الفصل 120. الدمية الغبية العالقة في الوهم
أن تصدر رائحتي من صغير المخلوق الوحشي؟!
هذا أمر مستحيل.
فأنا أصلاً لم أره إلا اليوم لأول مرة.
لكن لماذا…؟ كيف يمكن أن يشمّ أحدهم عطري منه؟
في تلك اللحظة، عادت جملة كارسين لترنّ في رأسي:
― لماذا جئت به إليّ؟
― لأني شعرت أن جلالتكِ يجب أن تعرفي… وأردت أن أرى كيف ستتصرفين.
ظننت أن صوته كان مجرد مزحة ثقيلة، لكن الآن…
لم يكن يريد اختبار ردة فعلي على رؤية مخلوق صغير.
بل كان ينتظر كيف سأتعامل مع الموقف بأكمله.
وأنا غارقة في حيرتي، ارتسمت ابتسامة ماكرة على طرف شفتيه.
ثم سألني:
“والآن… ما الذي تنوين فعله، يا جلالة الإمبراطورة؟”
عيناه الرماديتان كانتا تراقبانني بثبات.
ــ
في الوقت نفسه.
“حقاً؟ هي التي فعلت ذلك؟”
كانت أنتيا، والدة فاي، تستمع إلى تقرير أحد رجالها.
رجُل برباط عين سوداء يخفي نصف وجهه.
قال بخشوع: “نعم، سيدتي. تماماً كما أمرتِ… حصلنا على الشيء المطلوب.”
“جيد… أحسنت هذه المرة.”
ابتسمت أنتيا ببرود. مع أن المهمة لم تكن بتلك الصعوبة أصلاً.
ما طلبته من فاي كان بسيطاً للغاية:
أن تحضر شيئاً من متعلقات الإمبراطورة… أي شيء تلمسه دائماً.
مرآة، غطاء، قطعة قماش… لا يهم.
مهمتها توقفت عند هذا الحد.
أما ما سيُفعل بالشيء لاحقاً، فذلك أمر لم تشأ أنتيا أن تفصح عنه.
فقط أمرتها بالانتظار وعدم التورط أكثر كي لا تفسد الخطط.
يبدو أن الفتاة بذلت جهدها حقاً… محاولةً الإمساك بقلب الإمبراطور بأي وسيلة.
ضحكت أنتيا بسخرية.
الحب… يا لها من مشاعر بلهاء.
لا تجلب سوى العمى وفقدان البصيرة، حتى يتحول الإنسان إلى دمية مقيّدة بخيوط وهمية.
ومع ذلك…
لتبقَ هكذا قليلاً بعد. حتى تنتهي مهمتها وتؤدي دورها كاملاً.
رفعت رأسها وسألت:
“وما الخطوة التالية؟”
ابتسم الرجل: “اتركي الأمر لنا، سيدتي. نحن نعرف هذه الغابة أفضل من أي أحد.”
“جيد. إن نجحتم، فلن أبخل بالمكافأة.”
لكن الرجل صرخ بانفعال: “أنا لا أريد مكافأة! كل ما أطلبه… أن أقتل ذلك الإمبراطور اللعين بيدي!”
عينه الوحيدة المشتعلة بالحقد لمعت بالدماء.
ضغط على صدره وهو يهتف: “سأمزقه تمزيقاً ولن أشبع حتى أراه يلفظ أنفاسه!”
تأملته أنتيا بهدوء: “واضح أن حقدك كبير.”
قهقه الرجل بمرارة: “كبير؟! لقد قتل رجالي جميعاً… اضطررت لبناء قوة جديدة من الصفر، أقوى من السابق.”
لكن كلمات الانتقام لم تحرك في أنتيا ساكناً.
سألته ببرود: “وماذا عن الرجال الذين يحرسون الإمبراطورة؟”
تذكرت ما كتبته فاي في رسائلها…
أولئك الذين يحيطون بها ويحمونها، ويُفشلون كل خطة في اللحظة الأخيرة.
خصوصاً قائد الفرسان… ذاك الرجل يسبب لها صداعاً متواصلاً.
“يجب أن نتخلص منهم معاً.”
اعترض الرجل: “هذا مستحيل! ليسوا خصوماً عاديين.”
ابتسمت أنتيا بفتور: “ولهذا السبب أعطيتك الطريقة.”
“لكن جذب الوحوش لن يكفي…!”
قطعت حديثه ببرود: “أتريد أن أضع كل الخطط عنك أيضاً؟”
شهق غاضباً: “ما هذا الكلام؟!”
أدارت نظرها إليه بحدة: “ألم تقل إنك تريد رأس الإمبراطور؟ إذن أثبت أنك تستحقه… وقدّم لي ما يعادل ذلك.”
ثم مدت إصبعها ورسمت بخفة خطاً وهمياً عبر عنقه.
إشارة صامتة لما قد يحدث إن فشل.
ابتلع ريقه بصعوبة، فيما همست أنتيا:
“لا داعي أن أذكرك بما سيأتي إن خيّبت أملي… أليس كذلك؟”
ــ
في المعسكر، بعد صمت قصير سألتُ ليونارد:
“كم نحتاج للوصول إلى غابة الظلال حيث تعيش الوحوش؟”
أجاب: “إن تحركنا فوراً على الخيول… يمكننا الوصول قبل غروب الشمس.”
فكرت قليلاً ثم أومأت. “إذن سنعود قبل انتهاء مهرجان الصيد غداً صباحاً.”
لكن ملامح القلق ارتسمت على وجهه.
“جلالتكِ… لا تفكرين حقاً بأخذ هذا الصغير إلى هناك بنفسك؟”
“بالضبط، هذا ما أنوي فعله.”
اتسعت عيناه بصدمة: “مستحيل! غابة الظلال خطيرة حتى على الفرسان المدربين!”
انضمت الكونتيسة كلوي، وبقية المرافقين بدوا متفقين معه.
لكنني قلت بحزم:
“لا يمكننا تجاهل الأمر. وجود هذا الصغير طليقاً أثناء يوم كهذا سيجلب كارثة أكبر.”
قال ليونارد باندفاع: “إذن دعيني أذهب وحدي.”
أجبته بصرامة: “لا. هذا شأني أنا. استُهدفتُ شخصياً بهذه الخطة، وعليّ أن أواجهها بنفسي.”
نظر في عيني طويلاً، ثم انحنى بانضباط.
“إذن… سأكون معكِ حتى النهاية، بصفتي حاميك.”
ارتسمت ابتسامة راضية على شفتي كارسين:
“حسناً، القرار اتُّخذ.”
ــ
وفي مكان آخر…
“مولاي.”
اقترب قائد الفرسان غابيان من الإمبراطور جيروم.
“هل ستستمرون على هذا الحال؟ لم تصطاد شيئاً حتى الآن.”
لقد مر وقت طويل منذ بدأ مهرجان الصيد، لكن جيروم لم يحاول حتى رفع سيفه.
كان يتنقل بوجه خالٍ من الاهتمام.
قال غابيان بقلق: “لسمعتك صاحب السمو على الأقل… اصطاد واحداً. الأمر لا يتطلب جهداً كبيرا منك سيدي .”
لكن جيروم أجابه ببرود: “قلت لك… لا رغبة لي اليوم بالصيد.”
زفر غابيان وهو يشيح بصره.
عيناه سقطتا على مقبض سيف الإمبراطور، حيث عُقدت منديلاً مطرزاً بزهور الزنبق الأبيض… هدية من الإمبراطورة.
ستُحزنها خيبة الأمل إن عادت يدها فارغة.
ظنّ يوماً أن مكان الإمبراطورة في قلبه، لكن المنديل المربوط اليوم لم يكن لها… بل للملكة الثانية، فاي.
فكّر غابيان بقلق: هل حدث شجار بينهما؟
رغب أن يسأله، أن يواسيه، لكنه في النهاية اكتفى بالصمت ومرافقته كالعادة.
وفجأة، أوقف جيروم حصانه وقال:
“هذا يكفي. من الآن… لا تتبعني.”
تجمد غابيان. “ماذا؟ مولاي، هذا خطر! ما زلنا نفتقد اثنين من الحرس الخاص!”
لكن جيروم لم يتراجع: “أريد أن أبقى وحدي.”
رغم إصرار غابيان على المخاطر، لم يتغير قرار الإمبراطور.
لم يجد القائد خياراً إلا أن ينحني قائلاً:
“…كما تأمرني سيدي .”
وبينما كان يراقب ظهر جيروم يبتعد، تمتم غابيان في سرّه:
إلى ذلك المكان مرة أخرى…؟
التعليقات لهذا الفصل " 120"