كانت تلك هي الجرعة التي استخدمتُها لعلاج جرح الرجل.
“هذا… لماذا؟.”
“الجرعات هي مواد علاجية عالية المستوى. لا يُصنّعها إلا برج السحر، وهي باهظة الثمن. حتى لو كانت منخفضة الجودة، يصعب على الشخص العادي تحمل تكلفتها. ومع ذلك استخدمتِ مثل هذه الجرعة على رجل غريب ترينه لأول مرة؟.”
ظل الشك يلوح في عينيه.
كنتُ أتفهمه.
هو رجل طُعن وانهار في يوم ممطر بسبب حادث ما، فطبيعي أن يشك في طيبة شخص غريب.
لكن لم يكن الأمر سارًا أن أُقابَل بالشك رغم أنني أظهرتُ حسن النية.
“كنتُ أريد فقط أن أجرب الجرعة مرة واحدة، وهذه بدت فرصة مناسبة. هذا كل ما في الأمر. لكن لماذا عليّ أن أسمع كل هذا بعد أن استخدمتُ جرعتي الخاصة لعلاجك؟.”
لماذا أُشَكّك بعد أن استخدمتُ جرعة باهظة الثمن؟.
ليس الأمر أنني أنقذتُ غريقًا ثم طالبتُ بممتلكاته.
“أوليس شكُّك متأخرًا قليلاً؟ كان عليك أن تفعل ذلك قبل أن تأكل. لو كانت لي نية سيئة لكنتَ ميتاً الآن.”
لقد غفا عدة مرات أمامي.
لو كنتُ أنوي قتله حقًا لما ظل على قيد الحياة.
أخيرًا أطلق الرجل ضحكة منخفضة.
نظرتُ إليه بوجه متضايق متسائلة لماذا يضحك فجأة.
ومع ذلك، كان وجهه وسيمًا حقًا.
“كانت مزحة.”
“مزحة؟.”
“نعم.”
لم أصدق كلامه وحدقتُ فيه بعينين ضيقتين.
هز الرجل كتفيه بلا مبالاة وتابع كلامه:
“أنا أيضًا ممتنّ لكِ. حين يحين الوقت، سأردّ لكِ هذا الجميل أضعاف قيمة الجرعة.”
“رد الجميل؟.”
ذلك أمر لم يخطر ببالي مطلقًا.
لكن أليس من السيء أن يظهر هذا الرجل في أراضينا مرة أخرى؟.
أرخيتُ وجهي المتجهم وتذمرتُ.
“لا حاجة لردّ الجميل.”
“همم؟.”
“تعافَ جيدًا وغادر، وهذا يكفي.”
“حقًا؟.”
“نعم، حقًا. لا تحتاج لرد الجميل. أبدًا. أنا لم أعالجك وأنا أتوقع شيئًا بالمقابل.”
كل ما أردته هو سلامة هذه الأراضي.
لذا كان يكفي أن يتعافى ويغادر.
بالطبع، كان الأمر مغريًا حين تحدث عن رد الجميل، لكنه لم يكن أثمن من حياتي.
حين قلتُ ذلك بحزم، نقر الرجل بلسانه وكأنه يجد الأمر سخيفًا.
لكنني شعرتُ أنني لو واصلتُ الكلام معه قد أفلتُ ما في صدري، فنهضتُ.
“إذًا، سأغادر الآن.”
نفضتُ القش العالق في تنورتي وارتديتُ معطف المطر مجددًا.
تبعني بصر الرجل بشكل طبيعي.
“هي.”
حين كنتُ على وشك فتح باب المخزن ناداني الرجل فجأة.
“ما اسمكِ مجددًا؟.”
“كلير، كلير إيفرنيزر.”
ذكرتُ اسمي له بإيجاز وغادرتُ المخزن قبل أن يقول شيئًا آخر.
—
تطلعتُ إلى المطر المنهمر، شاردة لوهلة.
لم أكن في مزاج جيد بسبب مزحة الرجل في الليلة السابقة، لكنني قررتُ أن أنهي ما بدأتُه.
نعم، تحسبًا لحدوث أمر غير متوقع.
كنتُ متعبة ومنهكة قليلاً لأني كنتُ ألقاه بعد إنهاء واجباتي المسائية، لكنني قررتُ أن أتحمل بضعة أيام.
إن صبرتُ أيامًا قليلة فلن تكون الآنسة فيرونيكا تعيسة، ولن يُقتل أحد من حولي على يد هذا الرجل.
يجب ألا يتورط مع الآنسة فيرونيكا. أبدًا.
ارتجفتُ وأنا أتذكر أحداث “الزهرة الهاوية” في ذهني.
يا له من شخص شرير.
يقتل كل من له علاقة بمن يحب ليستحوذ عليه.
كشخص عادي كان من الصعب فهم ذلك.
حسنًا، من خلال ما رأيته حتى الآن، لم يكن يبدو سيئًا إلى هذه الدرجة.
صحيح أنه أطلق مزحة غير سارة البارحة، لكنه لم يكن غريب الأطوار بالنسبة لي.
ربما لأنني لستُ الآنسة فيرونيكا.
لا يمكن أن يقع في حب فتاة هامشية مثلي.
هذا كان مريحًا.
اليوم، مثل البارحة، وضعتُ بعض الطعام على صينية، وأعددتُ بعناية أقمشة نظيفة وضمادات وحرصتُ على إبقائها جافة.
ثم أخذتُ نفسًا عميقًا وركضتُ وسط المطر.
بعد أن مشيتُ في المطر لبعض الوقت، وصلتُ أخيرًا إلى المخزن.
“سأدخل الآن.”
من غير المرجح أن يسمعني وسط صوت المطر، لكنني قلتها من باب الأدب وفتحتُ الباب.
ما إن تأكدتُ من هدوء الداخل حتى انزلقتُ بسرعة إلى الداخل.
“أنتِ هنا ثانيةً.”
عند سماع الصوت المتوقع، وضعتُ الصينية التي كنتُ أحملها بالقرب.
“هل كنتَ تتمنى ألا آتي؟.”
“لا. فقط بدا أنكِ كنتِ متضايقة أمس.”
“نعم، بسبب شخص ما.”
لم أتمالك نفسي عن التذمر.
كنتُ أعلم أنه لا ينبغي لي الرد هكذا، لكن لسبب ما كنتُ أتصرف هكذا أمام هذا الرجل.
كان الأمر وكأن كلماتي تخرج دون أن تمر بعقلي.
راقبتُ رد فعل الرجل بقلق.
حتى مع علمي أنه يستطيع قتل إنسان بلا أن يرمش، واصلتُ ذلك.
ولحسن الحظ، لم يبدُ الرجل منزعجًا من كلامي.
“أنا أعتذر حقًا عن البارحة. آسف.”
على عكس توقعي بأنه قد يتضايق، اعتذر الرجل لي.
خلعتُ معطفي الماطر وأنا ما زلتُ أشعر بعدم الارتياح.
جعلني خلع المعطف الثقيل أشعر بخفة في جسدي.
ثم التفتُّ ورأيتُ الصينية الفارغة. كانت هي نفسها التي جلبتها البارحة.
“أكلتَ كل شيء؟.”
“أليس هذا سبب إحضاركِ لها؟.”
“نعم، صحيح. على كل حال، جلبتُ طعامًا جديدًا، فكلْ عندما تشعر بالجوع.”
أخذتُ الصينية الفارغة التي كان قد رتبها، ووضعتُ الصينية الجديدة أمامه.
غطاء معدني يحمي الصينية من المطر.
لم يلقِ الرجل إلا نظرة عابرة ولم يُبدِ اهتمامًا خاصًا.
ظل يحدق بي كما في الأمس.
شعرتُ بالحرج تحت نظرته، فحركتُ عينيّ بقلق.
“بالمناسبة، جلبتُ ضمادات جديدة.”
قلتُ ذلك وأخرجتُ القماش والضمادات التي أعددتُها.
“توقيت مناسب. كنتُ أظن أن وقت تغييرها قد حان.”
اقتربتُ من الرجل بالقماش والضمادات.
أولاً، أزلتُ الضمادات القديمة.
القماش الذي أوقفتُ به النزيف كان ملطخًا بالدم الجاف.
عابسةً، أزلتُ الضمادات والقماش القديمين من جسده. ثم ثبّتُّ القماش الجديد على جرحه ولففته بالضمادات.
يبدو أني لففته هذه المرة أفضل من المرة الأولى. لا أعلم ما رأيه هو.
بفضل الجرعة، تحسن جرح الرجل كثيرًا.
بهذا المعدل، قد يتعافى تمامًا قبل نهاية موسم الأمطار.
في كل مرة كنتُ ألفّ الضمادات حول جسده، كانت يدي تلامس بشرته.
كان جسده أدفأ من جسدي، وكنتُ أشعر بحرارته كل مرة ألمسه فيها.
كانت عضلاته المتينة واضحة وأنا ألفّ الضمادات، وبشرته ملساء بلا داعٍ.
شعرتُ بالحرارة، فأنهيتُ بسرعة ربط الضمادات وتراجعتُ عنه.
ثم ساد الصمت.
صوت المطر الذي يضرب السقف أثقل جوّ المخزن.
بقينا أنا وهو صامتين فترة طويلة.
لم أستطع الكلام لشعوري بالحرج، وكان هو مشغولاً بتفقد حالته.
بعد أن حرك جسده قليلاً، تكلم فجأة.
“ألا يثير فضولكِ الأمر؟.”
“أي أمر؟.”
سألتُه مندهشة من سؤاله المفاجئ.
كان على شفتيه ابتسامة خفيفة.
“لماذا أصبتُ وانهرتُ في مكان كهذا، من أكون، أشياء من هذا القبيل.”
كنتُ أتفهم فضوله.
لو لم أكن أعرف أن هذا العالم هو عالم رواية، وأن هذا الرجل هو الشرير في هذا العالم، لكنتُ بالتأكيد طرحتُ تلك الأسئلة.
كانت تلك فضوليات عادية.
كم من الناس لن يثيرهم الفضول تجاه رجل يجدونه مصاباً وملقىً في أراضيهم؟.
لكنني كنتُ مختلفة.
كنتُ أعرف، ولو على نحو تقريبي، عن هذا الرجل.
من كونه الدوق أليكساندر بيرزيل، إلى كونه مصابًا ومنهارًا في هذه الأراضي بسبب خيانة ما.
لم أشعر بالحاجة إلى السؤال لتأكيد ما أعرفه مسبقاً.
كما أنني لم أُرِد أن أكشف أنني أعرف عنه بأسئلة محرجة.
“أبدًا.”
حين أجبتُه رفع الرجل حاجبًا واحدًا بدهشة.
“أبدًا؟.”
“نعم. هل هناك حاجة لأعرف؟ هنا، أنتَ مجرد مريض، وأنا أساعدك، لا أريد أن أعطي الأمر معنى أكبر من ذلك.”
معرفة ظروفه ستجعل من الأصعب أن أبقى خارجه.
لا مكسب لي التورط مع هذا الرجل.
سيكون كذبًا لو قلتُ إنني غير متورطة إطلاقًا لأني أنقذتُه، لكن مساعدته دون معرفة هويته وظروفه يختلف تمامًا عن مساعدته وأنا أعرف كل شيء.
لا أعرف إن كان قد فهم كلامي. لحسن الحظ، لم يبدُ أنه يميل للحديث عن نفسه.
“لكن إلى متى ستظلين تنادينني بـ “أنتَ”؟.”
سأل الرجل، الذي كان صامتًا فترة، فجأة وكأنه يتحداني.
“إذًا، بماذا يجب أن أناديك؟.”
من منظور شخص غريب، لم أكن أعرف هويته.
فكرتُ فيما يمكنني أن أناديه به، فلم يخطر ببالي شيء.
هزّ الرجل كتفيه وأجاب:
“ناديني أليكس.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"