الفصل 108. من أنقذه في ذلك اليوم……
كان الناس يصفقون بحرارة، لكنّي لم أعد أسمع شيئًا.
غير أن شيئًا واحدًا كان واضحًا:
“لقد وقعتُ في الفخ.”
مهما كان قصد جيروم من فعلته، فلن يكون في صالحي. والسبب بسيط…
أدرتُ رأسي بسرعة.
هناك، بعيدًا، كانت “فاي” جالسة في مكانها المخصص.
وكما توقعت، كان وجهها شاحبًا كالورق.
لقد رأت كل شيء.
رأت بوضوح ما فعله جيروم بي.
نظراتها المرتجفة التي صوبتها نحوي كانت مرعبة بحق.
لقد أيقظ في داخلها غيرة لا يمكن السيطرة عليها… من دون أن أقصد.
(لا، لم أفعل شيئًا! هو من تصرف فجأة هكذا!)
أردتُ أن أصرخ مدافعةً عن نفسي، لكن فات الأوان.
الأمر أشبه بماء انسكب، لا سبيل لجمعه.
ما إن انتهى الحفل حتى اندفع الناس نحوي.
يبدو أن تصرف جيروم المفاجئ صدمهم أيضًا.
“جلالتكِ، ما الذي حدث بالضبط؟”
“لم نكن نتوقع من جلالته كلامًا كهذا. هل يقصد شيئًا؟”
أجبتُ على الفور، وأنا أهز رأسي:
“لا شيء على الإطلاق. مجرد إجراء بروتوكولي لا أكثر.”
كان جوابي قاطعًا.
فتنفسوا بخيبة، وأسقطوا أكتافهم بخمول.
الآن، كان جيروم يجلس بجانب فاي، محاولًا مواساتها وهي تبكي.
هذا بدوره عزز الفكرة عند الآخرين بأن ما جرى لم يكن إلا مجرد طقس عابر.
بعضهم ظل يتهامس، لكن لم يجرؤ أحد على سؤالي علنًا بعد ذلك.
غير أن وجودهم المستمر حولي أرهقني أكثر فأكثر.
وفجأة سمعت صوتًا مألوفًا:
“جلالتك.”
التفتُّ، فوجدت كارسين يتقدم نحوي.
كان أنيقًا أكثر من المعتاد، وإن ظل زر قميصه العلوي مفتوحًا كما دائمًا.
ومع ذلك بدا حضوره مميزًا.
بقدومه، استطعت التملص من الزحام.
قال مبتسمًا:
“يبدو أن علاقتك بجلالته أصبحت أفضل مؤخرًا.”
كان واضحًا أنه شاهد كل شيء.
يعلم جيدًا أن علاقتي بجيروم لم تكن على ما يرام سابقًا، ومع ذلك قالها فقط ليمزح معي.
أجبته متذمرة:
“كفّ عن السخرية. أنت تعرف أن الأمر ليس هكذا. بالمناسبة… هل رأيت اللورد ليونارد؟”
“قبل بدء الحفل بقليل استدعاه أحد الفرسان، فغادر.”
شعرت بالقلق. هل حدث أمر ما؟
لكن في الوقت نفسه، ارتحت قليلًا.
على الأقل لم يكن حاضرًا ليرى ما فعله جيروم بي.
لو كان موجودًا، لتفاقم الموقف أكثر.
قال كارسين وهو يتلفت:
“وأيضًا، أرى أن هناك شخصًا آخر غائبًا… ذاك الذي يشرب كثيرًا…”
فابتسمت:
“تقصد سيدريك. لن يأتي اليوم.”
“لماذا؟ كنت أتمنى أن نشرب معًا الليلة.”
“لا يمكنه ترك (روو) وحدها.”
“روو؟”
“قطة صغيرة. منذ فترة وهو يربيها. ما زالت صغيرة وتعتبره بمثابة أمها.”
ضحك كارسين:
“قطة؟ أظنها تشبهه فعلًا.”
فكرت للحظة، وبصراحة… كان محقًا.
بدأت الموسيقى تعزف في القاعة.
مدّ كارسين يده نحوي باحترام.
“هل تمنحينني رقصة؟”
ابتسمت:
“لمَ لا؟”
“أوو… لم أتوقع موافقتك بهذه السهولة.”
“الرقص معك أهون من مواجهة كل هؤلاء الفضوليين وحدي.”
ضحك وهو يومئ.
ورقصت معه، غير مدركة أن عيون جيروم كانت تتابعني من بعيد.
بعد الرقصة، ادعيت أن صحتي ليست جيدة وغادرت القاعة باكرًا.
فلا أحد سيعترض، بما أن الاحتفال الأساسي يبدأ غدًا في يوم الصيد الكبير.
في مقرّي، كانت وصيفاتي يتحدثن.
قالت “ماري” بغيظ:
“ما بال جلالته؟ لماذا الآن فجأة بدأ يهتم بجلالتكِ؟”
حاولت الكونتيسة كلوي تهدئتها:
“ماري، كفي.”
لكن ماري كانت مصرة:
“ألم يكن دومًا باردًا معها؟ كيف يفعل اليوم شيئًا كهذا؟”
حتى الوصيفات الأخريات وافقنها النظرات وإن لم يتكلمْن.
فكرتُ في نفسي:
(حقًا… ما الذي يدور في رأسه؟)
شعرت بالحيرة من جديد.
أدركت الكونتيسة ذلك، فأرسلت الوصيفات للخارج:
“آنستن، اتركني مع جلالتها. فقد تعبت، وغدًا يوم طويل.”
كان كلامها صائبًا.
أومأت شاكرة:
“شكرًا لكِ، كونتيسة كلوي.”
أغلقت الباب قائلة:
“إذن، ليلة سعيدة يا جلالتك.”
في تلك الليلة، رأيت حلمًا غريبًا.
لا… ليس مجرد حلم، بل كان واقعيًا بشكل مخيف.
وجدت نفسي في غابة تغمرها رائحة الدم.
جثث مقنّعين مسلحين متناثرة على الأرض… بلا شك كانوا قتلة.
ثم سمعت أنينًا.
كان هناك رجل ذو شعر بلاتيني مضرّج بالدماء، يلفظ أنفاسه الأخيرة.
عرفته على الفور: جيروم.
اندفعت نحوه، لكن حاجزًا شفافًا منعني من لمسه.
رأيته ينزف بغزارة من جرح في بطنه.
قلبي انقبض.
(إن تركته هكذا، سيموت.)
لكنني تذكرت فجأة:
“آه… هذا حلم. إنه الماضي.”
أجل. كان هذا اليوم الذي أصيب فيه جيروم و… أنقذته فاي.
هكذا كان في القصة الأصلية.
انتظرتُ وصولها.
لكن التي ظهرت بين الأشجار لم تكن فاي.
كانت امرأة بشَعر ذهبي وعيون بنفسجية…
هيلينا.
تقدمت نحوه بسرعة، قطعت جزءًا من ثوبها، وربطت جرحه بإتقان.
وقالت بصوت حازم:
“لا تمت، يا جيروم. يجب أن تعيش، حتى تنتقم أو تفعل ما تشاء… المهم أن تبقى حيًا.”
رأيت الدم يتوقف شيئًا فشيئًا.
ثم أمسكت بيده بقوة:
“عِش، جيروم.”
وبعد أن اطمأنت، ركضت لتطلب المساعدة.
عندها، فتح جيروم عينيه الضعيفتين، باحثًا عن أحد.
وفجأة، التقت عيناه بي.
هل… رآني؟
مستحيل. فأنا لست سوى متفرجة في هذا الحلم.
لكن شفتيه تحركتا بصعوبة:
“…هيـ…لينا.”
ناداني باسمها.
أردتُ أن أصرخ: لا تمت!
لكن صوتي لم يخرج.
وفي اللحظة التالية، استيقظت فجأة من الحلم.
فتحت عيني في سريري بالقصر.
أنفاسي متسارعة، جسدي مبلل بالعرق.
“لا يمكن…”
إن كان ذلك الحلم ذكرى من الماضي…
فالشخص الذي أنقذ جيروم لم تكن فاي.
بل هيلينا.
أنا.
التعليقات لهذا الفصل " 108"