الفصل 112 – لاحقًا
قال جيروم بابتسامة ساخرة:
“إذن، لم تعودي تحاولين إخفاء الأمر.”
‘…؟ ماذا يقصد؟’
لم أسمع كلماته جيدًا، فقد قالها بخفوت.
لكن ليونارد، بحساسيته، التقطها على ما يبدو، إذ ارتسمت ابتسامة خفيفة على طرف شفتيه.
‘هل أسأله لاحقًا عمّا سمع؟’
بينما كنت أفكر بذلك، واصل جيروم الحديث:
“سمعت أن الإمبراطورة ستخرج بنفسها إلى الصيد… ويبدو أن الأمر صحيح.”
أجبته بابتسامة هادئة:
“نعم، الجلوس بلا فعل شيء أمر ممل أحيانًا.”
رفع حاجبه قليلًا:
“لم أعلم أنك تجيدين استخدام السلاح.”
صحيح، “هيلينا” الأصلية لم تكن تملك أي خبرة مع الأسلحة.
وبالطبع، فتاة نبيلة مثلها، كم مرة كان من الممكن أن تتعامل مع السيوف أو الأقواس؟
قلت ببساطة:
“أستطيع التعامل مع النشاب على الأقل.”
فتذكّر شيئًا وقال:
“ألم تكوني قد صُدمتِ من رؤية حيوان مقتول من قبل؟”
أطرقتُ برهة:
“أنا قلت ذلك؟”
ردّ بثقة:
“ومن غيرك قد يكون؟”
بدت نبرته كمن يعرفني أكثر من نفسي، فانقبض حاجباي قليلًا:
“ما الذي تحاول أن تقوله؟”
“أقول فقط: أعيدي التفكير. هل أنتِ واثقة أنكِ قادرة على الخروج إلى الصيد؟”
قلت بصرامة:
“أنا بخير. لا داعي لقلقك.”
في الحقيقة، لم يكن لدي أي نية لصيد الحيوانات.
كل ما أردته هو التجول قليلًا في الغابة والعودة.
لا اهتمام لي بلقب “ملكة الصيد”.
جيروم لم يُعجبه ردي، لكنّه لم يُكمل الجدال.
عوضًا عن ذلك، وجّه بصره إلى ليونارد.
“أتمنى أن تؤدي دورك كحارسها جيدًا. إن حدث أي مكروه للإمبراطورة، فسأحمّلك المسؤولية أولًا.”
بعد أن أنهى كلماته، استدار عائدًا إلى جوادِه.
في تلك اللحظة، خطر لي حلم الليلة الماضية: جيروم جريح بشدّة في الغابة، و”هيلينا” في الحلم كانت هي من أنقذته… على خلاف ما يُعرف في الأصل.
ناديت:
“جيروم!”
توقف ونظر إليّ.
كنت أرغب في التأكد من شيء ما. هل كان ذلك الحلم مجرد وهم، أم فيه شيء من الحقيقة؟
“أريد أن أسألك.”
“؟”
“هل… التقينا في الغابة من قبل؟”
ارتجف بصره للحظة. عيناه الحمراوان بدتا أكثر عمقًا مما اعتدت.
“ولماذا تسألينني هذا؟”
لم أستطع أن أجيبه “لأني حلمت أني أنقذتك”، فالتففت قليلًا في الكلام:
“أريد فقط أن أتأكد. لذا أجبني.”
كنت متوترة من ردة فعله. ظننته سؤالًا بسيطًا، لكنه بدا مترددًا وكأنه يتجنب الإجابة.
قلت بإصرار:
“إذن… هل التقينا؟”
وبعد صمت قصير، قال:
“نعم.”
“…!”
شعرت وكأن قلبي توقف. الحلم… لم يكن وهمًا إذن.
حدّق في وجهي، وكأنه يريد أن يرى وقع إجابته عليّ:
“هل هذا ما أردتِ التأكد منه؟”
أومأت بخفوت:
“…نعم.”
لكن رغم أنني سمعت ما رغبت، لم يهدأ قلبي.
بل بالعكس، وكأن أسئلة أكبر انفجرت داخلي.
‘إذن… إنقاذه كان حقيقيًا؟’
‘هل يعرف أنني أنا من فعلت ذلك؟’
‘وإن كان يعرف… فأين المحظية من هذه القصة؟’
ازدحمت الأسئلة في رأسي بلا توقف.
لمحت ليونارد يراقبنا بصمت. لم يتدخل، لكنه بدا وكأنه فهم أن الأمر ليس بسيطًا.
ترددت طويلًا، ثم نطقت بما كان يؤرقني أكثر من أي شيء آخر:
“هل صحيح… أن المحظية هي من أنقذتك؟”
* * *
في تلك الأثناء، كانت “فاي” تبحث عن جيروم.
فقد خرج ليُحضر جواده، لكنه تأخر كثيرًا.
سألت أحد الفرسان المارّة:
“المعذرة، أين الإسطبل المؤقت؟”
“آه! من هنا يا مولاتي.”
اتبعت إشارته، حتى وصلت أخيرًا.
لكن ما رأته جعل دمها يغلي.
جيروم لم يكن وحده.
معه كانت الإمبراطورة.
من بعيد سمعت صوتها الواضح:
“هل صحيح أن المحظية هي من أنقذتك؟”
تجمدت فاي في مكانها.
شعرت كأن قلبها سقط أرضًا.
‘لماذا دائمًا… هي؟ لماذا دائمًا تقف بجانبه؟’
* * *
أما أنا، فقد ثبتّ بصري على جيروم منتظرة جوابه.
إن كان حدسي صحيحًا، فجوابه سيكون: “لا، لم تكن المحظية.”
لكنه اكتفى بقول بارد:
“تسألين عن شيء يعرفه الجميع.”
‘ما هذا! قبل لحظة كان مستعدًا للاعتراف…!’
أخفيت انزعاجي وسألته ثانية:
“هل تقول إذن إن المحظية هي من أنقذتك حقًا؟”
فأجاب بنبرة صارمة:
“هل تظنين أنني أمزح معك الآن؟ هذا كل ما أستطيع قوله.”
ثم أشار بعينيه إلى بوابة الإسطبل.
التفتُّ، فرأيت الحراس واقفين مترددين، وكأنهم لم يجرؤوا على الدخول لوجودنا.
ركض أحدهم مسرعًا يعتذر:
“عذرًا يا مولاي، يا مولاتي، لم نكن نعلم أنكما تتحدثان هنا…”
لوّح جيروم بيده:
“لا بأس. كنا على وشك الخروج.”
بينما هممت بالتحرك، شعرت بيده تباغتني. أصابعه الباردة لمست راحة يدي بسرعة، ورسمت كلمة قصيرة بخفة لم يلحظها أحد.
فتحت كفي لأقرأ…
كانت الكلمة: “لاحقًا.”
* * *
بعد قليل، وأنا أبتعد مع ليونارد، سألني بصوت منخفض:
“إذن، تعتقدين أن المحظية لم تكن هي من أنقذته؟”
أجبته:
“لا أعلم بعد. لذلك سألته.”
ثم تابع بحذر:
“ولو لم تكن المحظية… هل لديك من تظنينه؟”
أومأت:
“ربما.”
لكن عقلي كان منشغلًا أكثر بكلمة واحدة ما زالت تحرق يدي:
“لاحقًا.”
ماذا ينوي أن يخبرني لاحقًا؟
التعليقات