الفصل 111 – “هل تواسيني؟”
كلمة واحدة خرجت من فم سيدريك – “لا أجيد ركوب الخيل” – كان لها وقع الصاعقة.
تجمد جميع أفراد “محبو الإمبراطورة” في أماكنهم، كأنهم تحولوا إلى حجارة.
ساد صمت ثقيل للحظة.
ثم كانت الكونتيسة كلوي أول من استعاد رباطة جأشها وسألت بأقصى قدر من هدوئها:
“لكن… ألم تذهب مع الإمبراطورة إلى مملكة كالوس من قبل؟ أليس صحيحًا أنك سافرت ممتطيًا حصانًا آنذاك؟”
أجاب سيدريك بخجل:
“الإمبراطورة والسير ليونارد بالفعل ركبوا الخيل. أما أنا فقد استخدمت العربة.”
ترددت الكونتيسة قبل أن تقول:
“ليس من الضروري أن تكون بارعًا للغاية. مجرد بضع دقائق فقط تكفي…”
لكنه قاطعها:
“لا أستطيع الصمود حتى ثلاث دقائق.”
“آه…”
زفّت الكونتيسة تنهيدة طويلة، بينما سيدريك لم يرفع رأسه من شدة الحرج.
كان آسفًا.
هو لا يعرف ما الذي كانوا يخططون له بالتحديد، لكنه كان واثقًا أنه أمر يخص الإمبراطورة.
لا بد أنهم اجتهدوا كثيرًا للتحضير…
والآن شعر أنه أفسد كل شيء بسبب عجزه.
قال معتذرًا من جديد:
“كان يجب أن أخبركم منذ البداية. أعتذر.”
لكن الجميع هز رؤوسهم.
“لا، سيدريك. ليست غلطتك
“بل خطؤنا نحن، لم نتحقق جيدًا. لا داعي أن تخفض رأسك.”
“ثم إننا أبلغناك بالخطة في نفس اليوم. وأصلاً، ما العيب في ألا يجيد المرء ركوب الخيل؟”
كلماتهم المليئة بالعزاء خففت عنه شيئًا فشيئًا، وبدأ يرفع رأسه قليلًا.
لكن… في مثل هذه اللحظات لا بد أن يظهر شخص يفتقر إلى الحس.
رفع البستاني الصغير “كال” يده وقال:
“إذن… ماذا سيحدث لخطتنا الآن؟”
ساد صمت قاتم، وعاد رأس سيدريك ليهبط أدنى مما كان عليه.
أما نظرات أعضاء المجموعة فقد صارت كالسهام الموجهة إلى كال.
“كال! ما هذا الكلام الآن؟!”
“ألم ترَ كيف انحنى كتفا القائد؟”
“من الذي كسر معنوياته للتو؟!”
ارتبك كال وحكّ رأسه وهو يتمتم:
“كنت… فقط أسأل عن الخطة…”
هو لم يقصد إحباط القائد، بل كان يظن أنه بعد تشجيعه حان وقت العودة إلى العمل.
في تلك اللحظة قال ماكس فجأة، وقد ضرب صدره بفخر:
“حسنًا، لا مفر إذن! ماكس سيتولى الأمر بنفسه!”
شهقت إحدى الخادمات:
“أأنت الذي سيركب الحصان؟”
أطلق ماكس ضحكة متباهية، وشاربه المزيف يهتز مع كل حركة:
“هاها! مررت بالكثير من التجارب في حياتي. ركوب الخيل بالنسبة لي كغض الطرف!”
بعضهم تهللت وجوههم، لكن الكونتيسة كلوي علّقت بقلق:
“هذا خطر. إن شاركت بنفسك قد تلاحظ الإمبراطورة وجودك.”
وافقها الآخرون:
“صحيح. يجب أن يبدو كل شيء طبيعيًا.”
كانت خطتهم الأصلية واضحة:
فريق أول يسبق ليضع الطُعم ويستدرج “الفريسة”.
فريق ثانٍ يراقب ويتواصل من المنتصف.
وأخيرًا سيدريك، الذي سيجذب الإمبراطورة نحو المكان المحدد كي تطلق بنفسها السهم الأخير
خطة لإبراز الإمبراطورة كملكة حقيقية في مهرجان الصيد.
ولهذا بالتحديد كانوا بحاجة إلى سيدريك يمتطي حصانًا بجانبها.
فلا يعقل أن تسير على قدميها وهو يركض بجوارها.
لكن الآن… لم يكن ثمة حلّ سهل.
المركبة غير ممكنة داخل الغابة.
وإلغاء دور سيدريك سيجعل الخطة تنهار.
قالت الكونتيسة بحزم:
“لن يقوم غيره بالمهمة. سيدريك سيبقى الأساس. فقط علينا أن نجد طريقة أخرى غير ركوب الخيل.”
انطفأ حماس ماكس، وانحنى شاربه بخيبة أمل، فأسرعت إحدى الخادمات تربت على كتفه مواسية.
بينما بدأ الجميع يفكر بجدية في حل بديل.
بعد أن افترقنا عن آيزاك، ذهبت مع ليونارد إلى الإسطبل المؤقت حيث ترتاح الخيول.
غريب. ألم تقل الخادمات إنهن سيأتين لترتيب الأمتعة ورعاية الخيول؟
لكن المكان كان فارغًا.
لا بأس. لا بد أنهن ذهبن لعمل آخر. حقًا ما أحرصهن.
تقدمت نحو فرسي البيضاء الجميلة، “إيلي”.
كانت فخورة المظهر، بشَعر ناعم كالحرير.
تذكرت أن ليونارد نصحني سابقًا أن أمنحها اسمًا لأقوي الرابط بيننا.
يا إلهي، كم تعبت لاختيار اسم.
جربت ثلاثة أسماء حتى استقررت على “إيلي”، لأنها استجابت له فورًا.
أطلقت إيلي صهيلًا رقيقًا حين رأتني.
ابتسمت:
“اشتقتُ إليكِ أيضًا، إيلي.”
قدمت لها بعض الجزر الفاخر الذي جهزه الطباخ ماكس.
أكلته بشهية حتى انتهى كله، ثم نظرت إليّ متسائلة عن المزيد.
ضحكت وأنا أمسح على عنقها:
“يكفي الآن، سأعطيك لاحقًا. الإكثار يضر المعدة.”
في تلك اللحظة، قال ليونارد مترددًا:
“جلالتك… بخصوص ما قاله آيزاك قبل قليل…”
كان وجهه متصلبًا منذ أن ظهر أخوه.
أدركت أنه يشعر بالذنب لأنه أخفى الأمر.
ابتسمت له بلطف:
“لا تقلق. كما قلت سابقًا، لست من النوع الذي يفتش في ما لا يريد الآخر أن يبوح به.”
لكن تعابيره بقيت ثقيلة.
“لم أرد أن أخدعك.”
أجبته:
“وأنا واثقة أنك لم تفعل. كان لديك سبب.”
أطرق رأسه قليلًا ثم سأل بصوت منخفض:
“هل… خيّبت أملك؟”
كان ينظر إليّ بعينين حزينتين، كجرو كبير مهدور الحيلة.
كدت أبتسم من رقة مظهره، لكنني تداركت نفسي.
أسرعت أقول:
“تفاجأت قليلًا، نعم. لكنني لم أشعر بخيبة أمل. لذلك لا تعتذر. لم تخطئ.”
صمت، لكنه لم يرفع عينيه.
كان دائمًا شامخًا وواثقًا. رؤيته بهذه الهشاشة أوجعت قلبي.
فبادرت وسألته:
“هل علاقتك بأخيك سيئة جدًا؟”
أجاب بعد تردد:
“سيئة… ليس بالضبط. لكنني أخطأت بحقه كثيرًا.”
“وهل حاولت الاعتذار؟”
“حتى لو اعتذرت، لن يُغفر لي. خطاياي لا تتمحى.”
قلت له بجدية:
“لا تحكم قبل أن تجرب. لن تعرف مشاعره إن لم تكلّمه بصراحة.”
ارتجفت نظرته قليلًا، ثم همس:
“هل تواسينني؟”
ابتسمت:
“هل شعرت بالراحة؟”
أومأ برقة:
“أجل، كثيرًا.”
“هذا يكفيني.”
ابتسمنا معًا، لكن خطوات ثقيلة قطعت اللحظة.
كانت خطوات مقصودة، كأنها تحمل الغضب.
استدرت، فرأيت الشعر البلاتيني اللامع تحت الشمس، وتلك العيون الحمراء الباردة التي التقت بعيني.
الإمبراطور جيروم.
أوقف خطواته وحدّق بنا.
ثم انزلقت عيناه إلى مقبض سيف ليونارد، حيث كنت قد ربطت خيط الزينة.
التعليقات لهذا الفصل " 111"