الفصل 119. لماذا أنتِ وحدك مختلفة؟
“هاها… هذه المرة يبدو أنني اصطدت فريسة كبيرة حقاً.”
“…الأمير كارسين؟”
الشخص الذي أمسك بخصر هيلينا قبل أن تسقط لم يكن سوى كارسين نفسه.
نظر إليها وهي عالقة بين ذراعيه كأنها صيد ثمين، وكانت تعابيرها تقول بوضوح إنها تفاجأت بشدة.
ليس سيئاً هذا المنظر.
فكر كارسين وهو يتأملها.
عيناها المتسعتان أكثر من المعتاد،
خديها المتوردان،
شفتيها الحمراء المفتوحتان قليلاً…
كلها كانت تعجبه.
لكن أكثر ما أثار إعجابه كان بريق عينيها البنفسجيتين وهما تحدقان به… شعور يشبه الجوع تسلل إليه فجأة، وكأنه لا يريد أن تنظر سوى إليه.
ما هذا؟ لمَ أفكر هكذا؟
تفاجأ من نفسه.
لطالما تجاهل حديث موريتز المتكرر عن ضرورة اختيار ملكة. لم يهتم يوماً بالقيود الرسمية أو الأعراف، ولم يرَ حاجة لامرأة بجانبه. هو قوي بما يكفي بمفرده.
لكن… لماذا أنتِ وحدك مختلفة؟
عندما التقاها أول مرة، اعتقد أنها ستكون مجرد شخصية مسلية.
سمع شائعات عن كونها إمبراطورة شريرة، لكن الواقع كان عكس ذلك تماماً.
ولم يُخيب ذلك ظنه، بل زاد من اهتمامه.
حين عبرت الحدود بنفسها لتبحث عن حل لمجاعة الإمبراطورية، انبهر بجرأتها.
حتى يومها… كانت تحدق بي بهذه العينين…
عينان صافيتان أرجوانيتان، تلمعان بلا خوف.
معها شعر أن الأيام ستكون أكثر إثارة.
ومنذ تلك اللحظة اشتعل فضوله تجاهها، ومع مرور الوقت تحوّل هذا الفضول إلى شيء أكبر بكثير.
ولم يدرك حقيقته إلا بعد أن غادرت إلى مملكة كالوس…
هذا ليس فضولاً… بل شيء آخر تماماً.
ابتسم بسخرية: يا للمفارقة… أن يقع الأسد في هوى الأرنب.
ــ
“أظن أن الوقت حان لتتركني.”
تململت هيلينا محاولة الابتعاد من ذراعيه. قوتها الضعيفة لم تكن لتؤثر عليه، لكنه تركها طواعية.
أحس بلحظة فراغ غريبة في ذراعه حيث كانت قبل قليل.
ــ
لماذا يحدّق في ذراعه هكذا؟
تساءلت وأنا أراقبه. بدا شارد الفكر، وعيناه الرماديتان غارقتان في عمق غير معتاد.
ناديت بخفة: “الأمير كارسين؟”
“آه، نعم.” استيقظ من شروده ونظر إليّ.
“هل هناك ما يزعجك؟”
“أنا؟”
“نعم، تبدو شارد الذهن جداً.”
ابتسم جانبياً وقال: “صحيح… كنت غارقاً في فكرة جدّية.”
“أي فكرة؟”
“آسف، لا أستطيع أن أخبر جلالتك الآن.”
رفعت حاجبيّ: “بهذا زدتني فضولاً.”
ضحك وقال: “في وقت لاحق… ربما ستعرفين بنفسك.”
تنهدت: “حسناً.” لم يكن من جدوى الإلحاح أكثر.
“شكراً لإنقاذي، لكن… كيف ظهرت فجأة؟ أفزعتني.”
“في مثل هذه المواقف يسمونه لقاءً قدرياً، أليس كذلك؟”
“أظنه مجرد صدفة.”
“لكن كلمة القدر أبهى من الصدفة، أليس كذلك؟”
ابتسم بمرح وأضاف: “في الحقيقة، جئت أبحث عنكِ لأهديك شيئاً. وبفضله تمكنت من إيجادك.”
“هدية؟”
أومأ برأسه باتجاه صغير المخلوق الوحشي الذي كان لا يزال يلتهم الطُعم.
فتحت فمي بدهشة: “لا تقل إن هذا… هو الهدية؟”
“بالطبع. أليس يعجبكِ؟”
أجبت بمرارة: “حقاً هدية لا تخطر على بال…”
“أردتها هدية خاصة، لا مملة.”
ضحكت بتوتر: “خاصة فعلاً، لدرجة أنني قد أفقد وعيي إن حصلت عليها مرتين.”
لكنه ابتسم راضياً: “سعيد أن جلالتكِ مسرورة.”
أي مسرورة هذه؟! لو تقرأ عيني جيداً لعرف أنني أصرخ في داخلي.
قلت بحدة: “هذا ليس شكرًا بل دهشة. من الذي سيهدي مخلوقاً وحشياً كهذا؟!”
أجاب بخفة: “وجدته صدفة في الغابة. كان يتجول وحده.”
تجمدت: “وحده؟ هذا غريب جداً… صغار الوحوش لا ينفصلون أبائهم أبداً.”
ضحك كارسين وهو يرمي نظرة إلى موريتز: “كما توقعت… جلالتكِ مختلفة عن غيرك.”
موريتز عقد حاجبيه وكأنه يبتلع الكثير من الاعتراضات.
أما أنا فكنت غارقة في التفكير: هل ظهر هذا المخلوق في القصة الأصلية؟
ثم تذكرت: نعم! لقد ظهر… لكنه كان أمام البطلة في الأصل، لا أمامي.
في الرواية، كان جيروم ينقذ فاي من خطر هذا الصغير الوحشي، فتتقوى علاقتهما…
أي أن ظهور هذا المخلوق هو بداية سلسلة أحداث كبيرة.
نظرت إليه وهو يرفرف بأذنيه السوداوين ويصدر صوتاً لطيفاً: “كيوو؟”
وكأنه أرنب عادي… لا عجب أن الجميع يخطئون في تمييزه.
لكن قلبي انقبض: هذا الصغير قد يجرّ كارثة قريباً.
التفتُ إلى كارسين: “لماذا جئت به إليّ؟”
ابتسم وقال: “لأني شعرت أنه يجب أن تريه بنفسك. وأردت أن أعرف ماذا ستفعلين حياله.”
قبل أن أرد، هتف موريتز: “كفى مزاحاً! لقد أخفيتَ أهم شيء عمداً، صحيح؟!”
“أهم شيء؟” سألت.
عندها، رفع ليونارد عينيه أخيراً وتحدث بهدوء:
“جلالتكِ… لم يكن أمامه إلا أن يجلبه إليك.”
“لماذا؟”
تلاقت نظرات كارسين وليونارد، ثم قال كارسين مبتسماً: “قل لها أنت، يا لورد ليونارد.”
تردد ليونارد، لكن تحت إصراري نطق أخيراً:
“إنه خفيف… لكنه واضح بالنسبة لي. هذا المخلوق يحمل رائحتكِ، يا جلالة الإمبراطورة.”
تجمدت في مكاني.
“…ماذا قلت؟!”
التعليقات لهذا الفصل " 119"