4
لم أجد أي كلمة أردّ بها على كلام الرجل. كان الجو باردًا بسبب المطر المتواصل منذ أيام. لم يكن طقسًا يسمح لي حتى بالتظاهر بالحرارة.
لكنني فتحت فمي بسرعة، لأنني شعرت أن قول إنني كنتُ أُعجب بوسامته المذهلة سيخلق موقفًا شديد الإحراج.
“درجة حرارتي دائمًا ما تكون أكثر من المعتاد.”
دوّي.
في تلك اللحظة دوّى الرعد من السماء وكأنه يدين كذبي.
“أفهم.”
على غير توقعي، تقبل الرجل كلامي بهدوء ورفع الجزء العلوي من جسده.
لكن بدا الأمر شديد الصعوبة عليه بسبب جرحه الذي لم يلتئم بعد.
ساعدته على الجلوس، ولحسن الحظ لم يرفض مساعدتي.
“إذن… لماذا عدتِ؟.”
تكلّم الرجل وكأنه لم يكن يتوقع عودتي إلى هذا المخزن.
“هل كنتَ تأمل ألا أعود؟.”
“من يدري.”
جرّ الرجل كلماته بتعمد، فأشحتُ بكتفيّ بلا مبالاة.
“لم أستطع أن أترك الشخص الذي أنقذتُه يموت جوعًا في المخزن.”
كان الرجل الذي يحدق بي قد لاحظ أخيرًا الصينية الموضوعة بجانبه.
دفعتُ الصينية نحوه ونزعتُ القماش العازل للماء. ثم فتحتُ الأغطية واحدًا تلو الآخر.
كان الطعام الذي جلبتُه من المطبخ مرتبًا بعناية على الصينية.
حدق الرجل بالطعام ثم رفع نظره إليّ بحيرة واضحة.
“لماذا تفعلين كل هذا؟.”
“هل في الأمر خطأ؟.”
“غريب… شخص غريب، وغريب عن الدار. وفوق ذلك رجل مصاب إصابةً خطيرة. تساعدين شخصًا كهذا بلا ريبة أو حذر؟.”
ضيّق الرجل عينيه وكأنه يحاول أن ينفذ إلى نيّاتي.
بدا لي أن هذا الرجل حتى المساعدة تزعجه.
“قلتُ لك. لا أريد للشخص الذي أنقذتُه أن يموت جوعًا في المخزن..”
كان ذلك جزءًا من الحقيقة.
في كل الأحوال، أنا من أنقذته، وكان من المربك أن أتركه بلا طعام. والأهم من ذلك أنني لم أُرِد له أن يأتي إلى قصر الكونت لطلب المساعدة.
بالطبع، من ردوده حتى الآن لم يكن يبدو أنه سيأتي إلى القصر، لكن لا نعرف ما بدواخل الناس.
كنتُ أريد أن أقطع تمامًا أي فرصة للقاء بينه وبين الآنسة فيرونيكا.
ظل الرجل غير قادر على تصديق كلامي بسهولة وعبس.
“إذن، ألن تأكل؟ لا بد أنك جائع طوال اليوم.”
كان الطعام بسيطًا لكنه يكفي ليكون وجبة.
أخيرًا صرف الرجل نظره عني ومدّ يده ببطء نحو الطعام.
التقط الملعقة الموضوعة على الصينية وأخذ رشفة من حساء البطاطس، وعلامات التعقيد على وجهه.
قطّب حاجبيه، ثم أطبَق شفتيه بإحكام وأطلق حتى ضحكة ساخرة.
كان رجلاً يُظهر الكثير من التعابير أثناء الأكل.
آه، هل لم يُعجبه الطعام؟ كان ذلك واردًا.
هذا الرجل دوق في هذه الإمبراطورية. وبما أنه من كبار النبلاء فلا بد أنه اعتاد على الوجبات الفاخرة، لذا ربما لم يُعجبه الطعام الذي جلبتُه.
لم أفكر في ذلك مسبقًا.
لكن لم يكن من السهل عليّ تهريب الطعام أيضًا.
جمع بقايا الطعام بعد أن ينتهي الجميع كان يجعل قلبي يخفق وصدرى يضيق، فكيف لي أن أُحضر شيئًا أفضل؟.
“لم يُعجبك؟ آسفة، لكن ليست لي علاقة قريبة مع طاقم المطبخ لأُحضر لك شيئًا أفضل. حتى لو لم يُعجبك، حاول أن تكتفي بهذا.”
بينما كنتُ أقول هذا، خفض الرجل يده التي تمسك بالملعقة ونظر إليّ.
ثم ابتسم برفق.
“لا، هذا يكفي.”
كنتُ أظن أنه ذو ملامح حادة، لكن الآن، مع انخفاض جفونه بكسل، انبعث منه جوّ دافئ كأشعة الشمس.
خفق قلبي. رؤية وجه بهذا الجمال يبتسم لي جعلني لا أستطيع منع نفسي من الارتباك.
أن أشعر بالإثارة تجاه الشرير الذي سيُدمر الآنسة فيرونيكا… كل ذلك بسبب هذا الوجه.
في تلك اللحظة، اكتفى الرجل بشكرٍ قصير.
“شكرًا لكِ.”
—
جلستُ في زاوية المخزن أراقب الرجل وهو يأكل.
بدأ الرجل يأكل وكأنه أمر عادي، لكن حركاته الراقية أكدت لي أنه نبيل.
الآنسة فيرونيكا أيضًا تبعث جوًا من الأناقة بفضل آدابها التي تعلمتها منذ صغرها، وقد شعرتُ بالمثل من هذا الرجل.
لكن بطريقة ما كان الأمر مختلفًا قليلاً.
نعم، أشبه بفارس؟.
الفرسان الذين يأتون ليؤدون ولاءهم لـالآنسة فيرونيكا كانت لهم هذه الهالة.
في الواقع، الدوق بيرزيل كان مشهورًا بفنون السيف، لذا لم يكن انطباعي خاطئًا تمامًا.
“هل يناسب ذوقك؟.”
سألتُ بفضول عن الرجل الذي كان يأكل بلا شكوى.
ظل الرجل يأكل بهدوء بلا أي تذمر.
في الحقيقة كنتُ قلقة أن يقلب الصينية ويقول إنه لا يناسبه.
لكن لحسن الحظ، رفع الرجل نظره إليّ للحظة وابتسم ابتسامة خفيفة.
“أنا لستُ صعب الإرضاء في الطعام.”
لماذا يبتسم كثيرًا؟ لا أستطيع رفع عينيّ عنه.
هذا طبيعي للبشر. الناس بطبيعتهم ينجذبون إلى الجمال. وأنا فتاة عادية تمامًا.
لذلك لم يكن بوسعي إلا أن أُسحَر بوجه الدوق بيرزيل، أحد الشخصيات الرئيسية في هذا العالم.
لحسن الحظ، لم يبدو الرجل منزعجًا من نظراتي. أنهى وجبته ووضع الملعقة.
كان هناك بعض الطعام المتبقي مثل البطاطس التي جلبتُها، لكنه لم يلمسها.
“هل تنتظرين أن أنهي كل شيء؟.”
سألني الرجل فجأة.
أفقتُ من شرودي ونظرتُ إلى النافذة الصغيرة في المخزن.
وسط الظلام، كانت قطرات المطر الغزيرة التي تملأ السماء واضحة تمامًا.
“لا، كنتُ فقط أنوي أن أستريح قليلاً قبل المغادرة. المطر غزير جدًا.”
لم يبدو أن المطر سيتوقف قريبًا.
مجرد التفكير في العودة إلى القصر عبر هذا المطر جعل رأسي يدور.
جلستُ متكورة، أحتضن ركبتيّ. ثم أسندتُ رأسي إلى ذراعيّ أراقب الرجل.
“كيف جرحك؟ هل ما زال يؤلمك كثيرًا؟.”
رفع الرجل يده ولمس جرحه.
برؤية العبسة الطفيفة في حاجبيه بدا أنه ما زال يتألم.
“…يمكن احتماله.”
“يبدو أنك جيّد في الكذب.”
رفع الرجل نظره إليّ عند تعليقي غير المقصود.
عيناه الزرقاوان الغامضتان اتجهتا نحوي.
أشحتُ بنظري لحظة، ثم شعرتُ بالعبث ونظرتُ إليه من جديد.
بالتأكيد لن يشهر سيفه في وجه من أنقذه، صحيح؟.
لا، بالنظر إلى أنه هددني بالأمس، لم يكن ذلك مستحيلاً تمامًا.
وفوق ذلك، الرجل أمامي هو الشرير في هذا العالم.
لم يتردد في تدمير عائلة الآنسة فيرونيكا للوصول إليها.
يمكنه قتلي ليتخلص من أي إزعاج.
حين وصلتُ إلى هذا التفكير، خفضتُ عينيّ باحترام.
“آسفة.”
لن أتصرف بتهور.
اعتذرتُ وأنا أخفي مشاعري الحقيقية، وأصدر الرجل صوتًا حائرًا.
تنحنحتُ لأغير الجو.
“على أي حال، أتمنى أن يلتئم جرحك سريعًا.”
حتى تغادر هذا المكان.
كنتُ أريده أن يغادر هذه الأراضي قريبًا لأتمكن من الاستمتاع بوقتي بلا قلق.
لو التقى بالآنسة فيرونيكا ووقع في حبها بجنون فلن يكون هناك رجعة.
لم أظن أنه سيتجول في هذا الطقس وهو مصاب، لكن كان من المبكر أن أرتاح.
“هل تقلقين عليّ؟.”
عبس الرجل.
ماذا، أهي مشكلة حتى إن قلقتُ عليه؟.
“هل تعرفين من أنا وتقلقين عليّ؟.”
“حسنًا، أنتَ شر…”
«شر؟.»
أطبقتُ فمي بقوة مصدومة من نبرته المستفهمة.
كِدتُ بلا وعي أن أقول له: أنتَ الشرير، أليس كذلك؟.
اجتهدتُ في تدوير رأسي للتفكير في طريقة الخروج من هذا الموقف.
أولاً، يجب ألا أُظهر أي علامة أنني أعرف هوية الرجل.
قد يقتلني إن ظن أنني أعرف الكثير.
وفي الروايات حيث تحدث مواقف كهذه، التظاهر بالجهل هو أفضل رد.
“ضحية في هذا الطقس الرهيب الذي أُصيب جرح. كيف لي أن أعرف من أنتَ وأنت لم تخبرني حتى؟ أم أنك ستخبرني الآن؟ لا، صحيح؟.”
*هنا كانت بتقول شرير “villain” بس عدلت عليها وقالت victim والي تعني ضحية
تابعتُ بسرعة خوفًا من أن يقول إنه سيخبرني من هو.
“صحيح، ما أهمية من تكون؟ المهم أنني وجدتك مصابًا، أحضرتك إلى هنا، عالجتك، وأنتَ تتعافى هنا… أليس كذلك؟.”
بدأ العرق البارد يتصبب مني وأنا أرى عبوس الرجل يتعمق. دارت عيناي أترقب رد فعله، وفجأة أطلق ضحكة.
كان له بالفعل تعابير كثيرة.
وأنا أفكر في ذلك، رفع الرجل فجأة زاوية فمه ونظر إليّ مباشرة.
“حسنًا، هناك أمر واحد يجب أن أشير إليه.”
“…ما هو؟.”
شعرتُ ببرودة عند أطراف أصابعي، ظننتُ أن الأمر لن يكون بهذه البساطة.
“هذا.”
التقط الرجل زجاجة صغيرة بجانبه.
كانت زجاجة الجرعة الفارغة.
التعليقات لهذا الفصل " 4"