لم أنطق بكلمة واحدة و واصلتُ التحديق فيه فقط، فتنهّد الرّجل بابتسامةٍ ماكرة كأنه يقول “لا تتصرفي بهذه الطّريقة”.
“أنا محبط حقًّا. لماذا تنظرين إليّ بهذا الشّكل، يا عزيزتي؟”
“هذا اللّقب.”
صررتُ أسناني بغضب.
صحيح أنّ التظاهر بالبرودة و الغطرسة كدوقة أصبح جزءًا من طباعي، لكنّني الآن غاضبة فعلاً.
لماذا يتصرّف دائمًا بكلّ هذه الألفة من تلقاء نفسه، و لماذا يقوم بمناداتي بـ “عزيزتي”؟
و بسبب ذلك الأثر بالذات، كايسيس…
‘لا، لماذا يظهر اسم كايسيس هنا الآن؟’
شعرتُ بقلبي يخفق بسرعة دون سبب، فشددتُ قبضتي بقوّة.
“كفّ عن التّصرّفات و الكلام الوقح، من الأفضل أن تعود أدراجكَ، أيها الكاردينال سيروين.”
“آه؟”
“ألم تفهم؟ أقول لكَ ارجع الآن بينما أتظاهر أنّني لم أسمع أو أرَ شيئًا.”
هل أصيب رأسه بعلّة خلال ليلة واحدة؟
رغمَ أنه يبتسم ببراءة، إلا أنني شعرتُ بالقشعريرة تسري في جسدي.
“لا تفعلي هذا.”
مـدّ آخر الكلمة بصوتٍ متدلّل، فتراجعتُ خطوة إلى الوراء و أنا مصدومة.
ما هذا؟ هل فقـدَ عقله حقًّا؟
“الكاردينال.”
“نحن الآن لسنا مجرّد معارف عاديّين.”
احمرّت خدّاه خجلاً و غمـز بعينـه.
كان مشهدًا مرعبًا إلى درجة الذّهول.
‘أيها النظام! أيها النظام! هل هذا الإنسان سليم حقًّا؟!’
لماذا أنـتَ صامت هكذا؟
بينما أنا في حالة فوضى داخليّة، اقترب سيروين حتى كاد يهمس في أذني.
“بعد أن هدّأتِنـي بتلك القوّة،”
تواصلت الكلمات بلطف فكأنّ يدًا خفيّة قبضت على قلبي و شدّتـه،
“كيف تتركينني و ترحلين، يا عزيزتي؟”
لا بدّ أنّ عينيّ ارتجفتا.
لكن، مهـلاً.
هل يعرف هذا الوغـد فعلاً أنّني ختمتُ معـه؟
* * *
“اللعنة!”
لماذا؟ لماذا بالضبط؟!
“هل جلالتك تُعيقني إلى هذا الحدّ؟”
رفعت إيزوليت عينيها بغضب.
ارتفعت منها كراهية لا حدود لها تجاه الإمبراطور.
عندما كان يستخدمني كدمية بجانبه كان الأمر عاديًّا، و الآن يعيق حتّى محاولتي لزيادة قوّتي؟
بالطبع كانت إيزوليت تدرك بشكل ضبابيّ.
أنّ ذلكَ الدواء قد لا يكون آمنًا، و أنّ منـع الإمبراطور له ليس لإيقافها هي تحديدًا.
‘أحتاج إلى قوّة أكبر!’
لكنّ تلك الأفكار تلاشت تمامًا عندما شعرت بقوّتها تزداد شيئًا فشيئًا.
أكثر. أكثر. أرجوك أكثر!
اكتشفت هذه المرّة.
كلّما ازدادت قوّة الإرشاد و ارتفع مستواها، تحسّن التوافق مع أولئك الذين كان من الصّعب استخدام القوّة معهم أصلاً.
كان هناك عدد لا نهائي من الأشخاص للتّجريب عليهم.
المرشدون قليلون مقارنة بالمستيقظين، و كان بالإمكان اصطياد المستيقظين الفقراء ذوي القوّة غير المؤثّرة و الذين يواجهون خطر الانفجار من الأزقّة الخلفيّة بسهولة.
“كانت خطّتي مثاليّة…”
كنتُ أشرب ذلك العقار، و رأيتُ أملًا في أن أصبح يومًا ما مرشدة تناسب الإمبراطور تمامًا!
في تلكَ اللّحظة بالذات.
انفتح ستار الشرفة فجأة، و ظهر شخص يقف على الدّرابزين.
“مَـ…مَـنْ أنـت؟!”
كادت تصرخ، لكنّ الواقف على الدّرابزين أخرج شيئًا من صدره و هـزّه فجأة.
“هل… هذا هو؟”
كان الدّواء الذي تبحث عنه إيزوليت بشدّة.
ذلك الدّواء الذي أصبح من الصّعب الحصول عليه لأنّ المستيقظين و السّحرة يحرسونه بشدّة.
خفّـت حدّة عينيها المتوجّستين من الغريب.
“مَـنْ أنـت؟”
“و هل يهمّ مَـنْ أكون، يا آنسة؟”
نبرة لطيفة و ودودة، جسم لا تخفيه أطراف الثّوب.
خفق قلبها بعنف. هل… هو حقًّا؟
‘الكاردينال هانويل؟’
لكن لماذا هو هنا؟
شيء ما يبدو غير صحيح.
عندما بدأت عينا إيزوليت المخدّرتين بالدواء تستعيدان الوضوح للحظة، و حاولت التراجع خطوة إلى الخلف،
“من الأفضل أن تفكّري جيّـدًا، يا آنسة. ألم تكوني تريدين أن تصبحي شريكة الإمبراطور؟”
كلام حلو و ناعم يشبه إغواء الشيطان لروح بريئة، طعن أذنيّ إيزوليت.
نعم، أنا… يجب أن أصبح شريكة الإمبراطور.
“إذا أردتِ، يمكنني أن أحضر لكِ الدّواء الذين تريدينه لتحقيق ذلك الحلم.”
أصبحت عينا إيزوليت حالمتين للحظة، لكنّها لم تكن غبيّة.
هذه صفقة خطيرة.
“لماذا… ما الذي ستستفيده أنـت؟”
نزل الرّجل الواقف على الدّرابزين بسرعة غير بشريّة.
فزعت إيزوليت، لكنّ الزائر أصبح أمام أنفها في لمح البصر.
سرعة و قوّة لا يستطيع إظهارها أي إنسان عاديّ.
كانت إيزوليت، مرشدة كايسيس سابقًا، تعرف قوّة أيّ نوع من الكائنات هذه.
‘هل… هو مستيقظ؟’
عينان فضيّتان لامعتان داخل القبعة، لا تبدوان بشريّتين.
شعرت بالخوف فجأة، لكن…
“اشربي، يا آنسة.”
وضع الدّواء في يدها.
“و احصلي على المقعد بجانبِ الإمبراطور. أنا سأساعدكِ.”
صفقة خطيرة.
لو حدثَ هذا قبل بضعة أشهر لما قبلت بـه أبدًا.
لكن لا مجال للتراجع الآن بالنّسبة لإيزوليت.
“ماذا… يجب أن أفعل؟”
رسمت شفتاه الحمراوان قوسًا.
“شيء بسيط جدًّا…”
كان الشيء الذي أعطاها إيّاه كرة صغيرة جدًّا.
عندما قبضت عليها بقوّة، همس صوت شرّير بجمال:
“ما عليكِ سوى الضغط عليها بجانبِ الدّوقة آرييل.”
“الدّوقة آرييل.”
“نعم.”
“هل ستؤذي تلكَ المرأة؟”
لمعت عينا إيزوليت بشـرّ.
إذا كانت هي بالذات، فحتى لو أدّى ذلكَ إلى تعريضها للخطر فلا بأس معها!
“حسنًا. سأفعلها. تلكَ الصفقة أنا موافقة عليها”
لم تعـد إيزوليت تهتمّ لأي شيءٍ على الإطلاق.
* * *
في لحظة، اجتاحت نوايا القتل المكان.
ضاق قلبي حتى كاد ينفجر، و بدأ الهواء يصبح أثقل.
ثم اندفعت نباتات كبيرة كالأعصار، فأسقطت سيروين الذي كان ملتصقًا بي.
“يا للأسف.”
“ما هذا التصرّف؟”
كان ديكاردو الذي ظهر غاضبًا، و الأوردة بارزة في عنقـه.
كان يوجّـه طرف سيفه الحادّ إلى عنق سيروين الأبيض بينما يبتسم الأخير بهدوء.
“صاحبة السّمو.”
نظر إليّ ديكاردو بقلق، ثم شـدّ السيف أكثر للتهديد.
“ما الوقاحة التي ارتكبها هذا الشّخص بحقّـكِ؟”
حسنًا…
إذا كان هذا الرّجل قد اكتشف الختم النّصفي فعلاً و يتحدّث عنه،
‘يجب أن أسكتـه؟’
تصبّب العرق البارد منّي.
لأنّ عيني الرّجل المقابلتين كانتا تقولان لي:
ماذا ستفعلين؟ هل أفضح كلّ شيء هنا؟
‘اللعنة!’
لكنّ سيروين، الذي يبدو مجنونًا أكثر من اللزوم، جعل عنقه أقرب من السيف الذي يوجّهه إليه ديكاردو.
“لديكِ كلب مخلص جدًّا، يا عزيزتي.”
تدفّق الدّم بغزارة من الجرح.
بينما أنا مذعورة داخليًّا، غضب الفارس الصّادق لغير ذلك.
“عزيزتي؟ ما هذا الهراء! أيها الوغد القذر! سأقتلكَ الآن!”
لا، لا، هذا ليس صحيحًا.
إنّه كاردينال!
“سيّدي الفارس، اهدأ أوّلاً و ضـع سيفـكَ أرضًا.”
“لكنّ يا سموّ الدّوقة!”
“إنّه ممثّل للوفـد، لذا من الأفضل أن تتخلى عن فكرة إراقة المزيد من الدّماء هنا.”
“….”
لو استطعتُ لربطتُ هذا المجنون على سرير و ضربته على وجهه حتى يعترف بكلّ ما يعلمه.
لكنّ كلّ ما أستطيع فعله الآن هو التظاهر بأنّني لا أفهم كلمة ممّا همس به، و المضيّ بوقاحة.
“لم أفهم كلمة ممّا قلتَـه منذُ قليل، أيها الكاردينال.”
“آه، هل ستتبعين هذا الأسلوب؟”
ضيّق سيروين عينيه بمتعـة.
بينما أنظر إلى عينيّ الشخص الذي يبدو كمجنون يعيش و يموت من أجل المتعـة، تنهّدتُ بصوتٍ مسموع.
“أنا حقًّا لا أعلم.”
عينان مليئتان باليقين.
و حقيقة أدركتها بوضوح.
‘كما توقّعتُ. النّظام صامـت.’
حتى بعد ظهور شخصٍ اكتشف الحقيقة، لم أمـت.
‘هل تغيّرت المهمّة؟’
ربّما اختفت قيودي؟
‘أم أنّـه…’
الاستثناء الوحيد؟
على أيّة حال، لم تكن لديّ أدنى نيّـة أن أساق.
أشرتُ لديكاردو بإنزال سيفه، ثم أخرجتُ فجأة الخنجر الصغير الذي كنتُ أحمله مؤخّرًا لحماية نفسي.
ثم …!
غرزته في الحائط بعد أن مـرّ بجوار رأسه.
“لقد حذّرتـكَ، أيها الكاردينال. لكن سأقولها مرّةً أخرى”
بينما أرى خصلات شعره تسقط، همستُ ببرود:
“لا تقترب بهذا الشّكل أبـدًا. هل فهمت؟”
رأيتُ عيني الرّجل الذي كان يتكلّم بلا خوف تتّسعان.
‘رائع.’
بهذا القدر، يبدو أنّني لعبتُ دور الدّوقة آرييل الغاضبة المتوعّدة بنجاح.
التعليقات لهذا الفصل " 96"