الفصل 103 – الابن الثاني المريض لبيت هيلبرت
ما الذي يحدث هنا بالضبط؟
تأملتُ الكرة البيضاء الصغيرة ذات الفرو بين ذراعي سيدريك. لا، لم تكن مجرد كرة فرو، بل قطة صغيرة بعيون بنفسجية كبيرة ولامعة، شديدة الجاذبية.
حسنًا… إن جمعتُ ما قاله سيدريك حتى الآن:
“قبل فترة، خرجتُ لجمع الأعشاب خارج القصر، وهناك صادفت هذه الصغيرة مصادفة.”
“…نعم.”
“وكانت مصابة، فأحضرتها معي وقمتُ بعلاجها، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
كلما واصل الحديث، كان رأس سيدريك ينخفض أكثر فأكثر.
والقطة الصغيرة تنظر إليه بدهشة، بل وتمد مخلبها لتربت على شعره، كأنها تطمئنه. أما هو فكان يراقبني بحذر شديد.
قال مبررًا:
“طبعًا، في البداية لم أقترب منها. إن لامسها البشر، قد لا تعود إليها أمها.”
ثم أضاف:
“لذلك انتظرت وراقبت من بعيد… لكن الأم لم تظهر أبدًا. بدا وكأنها تخلّت عنها. والأسوأ أن الصغيرة كانت على وشك الموت، أنفاسها بالكاد مسموعة…”
كانت لحظة حرجة، كل ثانية محسوبة.
وفي النهاية، لم يستطع سيدريك الوقوف متفرجًا فقط، فأحضر القطة معه.
‘إذن هكذا كان الأمر…’
نظرتُ مجددًا إلى القطة الصغيرة. لحسن الحظ، بدت بصحة جيدة الآن، وقد عالجها سيدريك جيدًا على ما يبدو.
قال مترددًا:
“لكن لا أدري إن كان ما فعلتُه صائبًا. ربما تسببتُ في فصله عن أمه.”
فابتسمتُ وقلت:
“بل أنقذتَ حياته. لو تركته، لكانت النهاية مأساوية. انظر… أليس يبدو سعيدًا الآن؟”
وفعلًا، كانت القطة تداعب سيدريك بوجهها وتتمسّح في ذراعه.
“…آه.”
ارتسمت على محياه ابتسامة صغيرة.
سألته:
“لكن عندما جئتُ إلى هنا في المرة السابقة لأستعير شيئًا منك، لم أرَ هذا الصغير. هل كان موجودًا؟”
“آه… حينها كان نائمًا بعد أن أكل.”
“واليوم استيقظ إذن.”
عندها انحنى سيدريك فجأة وقال بجدية:
“أعتذر… كنتُ أخفيه. أقبل أي عقوبة ترينها.”
أجبته بدهشة:
“عقوبة؟ ولماذا أعاقبك؟”
“لأن تربية الحيوانات داخل القصر ممنوعة.”
“لكن الأمر ليس ممنوعًا تمامًا. ألم تقدّم طلبًا رسميًا؟”
“لا… لم أجرؤ. قالوا إن الموافقة لا تُمنح إلا لأسباب خاصة جدًا. إن رُفض طلبي، سيُطرد هذا الصغير إلى الشارع. لم أتحمل الفكرة.”
فهمتُ قصده. لم يُقدّم الطلب أصلًا خوفًا من الرفض.
أومأتُ ببطء:
“أفهم. لكن يجب أن تُقدّم الطلب لاحقًا.”
“…ماذا؟”
“بعدها دع الأمر لي. أستطيع حل مثل هذه المسألة بنفسي، فلا تقلق.”
اتسعت عيناه بدهشة:
“أتعنين أنه يمكنه البقاء هنا؟”
“بالطبع. هذا مكانك الخاص، فافعل ما تشاء.”
فابتسم ابتسامة مشرقة:
“شكرًا جزيلاً!”
فقلت محذّرة:
“لكن بشرط واحد. أن تتحمل مسؤوليته طوال حياته.”
“طبعًا!” أجاب دون تردد.
ثم لمس أنفه بأنف القطة وقال:
“سمعتِ يا رويا؟ كل شيء بخير.”
“رو…؟ هل أطلقتَ عليها اسمًا؟”
احمرّ خده قليلًا:
“رأيت أن الاسم ضروري ما دمنا سنعيش معًا.”
فأجابته القطة بـ “مياو” وكأنها موافقة.
في ذلك الوقت، كان كارسن في ساحة تدريب الفرقة الثانية من الفرسان.
جاءه خبر من وصيفة هيلينا بأن بإمكانه استخدام الساحة، فأتى متحمسًا:
“واو، ليست كبيرة مثل ساحات مملكتنا، لكنها جيدة.”
دخوله أثار ضجة بين الفرسان.
“هذا هو ملك مملكة كالوس؟”
“ما الذي جاء به إلى هنا؟”
“ألم تسمع؟ القائد سمح له بالتدريب هنا.”
كانت نظرات الفضول تحيط به من كل صوب. بالنسبة لهم، كان شخصية عظيمة: خصم خطير لو عدوًا، لكن حلم كل فارس أن يبارزه يومًا.
وبينما يتفقد الساحة بخطوات واثقة، تبعه خادمه موريتز يثرثر كعادته:
“مولاي، فقط تمرّن وحدك، رجاءً لا تدعو الآخرين لمبارزة.”
فرد كارسن متململًا:
“حسنًا، حسنًا يا مومو القلِق.”
ثم لمح ليونارد فابتسم:
“أوه، أليس هذا السير ليونارد؟”
“صباح الخير، سموّك.”
“كنتَ تراقب تدريب الفرسان؟”
“نعم، هذا جزء من عملي.”
فانسحب الفرسان الذين كانوا يتبارزون مع ليونارد، تاركين المجال لهما.
قال كارسن:
“تفاجأتُ أنك سمحتَ لي باستخدام الساحة.”
“أهذا غريب؟”
“ألا يثير فضولك السبب؟ ظننتك تكرهني.”
فرد بهدوء:
“كان طلبًا من الإمبراطورة.”
“ها، إذن لا تنكر كرهك لي.”
ثم أضاف بمكر:
“ما زلتَ مستاءً من ذاك اليوم؟ عندما خرجتُ مع جلالتها للتنزه؟”
لم يرد ليونارد، لكن نظرته أصبحت باردة.
كارسن ضحك بخفة:
“لم أتوقع أن تحمل الحقد طويلًا. ما الأمر؟ لا تطمئن إلا بوجودها أمامك دائمًا؟”
فأجابه ليونارد بحدة:
“بل العكس. أنا حارسها وسأبقى بجوارها دومًا. بينما أنت… ستعود إلى مملكتك بعد المهرجان.”
كانت كلمات قاسية أصابت الهدف.
ثم ابتسم ليونارد وأضاف:
“فاستمتع بوقتك هنا ما استطعت، أما أنا فسأبقى مع جلالتها طويلًا.”
ضحك كارسن بمرارة:
“لا أستطيع مجاراتك حقًا.”
ثم رفع حاجبه وقال:
“لكن تذكر نصيحتي: الوقت الكثير لا يعني الانتصار المؤكد.”
فرد ليونارد:
“لكنه يمنح فرصًا أكثر.”
“لا أحد يعرف النتيجة مسبقًا. وأنا أعشق التحديات المستحيلة. أليست الممتعة أصعب؟”
“تختار الطرق الوعرة إذن.”
فتصاعد التوتر بينهما، والجو من حولهما أصبح مشحونًا.
أما موريتز خلفهما فتمتم بيأس:
‘أرجوكما توقفا…!’
وفي قصر هيلبرت، كان كبير الخدم ألفريدو يستقبل شابًا عائدًا متخفيًا تحت رداء.
خلع الرداء ليكشف عن شعر بني متموج وعينين زمرديتين: إنه ايزك، الابن الثاني لبيت هيلبرت.
قال ألفريدو بقلق:
“سيدي، لو انكشف أمرك؟ هذا خطر.”
فابتسم إسحاق:
“لا تقلق. لا أحد يعرفني. الجميع يظن أنني الابن المريض الذي لا يغادر القصر.”
منذ صغره كان ضعيف البنية، نادرًا ما شارك في أي حفل أو مناسبة.
الأنظار كانت دومًا على أخيه الأكبر ليونارد، لذلك لم يعرف الناس شكله جيدًا.
لكن الحقيقة أنه كان نشاط سري في أعمال تجارية تحت اسمٍ آخر، مخفيًا هويته الحقيقية.
قال ألفريدو:
“هل أرسلتَ ردًا على دعوة المهرجان؟”
“طبعًا. سأحضر.”
“لكن سيدك الكبير لن يرضى…”
“لا يهم. كل ما أفعله لأجله. وأنت تعرف السبب.”
ضغط عصاه على الأرض بعصبية، وقال:
“المشكلة أنه لأول مرة يُبدي اهتمامًا بامرأة… وتكون هي بالذات!”
✨ انتهى الفصل 103 ✨
التعليقات لهذا الفصل " 103"