الفصل 117: سريع البديهة… مقبول
“لحسن الحظ لم أتأخر كثيراً.”
كان ذلك أول ما خطر ببالي عندما رأيت ماري وإيميل.
ولجذب انتباه الدب البني، أطلقت سهماً.
ورغم أنني أصبت ساقه اليمنى فقط، إلا أن ذلك كان كافياً ليُبعد نظره عنهما ويصوبها نحوي.
عينيه المتوحشتان التقت بعيني، وبرودة مرعبة سرت في ظهري.
لكن لم يكن بوسعي التراجع. لم أهرب.
“غرااااه!”
زمجر الدب غاضباً واندفع نحوي بسرعة أكبر من ذي قبل، كأنه لم يُصب أبداً.
‘مرة أخرى.’
بهدوء أعددت سهماً آخر، ورفعت القوس لأصوّب.
فشش!
“كواااه!”
أصاب السهم كتفه الأيسر إصابة مباشرة.
لكن الدب لم يتوقف، بل واصل الركض تجاهي بعينين لا تفارقاني.
المسافة بيننا تضيق بسرعة.
‘لا بأس…’
لم أشعر بالخوف. لأنني… كنت أؤمن.
وفجأة…
سمعت صوت المعدن وهو يُسحب، ثم صوتاً مخيفاً يخترق اللحم.
“غراااه…!”
ارتجّت الأرض تحت قدمي وأنا أسمع صرخة الدب الأخيرة قبل أن يسقط ضخم الجثة على الأرض.
لم أرَ كيف سقط، فقد كان أمامي ليونارد الذي وقف كجدار مانعاً عني المشهد.
وبعد أن تأكد من سقوطه، التفت إليّ، وابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه.
“جلالتكِ… حقاً تفاجئينني في كل مرة.”
ماري اندفعت نحوي باكية وهي تتشبث بي.
“جلالتكِ… كيف وصلتِ إلى هنا؟!”
ربتُّ على ظهرها وقلت:
“سمعت صوتك يا ماري. لم تُصابي، صحيح؟”
“كلا، أبداً! لم—”
قاطعها إيميل بسرعة:
“هذا غير صحيح، جلالتكِ. لقد تعثرت وسقطت بشدة. لا بد أن ركبتها أصيبت.”
احمرّ وجه ماري وهي تهز رأسها:
“متى؟! لا يا جلالتكِ، لم يحصل شيء!”
“ماري، يجب أن تكوني صادقة. لقد رأيتك تسقطين بسبب حجر.”
قالها إيميل بجدية، فزادت إحراجها.
التفتُّ إليها بقلق:
“ماري، أصدقيني القول. إذا كنتِ مجروحة فيجب أن أعالجك فوراً.”
ترددت قليلاً ثم قالت بصوت خافت:
“حسناً… صحيح أنني سقطت، لكن الجرح صغير فقط. مجرد خدش.”
“أريني.”
أصررت برفق.
جلست ماري مترددة، رفعت طرف ثوبها بحذر، لكنها صاحت في إيميل:
“أدر وجهك فوراً!”
“…حسناً.”
أطاعها مطيعاً.
عندها كشفت ركبتها، والجرح كان عميقاً أكثر مما توقعت. الدم سال حتى وصل ساقها.
شعرت بالألم بدلاً عنها وأنا أراها على هذه الحال.
لكنها ابتسمت وقالت بضعف:
“انظري، إنه لا شيء يا جلالتكِ… أخي فقط يبالغ.”
فهمت أنها لا تريد أن تقلق إيميل، فتماسكت وابتسمت:
“صحيح… ليس خطيراً.”
ابتسمت ماري بدورها بارتياح.
أحضرت الدواء من حقيبتي لأعالجها، لكن الغطاء رفض أن يُفتح.
بينما كنت أعبث به بارتباك، امتدت يد قوية وسحبت الزجاجة مني.
طَقطَق— فتحها بسهولة.
أعادها لي وهو يقول بصوت منخفض مطمئن:
“اطمئني، لقد انتهى كل شيء الآن.”
ارتجف قلبي أكثر مما ارتجف حين واجهت الدب. لم أدرك أن يدي كانت ترتعش.
كادت قدماي أن تخوناني لولا أن ليونارد أمسك بي بثبات، فشعرت بالأمان.
“هل أنتِ بخير؟”
“نعم… شكراً لك.”
عالجت جرح ماري بعناية، ثم لففته بضماد نظيف.
“ها قد انتهينا.”
“شكراً جلالتكِ.”
وانحنى إيميل بدوره: “شكراً لعلاجكِ لها.”
ابتسمت بهدوء:
“الفضل ليس لي، بل لكم لأنكم أحضرتم الأدوية.”
لكن إيميل أصر:
“لولاكِ يا جلالتكِ، لكان الوضع أخطر بكثير.”
أما ليونارد فبقي هادئاً وقال:
“لقد قمتُ بما يجب فقط.”
ثم سألت ماري بفضول:
“جلالتكِ… هل كنتِ مع السير ليونارد وحدكما؟”
أجبت دون تفكير:
“في البداية نعم، لكن بعد ذلك كان… آه!”
تذكرت فجأة— سيدريك!
في تلك الأثناء، كان سيدريك يسير وحيداً وهو ينظر في الاتجاه الذي ذهبتُ فيه.
“جلالتكِ…” همس بصوت حزين.
رغم علمه أنني لم أقصد تركه، ظل شعور الوحدة يخنقه.
ربت القط “لوكا” على كتفه بذيله كأنه يواسيه.
أما في الجانب الآخر…
كان كارسن وموريتس يقضيان وقتاً ممتعاً في الصيد.
موريتس، الذي طالما غرق في أوراق العمل، استمتع أخيراً بحرية مؤقتة.
لكن كارسن لم يتركه بسلام:
“مو–مو.”
“قلت لك اسمي موريتس.”
“حسناً يا مومو. هل تريد أن أريك شيئاً مدهشاً؟”
“كفى! أعرف أنك فقط تريد سرقة صيدي.”
موريتس رفض بشدة، فهو تعلّم الدرس من ماضيه معه.
لكن كارسن لم يملّ من استفزازه، حتى أثار فضوله أخيراً.
فتنهد موريتس:
“حسناً… أرني بسرعة.”
التفت كارسن نحوه بابتسامة ماكرة، ومد يده ليكشف ما يخفيه.
“انظر…!”
تسمرت عينا موريتس في ذهول:
“ماذا—ماذا فعلت؟! من أين أتيت بهذا؟!”
كان كارسن يمسك بمخلوق صغير غريب الشكل.
صرخ موريتس مذهولاً:
“إنه وحش! بل صغير وحش!”
وهكذا… لا تمر أبداً أيام هادئة في حياة السكرتير المسكين.
التعليقات لهذا الفصل " 117"