الفصل 12: إشاعة غريبة
ظلّ القصر الإمبراطوري ضجِجًا لفترة بسبب حادثة خاتم الإمبراطورة الثانوية.
فبسبب إهمالها في حفظ أغراضها، وصل الأمر إلى حدّ تفتيش جناح الإمبراطورة نفسها.
قالت إحدى الوصيفات وهنّ يتبادلن الأحاديث: “ما الذي سيؤول إليه أمر سموّ الإمبراطورة الثانوية برأيكِ؟”
فأجابت أخرى: “لا أعلم، لكن جلالته الإمبراطور لم يُبدِ أي تعليق حتى الآن.”
رفعت ثالثة حاجبها بقلق وقالت: “لا يكون الأمر يُطمَس هكذا، أليس كذلك؟”
“مستحيل! كيف يدفنونه؟ بسببها تعرّضت الإمبراطورة صاحبة الجلالة للمهانة!”
اشتعلت غيظًا وهي تُقبض كفّها.
لكن صوتًا هادئًا تدخّل، كان صوت الكونتيسة كلوي: “ولمَ لا؟ من الصعب اعتبارها مسؤولة بالكامل. فهناك مسألة الغراب أيضًا… الأمر ملتبس بعض الشيء.”
وكانت مُحقّة.
فمنذ أن اقترحتُ أنا تلك الحيلة حول الغراب، علمت أنّ تحميل “فاي” الوزر كله لن يكون سهلاً.
لكن لم يكن ذلك مهمًا. كل ما أردته هو أن أتفادى الشبهات وأتخلّص من التهم.
فلا رغبة لي بعد الآن في أي شرّ أو مؤامرة.
لكن حقًا… ربما حتى لو اعتُبرت فاي المخطئة، لما عوقِبت أصلاً. فهي تملك حاميًا لا يُقهر: الإمبراطور نفسه.
وما دام واقفًا خلفها، فالعقوبة أمر مستحيل.
ومع ذلك، لم أعزم على ترك الأمر يمرّ مرور الكرام. أنا لستُ مَن يقبل أن يُهان دون رد.
يا إلهي، حتى التوقف عن دور “الشريرة” صعب للغاية.
تنهدت بعمق. لن يهدأ بالي إلا إذا غادرت هذا القصر يومًا.
“لكن، ما كان الأكثر إدهاشًا في الموضوع…”، قالت وصيفة بابتسامة متحمّسة.
“أن يكون السير ليونارد قد قدّم خاتمًا كهذا لجلالتكِ الإمبراطورة!”
“تمامًا! ونفس الخاتم الذي تملكه فاي سموّها!”
نظرن إليّ بدهشة وكأنّ الأمر أشبه بخيال.
وأضافت إحداهن موجّهة كلامها لي: “لا بد أنّ الأمر كان صادمًا لجلالتكِ.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة: “آه… نعم. كان مفاجئًا للغاية.”
في الحقيقة؟ لم يكن مفاجئًا أبدًا… فأنا التي طلبتُ منه ذلك أصلًا.
حتى أنكم يا عزيزاتي، لم تلاحظن أنّ الهدية في ذلك الصندوق لم تكن خاتمًا أساسًا!
هاهاها… لكن هذا سرّ تجاري لا يُباح به.
ومن جهلهنّ بالحقيقة، أخذت الوصيفات ينسجن الأقاويل:
“ومنذ مدة وهو يتردّد إلى جناح جلالتكِ…”
قالت إحداهن بعينين متلألئتين: “أليس واضحًا؟ السير ليونارد مُعجب بجلالتكِ!”
“يا إلهي! لستُ الوحيدة التي فكّرت في ذلك إذن؟”
“أجل، والخاتم دليل واضح…”
قاطعتهم بصرامة: “مستحيل.”
رجاءً، لا تزيدوا الطين بِلّة بمثل هذه التخيلات الخطرة.
لكن أخرى ردّت بثقة: “لكن السير ليونارد معروف بأنه لا يلتفت للنساء.”
“ولم يسبق أن أهدا إحداهن خاتمًا!”
لا يا عزيزاتي… ذلك الخاتم لم يكن ذا معنى رومانسي! كان طلبي أنا!
ضحكت بخفة لتخفيف التوتر وقلت: “لقد قال إنه مجرد ردّ جميل لأني أعرتُه كتابًا.”
لكن في الحقيقة، لم يكن هذا الموقف جديدًا. فالوصيفات لم يكنّ الوحيدات اللواتي يثرثرن.
فمنذ أن صار ليونارد يدخل جناحي، بدأ كثير من أهل القصر يتهامسون حولنا.
وكل مرة أنفي وأكرّر: لا علاقة بيننا! لكن لا أحد يُصدق.
وفجأة، انفتحت الأبواب: “جلالتكِ الإمبراطورة!”
دخلت ماري بوجه متهلّل قائلة: “السير ليونارد جاء لزيارتكِ!”
في تلك الأثناء، جلست “فاي” في جناحها تعرض فساتينها الجديدة على الإمبراطور “جيروم”.
“فكّرتُ يا مولاي أن أرتدي هذا الفستان في الحفل القادم. ما رأيكم؟”
أجاب وهو ينقر بسبابته على الطاولة: “…لا يعجبني.”
ارتسم الحزن على وجهها: “أحقًا؟ لقد بذلتُ جهدًا كبيرًا في اختياره.”
ثم تردّدت قليلًا قبل أن تقول بخجل: “فهل ترافقني لاختيار آخر معًا؟”
لكن الإمبراطور تمتم بشيء غامض: “كنتما تعرفان بعضكما إذن…”
“مولاي؟”
“لا شيء. كنتُ شاردًا فحسب. أعيدي ما قلتِ؟”
تنفست “فاي” بعمق وقالت بجدية: “قلتُ إني أحتاج إلى فستان جديد.”
“اشتري ما تشائين.”
اقتربت منه أكثر، وعيناها تلمعان بالدموع: “بل أريدك أن ترافقني…”
كان منظرها مؤثرًا، حتى كاد يُحزن القلب.
فقال لها بابتسامة صغيرة: “حسنًا، سنذهب معًا.”
لكن عينيها لم تُبدِ ارتياحًا.
ثم سألته بصوت مرتجف: “مولاي… هل ما زلتم غاضبين مني بسبب الخاتم؟”
أجابها ببرود أول الأمر، فزاد قلقها.
“أرجوكم سامحوني… لقد كان خطأي، كان عليّ أن أحافظ عليه.”
أضافت بانفعال: “لكنكم تعرفون أن الغراب هو من سرقه!”
قهقه جيروم فجأة: “هل تصدقين حقًا تلك القصة؟”
ارتبكت وقالت: “أليس الأمر كذلك؟”
فأجاب بابتسامة غامضة وهو يلمس شعرها برفق: “كيف أغضب من حبيبتي؟”
“أحقًا ما زلتم تحبونني؟”
“بالطبع.”
لكن بينما كان يُحوّل نظره نحو النافذة، كان وجه “فاي” يغدو بارداً، دون أن يلحظ ذلك.
أما أنا… فقد وجدت نفسي مرة أخرى أمام ليونارد، يجلس في جناحي وكأنه في مكانه الطبيعي.
قال ببرود: “لا غنى لي عن شرب الشاي هنا، لقد أدمنتُه.”
فرفعتُ حاجبي: “إلى متى ستستمر في المجيء بحجة الشاي؟”
ابتسم بمرح: “إلى أن تُملّيني.”
ثم سأل: “بالمناسبة، هل استخدمتِ هديتي الأخيرة؟”
آه، ليس الخاتم… بل الهدية الحقيقية: زجاجة عطر.
“نعم. كانت رائحته رائعة فعلًا.”
كان صادقًا، لم يكن مجاملة. حتى وصيفاتي اندهشن وسألن من أين حصلتُ عليه.
ابتسم: “يسرّني أنه نال إعجابك.”
لكن فجأة قال: “لكنه لم يكن من صنع عائلتي كما تظنين.”
أجبت بدهشة: “إذن…؟”
قال بثقة: “أنا من صنعته.”
ثم أضاف بابتسامة آسرة: “إنه عطر وحيد في العالم… صنع خصيصًا لكِ وحدك.”
شهقتُ بدهشة. عطر فريد لا يملكه سواي؟
قال: “لن يشمّ أحدٌ سواكِ هذه الرائحة. إنها بصمتكِ الخاصة.”
كانت كلماته خطيرة، وصوته مليء بالإغراء.
فحاولت أن أضع حدًا: “من الأفضل أن تتوقف عن زيارتي. بدأت تنتشر شائعات غريبة.”
“شائعات؟”
“عنّا… عن علاقتنا.”
خفضت صوتي: “يقولون إن بيننا أمرًا… غير بريء.”
تنهدتُ بتعب: “أنا متعبة من الأقاويل. وأنت أيضًا لا تريد أن يُزجّ اسمك معي، أليس كذلك؟”
لكن ليونارد أجاب بابتسامة ثابتة: “ومن قال إني أمانع؟”
ارتجفت عيناي بدهشة: “ماذا؟!”
اقترب أكثر وقال بصوت عميق: “بل أفضل أن تتحول الشائعة إلى حقيقة.”
…حينها لم أدرِ أن هذه الكلمات ستُشعل أحداثًا لا رجعة فيها.
التعليقات لهذا الفصل " 12"
مسرع مسرع