‘إنّها قوّة تجعل اللعاب يسيل، أليس كذلك؟’
اختفت الابتسامة عن عينيّ الكاردينال، فأصبحتا باردتين كالثّلج على غير العادة.
تذكّر اللحظة التي كان فيها قلبه يخفق قبل قليل، و هو يرمي القناع جانبًا.
تلكَ القوّة. كانت مجرّد فتات، لكنّها عندما لامست بشرته شعرَ بشعورٍ جميل و قويّ مثير للقشعريرة.
‘لو كانت تلكَ المرأة هي المرشدة الحقيقيّة فعلاً.’
أو إن كانت الدّوقة أرييل تخفي شريكة الإمبراطور كما يزعم الآخرون حقًّا.
فماذا عساي أفعـل؟
الطّريقة الأفضل هي التأكّد بنفسي.
كلّ ما عليّ هو إلقاء الدّوقة في البوّابة مع مستيقظ يحمل خطر الانفجار، لأرى إن كانت الدّوقة آرييل ستخرج حيّـة، أم ستموت.
‘سيكون ذلكَ ممتعًا.’
خفق قلبـه بعنف أكبر من أيّ وقت مضى و هو مليئ بالإثارة.
متى كانت آخر مرّة شعر فيها بهذا القدر من المتعة؟
‘أنا أشعر بالعطش.’
برزت القسوة في عينيه الفضيّتين الوديعتين سابقًا.
‘إلى درجة أنني أريد أن أعـضّ.’
كان شعورًا غريبًا تمامًا.
منذُ أن سمع صوت «الحاكم العظيم»، عاش كدمية تتحرّك وفق إرادته العظيمة فقط.
لكنّه تغيّر في اللّحظة التي لامس فيها تلك الحلاوة اللذيذة.
عطش واضح إلى هذا الحدّ، و رغبة جامحة في امتلاك شيء ما، جعلته يشعر و كأنّه أصبح كائنًا آخر تمامًا.
‘قوّة المرشدة.’
لم يعتبر نفسه يومًا مستيقظًا حقيقيًّا، و مع ذلك تسربت منه ضحكة لم يتمكّن من كبحها.
في تلكَ اللّحظة بالذّات.
“صاحب السّعادة الكاردينال!”
التفت الكاردينال هانويل إلى مجموعة الكهنة الذين رأوه في الرواق الهادئ فأشرقت وجوههم و هرعوا نحوه.
عادت ابتسامته الجميلة المبهرة كلوحة مقدّسة، تتفتّح كالدّخان المتصاعد.
نعم، كان دمية و ممثّـلاً.
“هل انتظرتم طويلاً؟”
ارتبك الكهنة ولم يعرفوا كيف يتصرّفون.
“كلاّ يا سموّ الكاردينال! هل… انتهت محادثتكَ مع الدّوقة بشكلٍ جيّـد؟”
“لم تكـن سيّئة.”
“هذا يريحنا حقًّا… يبدو أنّ الإمبراطوريّة مليئة بالمستيقظين، لهذا نشعر بالغربة و الإحراج.”
“يا للأسف. هل واجهتم إزعاجًا ما؟”
“نحن نرجو أن تُوبّخ الكاردينال سيروين قليلاً إذا رأيته. نحن لا نعلم أين يتجوّل حتّى!”
“همم، قد يكون ذلكَ صعبًا بعض الشيء. لكنّي سأبذل جهدي. إذن، أين الكاردينال سيروين الآن؟”
“ذلك… لا نعلم بعد. لم يعـد منذُ ليلة الأمس.”
بدأ هانويل يسير في الرواق مع الكهنة القلقين.
في الحقيقة، كان يتظاهر بالاستماع إلى تذمّرهم، بينما كان يفكّر في صوت آخر.
[أحضر رفيقة الوحش إليّ.]
صوت شرّير.
كلام يخترق القلب.
ما إن تذكّر القوّة الموجودة في ذلكَ الصوت حتى كاد قلبه ينفجر من الخفقان.
‘هذا هو سبب مجيئي إلى هنا.’
يجب أن يعثر عليها سريعًا كما أمر حاكمه الحقيقيّ و سيّده.
‘هيلاريا، سيكون رائعًا لو كنـتِ أنـتِ رفيقة الإمبراطور.’
أصبح ذلك ممكنًا مثلما شكّ سابقًا.
فمثلما هو كاردينال و مستيقظ في الوقت ذاته، قد تكون تلكَ المرأة ساحرة و مرشدة.
و لكن ، كيف أخفت هذا الأمر؟
في الحفل لم يشعر بأيّ شيء على الإطلاق.
كوحش تحت قناع القدّيس الوديع، بلّل شفتيه بلسانه.
بالطبع كانت كذبة صارخة أنّه لم يشتق يومًا إلى قوّة مرشد.
كان ممثلا يرتدي قناع كاهن، و خائنًا للبشريّة،
و وحشًا ابتلع قوّة عدد لا يُحصى من المرشدين تحت بركة ذلك السيّـد.
“إذا كنتِ حقيقيّة، فستكونين ألذّ من أيّ مرشدة أخرى.”
“أيها الكاردينال؟ ما الأمر؟”
لاحظ أحد الكهنة أنّ هانويل صامت أكثر من اللزوم، فحدّق فيه بقلق.
“حسنًا. بما أنّ الدّوقة سترسل بعض الأوراق، فلنذهب نحن أيضًا لنُعـدّ ما يلزمنا.”
“نعم، يا سموّ الكاردينال!”
كانت أشعّة الشّمس المتسلّلة بين الأعمدة دافئة جدًّا.
لكنّ لون الظلال الطويلة المنبسطة كان داكنًا.
* * *
لا أسرار في القصر الإمبراطوريّ.
كان كايسيس يعبس بعمق و هو يتلقّى تقارير فرسانه المخلصين و خدمـه الذين هم بمثابة يديه و قدميه، بينما يرتب المعلومات في رأسه.
‘تحركات النبلاء.’
بعد أن أعلـن عن مواصفات رفيقتـه، بدأت العائلات الرئيسية تجمع سرًّا فتيات من فروع جانبيّة لها ولدن بقوّة مرشدات قويّة.
كانوا يغيرون ألوان شعرهن و عيونهن ليحاكوا تلك المواصفات.
‘و عائلات المرشدات.’
بالطبع لم تبـقَ العائلات التي أنجبت ثلاثة مرشدات رسميّات لكايسيس، و التي كانت مركز السّلطة، مكتوفة الأيدي.
لكنّ الأهم بالنّسبة له كان:
“الدّوقـة؟”
ضاقت عيناه الزرقاوتان فجأة.
ذلكَ الأثـر. كيف يجرؤ ذلك الكلب القذر على لمس جسـد شريكته بشفتيه دونَ إذنه؟
“الدّوقة كالعادة. لا يوجد شيء خاص عنها سوى لقاء خاص مع الكاردينال هانويل.”
“إذن…”
الكاردينال مجدّدًا.
شعر كايل، ذراعه اليسرى المخلصة و المستيقظ الذي يتحكّم بالرّياح، بتغيّر مزاج الإمبراطور فحدّق فيه بحذر.
“كايل. هل لديكَ ما تقوله؟”
تحرّكت شفتا الفارس كأنّه يريد قول شيء ثم أغلقهما أمام نظرة كايسيس الصّامتة.
كان الأمر واضحًا.
‘معاملة ديكاردو.’
بالتأكيد لا يروق له أن يظلّ ذراع الإمبراطور اليمنى بجانب رئيسة السّحرة الدّوقة.
“أعرف ما يزعجكَ، لكن ركّز الآن على الكرادلة.”
توقّف الفارس للحظة ثم انحنى فورًا بطاعة.
همس كايسيس لنفسه و ابتسم بكسل.
‘أصبحتِ مشهورة جدًّا، هيلاريا.’
كانت حواسّه المتوحّشة تحـذّره.
مثلما يتجمّع النّحل حول العسل، قد يظهر آخرون اشتموّا رائحة تلك القوّة اللّطيفة.
و إذا حدث ذلك…
“لا أعلم إن كنـتُ سأحافظ على عقلي.”
لذلك قبل أن يحدث،
قبل أن يفقـد صوابـه،
لو استطاع أن يصبح الفائز في الرّهان و يمسك بتلك اليـد، لكانت تلكَ ستكون سعادته القصوى.
“هاه”.
المستيقظ ذو المستوى الذي لم يولد من قبل أحد مثله ، كبت شعوره المزعج المنتشر و تحمّـل.
* * *
هل أصابتني لعنة ما؟
لا يمكن أن يحدث هذا إلاّ إذا أصابتني لعنة.
بينما كنتُ عائدة بعد إنهاء أعمال مزدحمة، ظهر شخص فجأة فكدتُ أتقيّأ كلّ ما في معدتي.
“مرحبًا، يا عزيزتي.”
يا للمجنون.
لقد اخترق سيروين الجدار و خرج أمامي!
“هل تفاجأتِ؟”
كادتْ ضلوعي تنفجر من الرّعب، أيّها اللعين.
لكنّني في وضع لا يسمح لي بإظهار مشاعري بصراحة، فكلّ ما استطعتُ فعله هو رفع حاجبيّ بقسوة و تجميد ملامح وجهي.
“ماذا تفعل، أيها الكاردينال سيروين.”
“ما هـذا؟ لماذا لم تتفاجئي؟”
قوّة مستيقظ.
بالتحديد قوّة النّقل المكانيّ.
لا أعلم ما هدفه من استخدامها للظهور بهذه الطّريقة.
نظرتُ حولي دونَ أن أخفي حذري.
‘لا يوجد سحرة في الجوار.’
إذن فقد اختار هذا الثعلب الماكر اللحظة التي أكون فيها وحيدة تمامًا.
لماذا؟ هل هو فعلاً زعيم الأشرار؟ هل جاء ليهاجمني؟
‘تبقّى لي اليوم مرّتان فقط لاستخدام السّحر.’
أخفيتُ أفكاري المضطربة و حدّقتُ فيه بهدوء، فدار الرّجل في الهواء و هبط أمامي مباشرة.
“لماذا لا تردّين على تحيّتي؟”
“هاه”
شعرتُ بالذّهول و الغضب، لكنّ عليّ أن أعترض على الأقلّ على شيء واحد.
“لماذا تتحدّث بأريحيّة من تلقاء نفسكَ، أيها الكاردينال سيروين؟”
بالطبع تخلّيتُ أنا أيضًا عن الرسميّات.
هو مـنْ بـدأ بالتّحدّث بعفويّة أوّلاً، و عندما أتذكّر تلك الليلة…
‘يجب أن أحرص على ألاّ يلمسني.’
هذا الرّجل مستيقظ يستطيع تعطيل قدرتي على السيطرة عن قوة الإرشاد و امتصاص قوّتي كما يحلو له.
حاولتُ التراجع خطوة إلى الخلف، لكنّ سيروين اقترب بشكلٍ أسرع.
“آه، هل تكرهين التّحدّث بعفوية؟ حسنًا، سأنتبه من الآن فصاعدًا.”
“ما الذي تحاول فعله بهذا التصرّف؟”
ضيّقتُ عينيّ بشدّة.
ما أثار الغرابة أنّ رائحة طيّبة كانت تنبعث من الرّجل الذي اقترب.
لم تكن مزعجة كما في اللقاء الأوّل،
‘هل بسبب الختم النّصفي؟’
ربّما تؤثّر قوّة النّظام القسريّة.
إذن هل يشعر هو الآخر بتغيّر حالته؟
بينما يتصبّب العرق البارد من صدغيّ، همس الرّجل ذو العينين الخضراوين الغامضتين بصوتٍ خافت:
“قلتُ لكِ إنّني أريد أن نصبح أقرب، يا عزيزتي “
التعليقات لهذا الفصل " 95"