2
عندما قلت اسمي، قطب الرجل حاجبيه. بدا أن هذا ليس الجواب الذي كان ينتظره.
حسنًا، كان ذلك طبيعيًا. لستُ مشهورة بالقدر الذي يجعل ذكر اسمي يُعرّف هويتي فورًا.
ابتسمتُ ابتسامة متكلفة وحاولتُ سحب يدي، لكن بلا جدوى.
كيف يمكن أن يكون بهذه القوة؟.
حاولتُ مرارًا تحرير يدي، لكن كل المحاولات ذهبت سدى. بدا أن الطريقة الوحيدة هي أن يتركني هو بنفسه.
“هل يمكنك أن تتركني من فضلك؟ أنا فقط وجدتُك ساقطًا هنا أثناء مروري، وبما أنك بدوت مصابًا كنتُ أحاول… أن أخلع ملابسك لأعالجك. لم يكن لدي أي نية أخرى، لذا أرجوك لا تسيء الفهم.”
لم أستطع أن أناديه بـ’صاحب السمو’.
امرأة غريبة لمست جسده المصاب وتعرف هويته أيضًا؟ كان موقفًا يثير الشك بشدة.
حتى وإن لم يكن الوضع واضحًا، كان علي أن أُبعد الشبهات قدر المستطاع.
رغم جهودي، لم يُمحَ الحذر من عيني دوق بيرزيل.
“أتتوقعين أن أصدق أنكِ ‘وجدتِ’ أحدًا في هذا الطقس وأنتِ تمرين صدفة؟.”
سأل الرجل وكأنه يكتم أنينًا ليُخفي ألمه.
حتى أنا شعرت أن عذري يبدو مريبًا جدًا، لكنني كنتُ مظلومة.
“هذا صحيح. خرجتُ فقط لأتفقد المحاصيل لأنني قلقتُ من الأمطار الغزيرة هذا الموسم. ثم وجدتك ملقى على الأرض تنزف.”
حتى بعد سماع كلامي، ظل الرجل فترة طويلة ينظر بعين الشك. ومع امتداد الصمت المتوتر، بلعتُ ريقي وأنا أتحمل نظرته.
وأخيرًا، تنفس الرجل بعمق وأفلت يدي.
شعرتُ بوخز في معصمي فسحبتُ يدي بسرعة وبدأتُ أفرك الموضع الذي قبض عليه.
“إن حاولتِ فعل أي شيء مريب، فلن أمرره مرور الكرام.”
حذرني الرجل الوسيم ذو العينين الحادتين، وجفّ حلقي دون أن أشعر.
كنتُ أتوقع هذه المعاملة، لكن ألا يبدو الأمر كثيرًا على من أنقذت حياته؟ شعرتُ بغضب يصعد في داخلي.
“هل تظن أنني سأعتدي عليك أو شيئًا من هذا القبيل؟.”
“ماذا؟.”
هذا الفم اللعين، يتكلم دون أن يستشير عقلي.
غطّيتُ فمي بسرعة بيدي وأنا أراقب ردة فعل الرجل.
“مهما ظننتَ أنك سمعت، فقد سمعتَ خطأ.”
“…”
كانت نظرته الساخطة تخترقني. صرفتُ بصري عنه قدر المستطاع.
كان الوقت قد فات لتقديم الأعذار…
تنفس الرجل بعمق مرة أخرى وبدأ ببطء بتحريك جسده. لم أفهم لماذا يواصل التنهد أمامي.
شعرتُ بالذنب وأنا أراقبه بحذر.
“سأخلع ملابسي بنفسي.”
وبينما هو يتحدث، بدأ ببطء في خلع ثيابه، وكل حركة يصحبها أنين مكتوم.
لسبب ما، كانت عيناي تنزلقان نحوه مرارًا بدافع الفضول على حالته.
لكن هذا كان بدافع القلق على إصابته فقط، وليس لأنني أردتُ النظر إلى جسده العاري. نعم، كان عليّ أن أرى ذلك لأتحقق من جروحه على أي حال.
وبينما كنتُ أقنع نفسي، أخذ أنينه يضعف شيئًا فشيئًا.
“هل يمكنني أن أنظر؟.”
ظننتُ أن من الأفضل أن أستأذن، ففعلت.
ضحكته الجوفاء ترددت في أذني.
سماع ضحكته المفاجئة جعل وجهي يسخن لسبب ما.
“تفضلي.”
كان جسد الرجل كأنه منحوت من حجر. عضلاته المتينة التصقت بجسده بمرونة جميلة.
فرسان قصر اللورد أجسامهم جيدة، لكن لم يكن أحد منهم يضاهيه. وفوق ذلك هو وسيم.
المشكلة الوحيدة كانت الندبة الطويلة على بطنه التي لفتت نظري أولاً. مجرد النظر إليها كان يجعلني أشعر بالألم.
“الجُرح أكبر مما توقعت.”
كان من الصعب تصديق أنه خلع ثيابه بنفسه مع جرح كهذا. مجرد الاستلقاء به لا بد أنه مؤلم.
“انتظر هنا قليلاً. سأجلب بعض الأدوات لأعالجك.”
نعم، إذا عالجته سرًا ثم أرسلته بعيدًا فلن يلتقي الآنسة فيرونيكا. الأمطار عادة تستمر أكثر من أسبوع، فيجب أن يكون الأمر بخير.
حين هممتُ بالنهوض، قبض الرجل على معصمي مجددًا.
تساءلتُ عمّا يريد هذه المرة وأنا ألتفت إليه. كان يتنفس بصعوبة ويرفع رأسه نحوي بعينين نصف مغمضتين.
“لا تخبري أحدًا أنني هنا.”
كان هذا مريحًا. للمرة الأولى بدا الرجل الذي قال ما أريد سماعه محبوبًا في نظري.
لم تكن لدي نية أن أخبر أحدًا أنني أخفي هذا الرجل هنا من أجل الآنسة فيرونيكا.
“نعم، فهمت.”
إذا تلقى العلاج المناسب وغادر، ستكون الآنسة فيرونيكا بخير وكذلك أنا.
—
بعد أن غادرت كلير، استخدم أليكساندر السيف على خصره كعكاز ليقف.
اشتد جرحه حين وقف، لكنه لم يستطع البقاء مستلقيًا.
كان ذلك بسبب كلير.
بدت له امرأة عادية للوهلة الأولى. لكن أليكساندر، بعينه الخبيرة، لاحظ حركاتها الدقيقة.
هذا يعني أنها تلقت تدريبًا في مكان ما.
لكن هذا كل شيء. لم تكن تبدو كابنة الكونت ماينارد الوحيدة المدللة.
بحسب ما يعرفه، ابنة الكونت ماينارد كانت تأسر الرجال بأناقتها الشبيهة بالبجعة، وسلوك كلير الخفيف لم يطابق تلك الصورة.
إذًا هي على الأرجح خادمة أو ابنة تاجر. وابنة التاجر لن تتجول لتفقد المحاصيل، لذا لم يتبق سوى أنها خادمة.
إن كانت كلير خادمة وأنقذته بأمر من أحد، فلا يمكنه البقاء هنا. لم يكن يعرف من قد تحالف مع الخائن.
الهجوم وقع قرب أراضي الكونت ماينارد. كان من الممكن أن الكونت تحالف مع الخائن كاليب. لم يكن بإمكانه التغاضي عن هذا الشك.
إن عادت كلير مع جنود، فعليه أن يغادر حتى لو كان مصابًا. لكنه لم يكن يستطيع التحرك بتهور.
التجول مع جرح كهذا في هذا المطر سيقوده إلى الموت حتمًا. أو قد يقتله أولئك الذين خانوه.
قرر أليكساندر أنه يجب أن يتأكد مما إذا كانت كلير ستعود وحدها أم مع آخرين، تحسبًا لأن تكون قد انحازت للخائن كاليب.
بصعوبة، وقف مستندًا إلى الحائط، أنفاسه ثقيلة على غير العادة.
تغشّت رؤيته بالضباب لكنه صبر.
اقترب من الباب ووضع يده على مقبض سيفه مستعدًا لأن يشهره في أي لحظة. حتى وهو في هذه الحالة، يستطيع إرسال واحد أو اثنين إلى العالم الآخر.
لم يتبقَ إلا أن ينتظر عودة كلير.
—
“آنستي، لقد عدتُ.”
قلتُ للآنسة فيرونيكا التي كانت تنتظرني دون نوم بعد عودتي إلى قصر اللورد.
“كلير، ماذا حدث؟ لقد تأخرتِ كثيرًا… هل حصل شيء؟.”
اقتربت الآنسة فيرونيكا مني ووجهها ممتلئ بالقلق.
أخرجت منديلاً من جيبها ومسحت به المطر عن وجهي. لمستها الرقيقة جعلتني أبتسم.
“لم يحدث شيء. كان السير صعبًا بسبب المطر الغزير، فاسترحتُ قليلاً.”
حين أجبتُها، بدا على الآنسة فيرونيكا الأسف وانخفضت كتفيها. لوحتُ بيدي بسرعة مبتسمةً لأطمئنها.
“وعندما وصلتُ هناك، كانت المحاصيل أغلبها قد سقطت. يبدو أن المطر سيستمر أسبوعًا آخر، لذا سيكون الضرر كبيرًا.”
“…فهمت.”
تنفست الآنسة فيرونيكا بهدوء وتوقفت يدها التي كانت تمسح جبيني.
“لكن كل شيء سيكون بخير. كما هو دائمًا. فلا تقلقي كثيرًا.”
“نعم. شكرًا لأنك أخبرتِني، يا كلير.”
كان مؤلمًا أن أرى الآنسة فيرونيكا تحاول أن تبدو بخير، لكن لم يكن بيدي ولا بيدها شيء.
لو كنتُ أملك قدرة سحرية لإيقاف المطر لفعلتُ منذ زمن. ولو كنتُ أملك تلك القوة لجعلتُ المحاصيل تنمو بوفرة. لكن كل ما بوسعي هو أن أراقبها وهي تتساقط بلا حول ولا قوة.
“اذهبي لترتاحي الآن. لقد تأخر الوقت وتعبتِ بسببي.”
“لا، ليس هناك أي إزعاج! أنا بخير، لذا عليكِ أنتِ أن تذهبي إلى النوم يا آنستي.”
“حسنًا. إذًا سأذهب لأنام أولاً. ليلة سعيدة يا كلير.”
“نعم يا آنستي. ليلة سعيدة!.”
انحنيتُ للآنسة فيرونيكا وغادرتُ غرفتها.
ثم ذهبتُ مباشرة إلى غرفتي وأخرجتُ جرعة سحرية. كنتُ قد أعددتها للطوارئ، لكنني لم أتوقع أن أستخدمها بهذا الشكل.
لكن الجرعة التي عندي لن تكون فعالة كثيرًا. لن تكفي…
بعد لحظة تفكير، أعددتُ منديلاً نظيفًا وقطعتُ قطعة طويلة من القماش لأستعملها كضماد.
وبينما كنتُ أفكر فيما أحتاجه أكثر، تذكرتُ ملابس الرجل المبللة. أسرعتُ إلى غرفة الغسيل. كان هناك ملابس نظيفة لم تُعاد لأصحابها بعد. بدت وكأنها بالمقاس المناسب.
على الأرجح هي ملابس ديريك الذي يعمل معي. شعرتُ بالذنب تجاهه لكنني قررتُ أن أصنع له ملابس جديدة لاحقًا وغادرتُ غرفة الغسيل بسرعة.
أخفيتُ الأغراض التي أعددتها داخل معطفي المقاوم للمطر وغادرتُ قصر الكونت مرة أخرى.
ركضتُ عبر المطر المظلم مباشرةً إلى المخزن حيث يوجد الرجل.
أخيرًا، ظهر المخزن أمامي.
وصلتُ إلى باب المخزن وطرقتُ عليه.
“مرحبًا.”
“…”
لم يكن هناك رد من الداخل.
“سأدخل الآن.”
لم أستطع الانتظار في المطر، فأعلنتُ دخولي.
ظننتُ أن الأمر سيكون بخير الآن، ففتحتُ الباب ودخلتُ، لكن لسبب ما لم يكن الرجل الذي يفترض أن يكون ممددًا في المخزن موجودًا.
“مرحبًا؟ هل أنت هنا؟.”
أصابتني حالة من الذعر وأنا أمشي إلى الداخل، وفجأة قبض أحدهم على كتفي ودفعني نحو الجدار.
“آه!.”
في لحظة، وجدتُ نفسي محاصرةً بالجدار.
سقطت الأغراض التي كنتُ قد أخفيتها في معطفي على الأرض. لم يكن لدي وقت لأقلق بشأنها.
كان ذلك بسبب العيون الزرقاء الباردة التي تنظر إليّ من أعلى.
التعليقات لهذا الفصل " 2"