بعد عدّة أيّام من ذلك اليوم أشرق أخيرًا يوم المبارزة.
“اللعنة.”
لكنّ مزاجي لم يكن منعشًا على الإطلاق. فقد اضطررتُ لقضاء الأيّام المتبقّية في زحمة لا تُطاق!
‘ذلك الملـحّ اللعين.’
كان سيروين يظهر بلا انقطاع.
‘مرحبًا، يا عزيزتي؟’
‘اخرس.’
‘ليس لديكِ نيّـة للحديث اليوم أيضًا؟’
‘قلتُ لكَ اخرس!’
‘آه، التّحدّث بعفويّة أمـر مثير.’
‘.…’
منذُ أن كشـفَ عن كونـه مستيقظًا للنقل المكانيّ، بدأ يستخدم تلك القوّة دون أيّ تردّد.
‘هل عاد ذلكَ الحشرة البغيضة مجدّدًا؟!’
‘…سيّد ديكاردو. منذُ متى تتجوّل بحرّية في مكتبي؟’
‘اتركي إبادة الحشرات لي أيتها الدّوقة. جلالته سيسمح بذلك بكلّ سرور!’
بالطبع، في كلّ مرّة كان ديكاردو يلتصق بي تحت ذريعة «الحراسة».
‘لا، لماذا! لماذا ذلكَ الفارس يتواجد بجانبكِ يا سيّدتي؟ أنا مَـنْ يجب أن أكون هناك!’
‘ألا تقوم بأبحاثكَ؟’
‘سأكون أنا! أنا المساعد الساحر للسيّدة!’
و بسببِ عناد أردييل المليء بالحماس، أصبحتُ أكثر إرهاقًا بمرات عديدة.
بعد أيّام مضطربة، وصلنا أخيرًا إلى يوم المبارزة.
“لم أستطع حتى استشارة لوسي بشأن سيروين.”
من الأمور التي جعلت أعصابي أكثر حـدّة أنّ لوسي لم تأتِ إلى غرفتي منذ عدّة أيّام.
أين ذهبت بحقّ الجحيم؟
هل ربّما…
عبستُ بعنـف.
‘هل جُرحت حقًّا أثناء الدّخول و الخروج من البوّابة؟’
لكن لم يكن لديّ وقت لأشتكي طويلاً.
“سيّدتي، هل أنـتِ جاهزة؟”
أومأتُ برأسي للسّؤال الذي طرحه الشخص الذي كان يدخل.
كان كبير السّحرة.
عندها هرع السّحرة الذين كانوا ينتظرون إلى الداخل جميعًا.
“سيّدتنا! يجب أن تبذلي قصارى جهدك!”
“بالطبع نعلم أنّها ليست مبارزة حقيقيّة.”
“اكسري التّحيّز بأنّ قوّة السّحرة أضعف من المستيقظين!”
لم أستطع كبـح ضحكة خفيفة وأنا أرى السّحرة غير قادرين على إخفاء حماسهم ، فسـاد الصّمت مجدّدًا.
كانوا مضحكين جدًّا و هم يضحكون و يبكون لردود فعلي، فلوّحتُ بيدي بدلاً من الرّد.
“هذا يكفي ، عودوا جميعًا إلى أماكنكم. هل فهمتم؟»
ارتجف السّحرة الذين حاولوا كبح حماسهم، ثم صرخوا معًا.
“نعم، سيّدتنا!”
ثم استدرتُ لأتحقّق من ملابسي للمرّة الأخيرة.
في المرآة، ظهرتُ بزيّ ساحرة كامل لا أرتديه عادةً: رداء أحمر، قبّعة ذهبيّة، و شارة فضيّة.
‘حسنًا، لنذهب.’
خارج الباب، كانت الصّيحات الهادرة تملأ المكان.
ما إن يُفتح الباب ، حتّى تظهر السّاحة الدّائريّة أمامي.
“أنا جاهزة. أخبرهم بالخارج.”
“نعم!”
حان وقت إظهار مبارزة بين ساحرة و مستيقظ.
* * *
أخي جلالة الإمبراطور، أخي جلالة الإمبراطور!
كانت صرخة صامتة محفورة في كفّيـه.
نظر كايسيس إلى أخيه الأصغر الذي كان أكثر حماسًا من أيّ وقتٍ مضى.
خدّاه الأبيضان النّاعمان كانا يرتعشان من شدّة الفرح.
“هل أنـتَ سعيد إلى هذا الحدّ؟”
هـزّ لوياس رأسه بقوّة كدليل على إجابته بـ “نعم” ، و هـزّ مؤخّرته.
خوفًا من أن يسقط الطّفل الصّغير الذي وضعه بجانبه اليوم بدلاً من السّحرة بسببِ حماسه الزّائد، وضعه كايسيس على ركبتيه.
“اهـدأ.”
تجهّم الطّفل فورًا، ثمّ لمعت عيناه مع صيحات الجماهير الهادرة:
“وآآآآه─”
في نهاية نظرته، كانت تقف المرأة ذات الوجه البارد كالعادة.
‘تبدين مبهرة اليوم بشكلٍ خاص.’
رؤية هيلاريا و قد نضجت تمامًا بعد وقت طويل جعلها تبدو مختلفة.
ماذا أفعل إذا قلـتُ إنّني أبتسم فقط لرؤيتها؟
“معلمتـكَ هناك، يا لوياس.”
“…..!”
حتى وهو جالس على ركبتيه، هـزّ الطّفل ذراعيه كأنّ ذلكَ لا يكفي.
ربّما بسببِ لون شعرهمت البرّاق جدًّا، استقرت نظرة هيلاريا مباشرةً عليهما.
“……”
“……”
بصرُه غير البشريّ التقط بوضوح كيف لانت عينا هيلاريا الحمراوتان الباردتان مع صرخات لوياس الصّامتة.
كانت تلكَ اللّحظة الإنسانيّة الوحيدة التي أظهرتها هيلاريا.
صعدت المرأة إلى السّاحة بثقـة.
في اللّحظة التي ابتلع فيها الجميع ريقهم، رفع الفارس الواقف مسبقًا كخصم لها سيفه عاليًا.
ساحرة ضـدّ مستيقظ.
─أُووووو،
دوى صوت البوق الطّويل.
بدأت المبارزة رسميًّا بين الكائنين اللّذين لم يسبق أن قارنا قوّتهما علنًا أمام الجميع.
اندفعت نباتات شائكة مرعبة من الأرض، و هاجمت رأس رئيسة برج السّحرة الواقفة بهدوء.
* * *
مَـنْ قال ذلك؟
إنّ قوّة السّحرة لا تقارن أبدًا بقوّة المستيقظين، بل هي أضعف بكثير.
مَـنْ بالضبط؟
“يا إلهي….”
كلّما تحرّكت يدها البيضاء، هطل مطر من النّار.
“أليس الفارس ديكاردو من الرّتبة A؟”
في كلّ مرّة تتحرّك فيها النّباتات القادرة على اختراق الصّخور الصّلبة بأمر الفارس، كان الهواء ينشقّ بصوتٍ مرعب.
“إذا حسبنا الأمر بدقّـة، فهو يُعتبر قريبًا من الرّتبة S بمهارته.”
لم تكن هجمات السّاحرة أقلّ شراسة.
تلونت السّماء و الأرض بالأحمر، كأنّ عقابًا قد حـلّ على الأرض، في مشهد مهيب.
“إذن كيف نفسر هذا المشهد؟”
حرارة خانقة، جعلت العرق البارد يتصبّب على أيدي المتفرّجين تلقائيًّا.
لم تترك النّباتات مجالًا للتنفّس، و جفّفت النّيران التّربة تمامًا.
احترقت النّباتات.
تحوّلت إلى رماد أسود و هي تُؤكل بنيران بيضاء لا تنتهي.
“قوّة السّحرة….”
“هل كانت بهذا المستوى؟”
المرأة التي أثبتت بوضوح أنّ السّحر ليس ضعيفًا جذبت أنظار الجميع.
الدّوقة آرييل ، هيلاريا.
لم يجرؤ أيّ نبيل في الإمبراطوريّة على تجاهل شهرتها، لكن قلّة من الأشخاص شاهدوا قوّتها الحقيقيّة فعليًّا.
لأنّ الصّورة الرّاسخة منذُ زمن طويل كانت أنّ السّحرة مجرّد مساعدين للمستيقظين، باحثين و مطوّرين للحجارة السّحريّة.
“وآآآآآآه!”
مزّقت صيحات الجماهير الفضاء.
* * *
آغغ، كـدتُ أتقيّأ.
‘يجب أن أتحكّم بعدد المرّات جيّدًا.’
بسببِ الجدول المجنون الذي وضعوه، كان عليّ أن أقدّم عرضًا سحريًّا أمام البوّابة بعد الظّهر، فلم أستطع استهلاك كلّ استخداماتي هنا.
‘آه. تبقّى لي مرّتان؟’
بالطبع، هذه لم تكن مبارزة حقيقيّة تستهدف الرّقبة، بل مسرحيّة متفق عليها بيني و بين ديكاردو.
إذا هاجمت من هنا، دافعي بهذا الشّكل.
كان الهدف هو إظهار النتائج التي تحدث عندما تصطدم قوّتا السّحرة و المستيقظين، للحاضرين هنا.
بعد عدّة موجات حارّة لامست خدّي، فجّر ديكاردو أخيرًا نواة النّباتات التي جمعها، فأرخى كتفيه و استسلم.
فعلتُ أنا الشّيء نفسه.
عندما انتهت المبارزة التي بدت كمسرحيّة، رأيتُ النبلاء يقفون و يصفّقون.
نظرتُ دونَ وعي إلى الاتّجاه الذي كنّتُ أنظر إليه سابقًا.
سرق بريق فضيّ انتباهي.
‘لوياس، و…’
ذلكَ الرّجل الذي يشبه تلميذي الحبيب إلى درجة مؤلمة.
“….كايسيس.”
تمتمتُ باسم لا يسمعـه أحد، و أنا أحفظ في عينيّ مظهر الرّجل الذي بـدا و كأنّ نظراتنا التقت رغمَ بعد المسافة.
ملامح وسيمة مع ابتسامة ودودة بينما يحمل لوياس على ركبتيه.
‘إنه يبتسم الآن.’
تمامًا كما يفعل عندما يراني في اللّيل.
‘عـودي إلى رشـدكِ!’
احمرّت أذناي دونَ سبب، فعضضتُ شفتيّ بقوّة.
رغمَ المسافة التي تفصلنا، رأت عيناي الحادّتان أنّه يحرّك شفتيه بابتسامةٍ خفيفة.
لم أعرف ما يقوله بالضبط، لكنّني شعرتُ أنّه…
‘كأنّه يمدحني على عملي الجيّـد؟’
عندما شعرتُ بالرّاحة لأنّني نجحت، التقت عيناي بآخرين أيضًا.
‘آه، و الكرادلة موجودون أيضًا.’
تحت الإمبراطور مباشرة، رأيتُ هانويل جالسًا بأناقة، و سيروين متمدّدًا في وضعية فوضوية مقارنة به.
ابتعدتُ بصعوبة عن عينيّ الرّجلين المتلألئتين بإصرار غريب، و نظرتُ إلى الأمام.
“سيّدتنا رائعة! إنها الأفضل!”
“سيّدتنا!”
السّحرة الذين يصرخون بحماس و خدودهم محمّرة، و ديكاردو ، الفارس الذي بدا متعبًا قليلاً لأنّ التّنسيق معي كان صعبًا.
‘حسناً. أظنّ أنّني أدّيتُ الأمر بشكلٍ جيّد.’
كان الجوّ من حولي ليس سيّئًا.
حاولتُ أن أمنع الابتسامة التي كادت تفلت من شفتيّ، فأحكمتُ شـدّ فمي.
‘لحسن الحظّ، حقًّا.’
بهذا القدر، لن أبدو كمجرّد ساحرة عظيمة مزيّفة، على الأقل.
لقد اجتزتُ المرحلة الأولى من اليوم بسلام.
****
بعد ذلك بعدّة ساعات.
ابتلعتُ ريقي في صمت.
‘لو أنّ الأمور استمرّت بالسير على ما يرام، لكان ذلك أفضل.’
لم أستطع حتى التنفّس أمام الثقب الضخم المتلألئ بالسواد.
البوّابـة.
القوّة التي قتلتني.
‘آه…’
كما كنتُ أخشى، ابتلعتني تلكَ الصدمة اللعينة حتى ضاق نفسي.
‘أيّ سحرٍ هذا؟ تبا!’
بغضّ النظر عن المهمة أو عن الجهد المبذول—كنتُ أريد الهروب فقط.
التعليقات لهذا الفصل " 97"