَيْنان حمراوان بارِدتان تحدّقان بي.
وبصوت منخفض، قال الرجل تحت جسدي:
«إذا أدركتِ الوضع… ألا تظنين أنه حان الوقت أن تنزلي عني؟»
شهقتُ بصدمة.
«ماذا…؟! لماذا أنا فوق هذا الرجل؟!»
✨ يتبع…
التعليقات لهذا الفصل " 121"