كانت الاستعدادات مثاليّة.
حتّى الآن، كانت نظرات السحرة المليئة بالترقّب حول البوّابة تُثقل ظهري.
كان كلّ ساحر يخفي في صدره قطعة أثريّة سحريّة من صنع أردييل لمساعدتهم على التنفّس في حال حدوث طارئ.
إذًا، أنا وحدي فقط.
‘ما عليّ سوى استخدام السحر.’
اهتـزّ بصري.
كاد قلبي ينفجر.
‘يجب أن أستعيد رباطة جأشي.’
كان شعوري بالغثيان واضحًا جدًا.
أعرف ماهية هذا الشعور. إذا خفـتُ أكثر قليلًا، سأفقد السيطرة على جسدي تمامًا.
حينها سيكون الأمر مريحًا.
مريحًا، لكن…
‘بتلك الطريقة لن أغيّر شيئًا.’
─ دينغ!
─ دينغ!
أعلم. أنا أعلم ذلك جيّدًا.
‘أنا مَـنْ قرّرتُ العيش هنا.’
أغمضتُ عينيّ بقوّة.
* * *
‘الدوقة؟’
كان كايسيس أوّل مَـنْ شعر بالخطر، بينما كان يراقب هيلاريا بشراسة.
لاحظ أنّ شيئًا ما حدث و هو ينظر إلى ظهرها الصامت.
لكنّه لم يستطع التحرّك بتهوّر، فبقي يراقب، حتّى لاحظ الآخرون أيضًا أنّ الدوقة غير طبيعيّة.
“الآن…”
اقترب أردييل من الدّوقة وهو يعبس قليلًا.
اقترب ديكاردو أيضًا بعبوس ينذر بالخطر.
حدّق كايسيس بحذر في الكاردينالين اللذين كانا يراقبان الموقف بهدوء.
‘ماذا فعلوا؟’
لم تكن نظرة كايسيس ودودة.
خلال الأيّام القليلة الماضية، سمع بالتفصيل كم كان ذلكَ المدعوّ سيروين يزعج هيلاريا.
لكن في تلكَ اللّحظة بالذات…
“النيران!”
بانغ!
انفجر لهيب أكثر حرارة و روعة من أيّ وقتٍ مضى مع صوت هائل.
تقلّصت البوّابة للحظة كما لو أنّها تنتفض.
هرع السحرة و فعّلوا القطع الأثريّة المُعَـدّة، فبدأت البوّابة المتقلّبة تتضّح تدريجيًا مع أضواء متعدّدة…
“التقلّبات تهدأ!”
“البوّابة تستقر!”
الأساس الذي يستخدمه السحرة: المانا.
لأنّه لا أحد يعلم ما قد يحدث إذا امتزجت المانا بالبوّابة، فقد مُنـع السحرة من الاقتراب من البوّابات على مستوى الإمبراطورية.
لكن الآن…
“نجحت التجربة بسلام!”
سيتغيّر الكثير.
* * *
كنتُ غائبة عن الوعي.
أوّل مَـنْ هرع إليّ كان مساعدي الساحر، أردييل.
“سـ، سيدتي، كنتِ رائعة حقًا…”
وجهه الجميل كان مغطّى بالدموع، فلم يبدُ موثوقًا على الإطلاق.
“عانيتِ كثيرًا، سموّ الدوقة.”
ديكاردو، الفارس الذي بقي حارسًا تحسبًا لأيّ طارئ، كان يحدّق بنظرات ثقيلة بالاحترام نحوي.
“سيحدث تغيير كبير في مستقبل السحرة و المستيقظين من الآن فصاعدًا، تهانينا على النجاح، سموّ الدوقة.”
كان هانويل هو مَـنْ انحنى بأدب.
“تبدين سعيدة، عزيزتي.”
و سيروين اقترب و همس بمزاح كعادته.
‘أين كايسيس؟’
كان هناك حتّى الآن.
آه، لقد ذهـب ليحضر لوياس.
تنفّستُ الصعداء و تحرّكتُ نحوهم.
قبل ذلك، التفت كايسيس و تلاقت عينانا.
لا بدّ أنّه قرأ عينيّ.
هل كان هناك شيء غريب حتّى الآن؟ هل فعل أولئك الذين لم يظهروا حتّى أثناء التدريب شيئًا؟
فهم إمبراطورنا الذكيّ مقصدي فورًا و هـزّ رأسه.
إذًا…
‘هذا يعني أنّ الخطر سيبدأ من الآن.’
هل سيعبثون بالبوّابة مجدّدًا؟
حول البوّابة، هناك سحرة يتظاهرون بعدم الاكتراث لكنّهم في حالة تأهّب، و مستيقظون يقفون بعيدًا و يرفعون حواسّهم.
‘ما لم يكن من الداخل، فلن يستطيعوا فعل شيء.’
حتّى لو ظهر مستيقظ خارج عن السيطرة فجأة، فكم شخصًا يحرس هذا المكان؟
في اللّحظة التي تنفّستُ فيها الصعداء و خفّفتُ حذري قليلًا جدًا…
رأيتُ ذيل فستان أحدهم يقترب منّي.
رائحة ورد قويّة تشبه رائحة امرأة.
ثمّ شعرتُ بالغثيان.
‘ها؟’
كان شعورًا شعرتُ به في حياتي السابقة.
ذلكَ الشعور البارد الذي يجري من الرأس إلى أطراف القدمين في لحظة.
‘آه، أرجوك.’
أرجوك، لا تفعل ذلك هذه المرّة.
لكنّ هذا العالم كان دائمًا قاسيًا بلا رحمة.
─ دينغ!
[مهمّة طارئة حدثت!]
شعرتُ بالبوّابة التي استقرّت للتوّ تتقلّب بعنف خلفي.
[البوّابة تخرج عن السيطرة.]
رأيت تلميذي لوياس الذي فتح عينيه بدهشة، و المستيقظين الذين يحيطون الطفل لحمايته.
سحرة يصرخون وهم يُسحبون إلى مكانٍ ما.
[أرجو أن]
اختفى مَـنْ كانوا بجانبي داخل ثقب أسود.
و أنا أيضًا.
[تنجو.]
“آه.”
لماذا مددتُ يدي حينها؟
و كايسيس…
‘يا له من غبي.’
لماذا ركض نحوي مع أنّه يعلم أنّه لن يصـل؟
أصابعنا تلامست للحظة لكنّها لم تتلاقَ، فغاب وعييّ وسط موجة قوّة تسحقني.
‘اللعنة، كنتُ أعلم أنّ هذا سيحدث…’
ابتلعتني البوّابة.
الأوغاد الجريئون فجّروا بوّابة كبيرة في المكان الذي يوجد فيه قائدهم.
* * *
كشرّ كايسيس عن أنيابه.
رغم حراسته الدقيقة ضدّ أيّ اختراق خارجيّ…
‘إيزوليت!’
كانت هي بالتأكيد.
انبعث شيء من يدها و انفجرت البوّابة.
اجتاحت رياح عاتية في لحظة، فابتلع الكثيرون، و من بينهم النساء الثلاث اللواتي كنّ مرشداته.
السحرة، ديكاردو، و…
‘هيلاريا.’
لم يُغلق المدخل بعد.
نظر كايسيس بهدوء إلى أخيه المرتجف، و أشار إلى الفرسان بعينيه.
كان الطفل قد صُدم بموت والدته و فقـدَ قدرته على الكلام.
بعد أن رأى معلّمته تُبتلع من البوّابة، فلن يكون بوعيه.
“جلالة الإمبراطور، سأعتني بسموّ الأمير.”
تقدّم الكاردينال هانويل، لكنّه لن يجرؤ على فعل شيء أمام الفرسان.
‘سيروين، أين اختفى ذلك الرجل؟’
عبس لاختفاء الشخص المشبوه فجأة، ثمّ أمر الفرسان:
“أحضروا سلاحي.”
“حاضر، جلالة الإمبراطور!”
هيلاريا هادئة الطباع.
لا بدّ أنّها تتعامل مع الموقف دونَ ارتباك.
ما لم يفـت الأوان.
عضّ على أسنانه و هو يمسك سلاحه، ثمّ عندما كان على وشكِ القفز داخل البوّابة دون تردّد…
“يا إلهي! جلالة الإمبراطور!”
صرخ أحدهم بصوتٍ ممزّق.
تسلّل خوف مرعب على ظهره.
كان يعلم دونَ أن ينظر.
‘اللعنة.’
غلت الشتائم التي نادرًا ما ينطق بها في قلبه.
تقلّب أقوى بكثير من الذي ابتلع هيلاريا، شعور مرعب بالقوّة.
‘هذا…’
التفت ببطء، فرأى ثقبًا أحمر يتلألأ.
كأنّه على وشكِ الانفجار في أيّ لحظة.
“القراءة؟”
“جلالتك، إنّها بوّابة حمراء من الدرجة S!”
بوّابتان.
أخطر من البوّابة السوداء التي ابتلعت هيلاريا.
إذا تُركت، ستنفجر الوحوش في عاصمة الإمبراطوريّة في لحظة.
و الوحيد القادر على إيقافها هو دائمًا كايسيس، الإنسان خارج المقاييس.
صرّ على أسنانه.
كاد قلبه ينفجر من الغضب.
رفيقته ، مرشدته.
كانت غريزته تصرخ كوحش و هي تأمره بإنقاذها أوّلًا.
و كان يريد ذلك أيضًا.
‘هيلاريا.’
إنّها داخل تلك البوّابة.
‘لقد وقعنا في الفخّ ببراعة.’
لكنه لم يستطع.
قبل أن يكون مستيقظًا، هو إمبراطور يتحمّل مسؤوليّة الإمبراطوريّة.
و مرشدته الجميلة القادرة على إطلاق حكم بارد ستفهم هذا الاختيار.
“سندخل من هذه الجهـة.”
ارتجف الفرسان من كلماته الباردة.
كان النبلاء الذين هربوا صارخين يشاهدون الموقف المتسارع بذهول.
“جلالة الإمبراطور، لكن…”
في البوّابة التي ابتلعت الدوقة، لم يكن هناك سوى ديكاردو كمستيقظ قادر على القتال.
و علاوةً على ذلك، لا يمكن لمستيقظ من الدرجة A كسر البوّابة بمفرده أبدًا.
كان يعلم ذلك، لكن كايسيس فتحَ عينيه ببرود و أمر الفرسان المتردّدين:
“تحرّكوا بسرعة.”
لم يكن هناك وقت للتردّد.
قفـزَ كايسيس داخل البوّابة.
لم تبتلعه البوّابة السوداء التي توجد فيها هيلاريا، بل البوّابة الحمراء التي على وشكِ الانفجار.
“سنقضي عليه بأسرع ما يمكن.”
ثمّ سأذهب لإنقاذها.
كوني بخير، هيلاريا.
كان كايسيس يعلم.
اختيار يخالف الغريزة التي تأمره بحماية مَنٔ خُتمت عليه.
كان قلبه يرفضه و ينبض بعنف.
اختيار مرعب يخنق النفس.
* * *
─ دينغ
عندما فتحتُ عينيّ، كان أوّل ما رأيتُه هو نافذة النظام.
[لقد دخلتِ البوّابة.]
ليست معطّلة تمامًا كالمرّة السابقة، لكنّها متقطّعة كما لو أنّها تكافح.
و…
مستنقع مظلم يغطّيه الضباب.
‘هذه البوّابة…’
يا إلهي، لقد انتهى الأمر.
المكان الذي سقطتُ فيه هو بوّابة قتاليّة خالصة لا يمكن لمرشدة أن تنجو منها بمفردها أبدًا.
التعليقات لهذا الفصل " 98"