“أليكس، أنا هنا.”
دخلتُ المخزن حاملةً الطعام له ليأكله.
كان من الصعب عليّ الخروج هذه الليلة، فهناك من لاحظوا خروجي ليلاً وظنوا أنني أذهب لملاقاة عشيق.
لو كنتُ فعلاً أخرج كل ليلة لأقابل عشيقًا، لما شعرت بكل هذا الظلم.
أنا أعمل جاهدةً لأحمي أسرة الكونت ماينارد وسيدتي، ومع ذلك يُسيئون الظن بي!.
تذمرتُ في داخلي وأنا أبحث عن أليكس. كان مغمض العينين نائمًا.
“أليكس؟.”
لكن حالته لم تكن بخير. أنفاسه سريعة وسطحية وعرقه يتصبب باردًا.
وضعتُ الصينية على الأرض بسرعة واقتربتُ منه.
“هي، أليكس … هل أنت بخير؟.”
أمسكتُ بجسده من غير قصد وهززته، ففوجئت بحرارة جسده الشديدة ككرة من النار. سحبتُ يدي في فزع.
جرعة العلاج كانت ستشفيه بسرعة، لكن للأسف كنتُ قد استخدمتها على جرح الطعنة سابقًا.
ترددتُ للحظة ثم أخرجتُ منديلاً، بللته بماء الشرب الذي جلبته مع الطعام. كان الماء فاترًا لكنه قد يخفف حرارته قليلاً.
وضعتُ المنديل برفق على جبين أليكس، فعبس قليلاً وتحرك.
“أليكس، قد لا تسمعني الآن لكن انتظرني هنا قليلاً. سأرى إن كان هناك ما يمكنني إحضاره لك.”
لم يرد أليكس.
زفرتُ تنهيدة صغيرة، ثم ارتديتُ معطفي الواقي حتى غطّى رأسي، وانطلقتُ أركض تحت المطر الغزير.
ركضتُ طويلاً حتى وصلتُ عيادة الطبيب في أراضي الكونت.
“مرحبًا! أليس هناك أحد؟!.”
صرختُ وأنا أطرق الباب أمامي، لكن صوتي ابتلعه المطر.
“دكتور فولتاين! هل أنت بالداخل؟!.”
كنتُ أصرخ حتى بدأ حلقي يؤلمني، لكن الباب المغلق لم يتحرك.
في اللحظة التي فكرتُ فيها بالعودة إلى قصر الكونت لأحصل على دواء، أُضيء المصباح في العيادة المظلمة.
“الطبيب فولتاين!.”
استغليتُ الفرصة وطرقتُ الباب من جديد مناديةً الطبيب.
بعد قليل، فُتح الباب وظهر دكتور فولتاين بوجه متفاجئ.
“همم؟ ألستِ خادمة الآنسة فيرونيكا؟ ادخلي بسرعة، المطر شديد.”
عرفني الطبيب وعدل نظارته، ثم أفسح لي المجال للدخول. لم أرفض ودخلت. ناولني كوب ماء.
“ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ هل حدث شيء لـ… الآنسة فيرونيكا؟.”
سألني بجدية، وقد تجهم وجهه.
“لا، ليس كذلك…”
ترددتُ فجأة، هل يجوز أن أخبر دكتور فولتاين بوجود أليكس؟.
صحيح أن دكتور فولتاين لن يعرفه، لكن لا أدري هل سيفكر أليكس بالأمر بنفس الطريقة؟. ماذا لو أساء أليكس الفهم وأضر بالطبيب؟.
“تحدثي، هل الآنسة فيرونيكا مريضة؟.”
حثّني الطبيب وأنا أتلكأ. ترددتُ ثم هززتُ رأسي.
“الآنسة فيرونيكا بخير… لكن ديريك! ديريك مريض قليلًا، فجئتُ أطلب دواء.”
“ديريك؟.”
“نعم!.”
بعتُ اسم ديريك جوابًا على سؤال الطبيب، وشعرتُ بقليل من الذنب لأني استعملتُ اسمه فوق أني سرقتُ ملابسه لأجل أليكس. عليّ أن أشتري له شيئًا لذيذًا لاحقًا إن سنحت الفرصة.
“أين وكيف مريض؟ سأذهب لأراه بنفسي.”
“لا! ليس هناك داعٍ لذلك. أظن أن الدواء يكفي. الأعراض… حُمّى عالية وعرق شديد ويبدو فاقد الوعي.”
اتسعت عينا دكتور فولتاين مع كلامي.
“لا، إذا كان الأمر بهذه الخطورة يجب أن أراه بنفسي…”
“لا داعي! سأكتفي بالدواء.”
استدار الطبيب بسرعة يبحث عن حقيبته الطبية. حاولتُ منعه بإلحاح.
“سيكون من الأفضل أن أكشف عليه بنفسي.”
“ألا أستطيع فقط أخذ الدواء؟.”
لم أعد أجد عذرًا. أمسكتُ بذراع الطبيب أرجوه.
نظر إليّ الطبيب بغرابة للحظة، ثم أومأ.
“انتظري قليلاً.”
“حسنًا.”
دخل ليحضر الدواء، وأنا في الانتظار شربتُ من كوب الماء، فبرد حلقي وهدأتُ قليلاً.
“عذرًا على التأخير. هذا الدواء سيخفف حالته.”
خرج الطبيب بعلبة دواء وسلمني زجاجة صغيرة فيها أقراص.
“هذا خافض للحرارة. أعطيه هذا أولاً، وإذا لم يتحسن عودي إليّ. وإن لم ينفع سيكون من الأفضل أن أفحصه بنفسي.”
“نعم، فهمت. شكرًا لك.”
انحنيتُ للطبيب وارتديتُ معطفي جيدًا.
الوجهة التالية كانت قصر ماينارد.
كان عليّ تجهيز ماء كافٍ لأليكس، ولم أنسَ أن آخذ مناشف لتبريد حرارته. ملأتُ خمس قوارير ماء حتى لا ينقصني.
خطواتي نحو المخزن كانت ثقيلة بسبب القوارير. المطر كان يضرب كتفي بشدة، ومع الوزن كنتُ ألهث بعد خطوات قليلة.
وصلتُ بالكاد إلى المخزن. دخلتُ وأرتميتُ على الأرض من التعب.
لا، ليس وقت الراحة.
أفقتُ متأخرةً، خلعتُ معطفي واقتربتُ من أليكس.
جسده ما يزال حارًا. المنديل على جبينه أصبح دافئًا. أزلته ومسحتُ عرقه بمنشفة.
بشرته الشاحبة ترتجف بحزن. كان كتمثال بورسلين من صنع حرفي ماهر، لكن وكأنه سيتحطم في أي لحظة.
مسحتُ قطرات الماء على وجهه بيدي الباردة. عندها انقبض جبين أليكس وحاول فتح عينيه.
عيناه الزرقاوان الغائرتان كانتا تحدقان بي.
“…كلير؟.”
ناداني بصوت متعب. حينها سحبتُ يدي عن وجهه.
“هل أنت بخير أليكس؟ لا تبدو بخير.”
“لستُ على ما يرام. أشعر أن بي حُمّى.”
كان صوته باردًا كأنه يتحدث عن شخص آخر. بدا الأمر سخيفًا فضحكتُ قليلاً.
“لا تتحدث وكأنه مرض شخص آخر، إنها حالتك أنت يا أليكس.”
وبختُه وأنا أحدق فيه، فأومأ مرة واحدة.
“أحضرتُ دواءً، جرّب تناوله.”
وضعتُ حبة على فمه، لكنه عندما فتحه سقطت الحبة. نظرتُ للحبة على الأرض وعضضتُ شفتي.
سيكون أسهل لو ذوبتها في الماء.
“انتظر قليلًا، سأذيبها لك.”
أخذتُ ملعقة من الصينية، وضعتُ الحبة عليها وسكبتُ ماءً فوقها ثم حركتها برفق بالشوكة حتى ذابت جيدًا. بدا لون الدواء الأخضر مُرًا حتى من منظره.
لأنني لستُ من سيشربه، أدرتُ رأسي وأحضرتُه لفم أليكس.
“افتح فمك.”
فتح أليكس فمه قليلاً كما أمرته، وصببتُ الدواء ببطء بين شفتيه. عبس جبينه فورًا من مرارة الدواء.
“حتى لو كان مُرًا تحمله. يقولون الدواء الجيد مُرّ، أليس كذلك؟ هذا سيخفض حرارتك يا أليكس.”
“الدواء الجيد مُرّ… هذه أول مرة أسمع بهذا المثل، لكنه يبدو صحيحًا.”
أدركتُ متأخرة أنه مثل غير مستخدم في هذا العالم فشعرتُ بالغباء قليلاً، لكن أليكس لم يُعر الأمر اهتمامًا.
بل بدا أنه يتحدث أكثر مما توقعت. حتى وهو مريض يحاول الكلام معي، وهذا واضح.
ربما هذه الشخصية الطفولية كانت مخفية في التفاصيل التي لم أقرأها من الرواية الأصلية.
“هل حصلتِ على الدواء من أجلي؟.”
سأل بعد لحظة، فأومأتُ وأنا أبلل المنشفة بالماء.
“لو لم أكن مريضًا، لما جلبتِه لي، صحيح؟.”
مسحتُ وجه أليكس بالمنشفة المبللة، فأغلق عينيه بارتياح أكثر.
“تعافَ بسرعة. لا تمرض.”
حتى أقلق أنا أقل.
“اليوم…”
تمتم أليكس بصوت منخفض. كان قريبًا مني فسمعته بوضوح.
“هل ستبقين بجانبي؟.”
“…هنا؟.”
“نعم.”
أومأ أليكس سريعًا مؤكدًا، ثم فتح عينيه ونظر إليّ مطولاً. عيناه بدتا حزينتان بطريقة ما.
من مراقبتي له في الأيام الماضية، كان أليكس أكثر تعلقًا مما توقعت، مثلما طلب مني أن أعود قبلاً، والآن يطلب مني أن أبقى معه اليوم.
“إن لم تريدي، فلا بأس. يمكنكِ الذهاب.”
حين لم أجب، أغلق أليكس عينيه مجددًا. حدقتُ فيه قليلًا ثم هززتُ كتفي.
“حسنًا، بما أنك مريض، سأبقى بجانبك اليوم فقط. لا نعرف ما قد يحدث ليلاً.”
عندها ابتسم أليكس ابتسامة باهتة.
“هذا مطمئن.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"