في تلك اللّحظة ، لم يجرؤ على رفع رأسه لينظر إلى الشخص أمامه حتّى.
حتى الماركيز ديكايل الذي يحظى بثقة عالية من القائد كان هكذا، فما بالك بغيره.
بالنّسبة إليهم، كان هذا الرجل الذي يسمعون صوت «ذلك السيّد» من فمـه لا يختلف عن حاكم.
“سـ، سيّدي القائد.”
جذب الشخص الذي كان يسير بهدوء كرسيّا و جلس عليه. رأى قليلاً كيف يعقد ساقيه الطويلتين.
و كان فوقهما قماش أبيض ناعم يغطّيهما.
“مَـنْ سمح لكَ برفع رأسك؟”
“آ، آسف.”
“حسنًا. دعنا نحسب الخسائر مرّةً أخرى. عدد الأشخاص الذين فقدتهم بتحرّككَ من تلقاء نفسكَ هو ستة. لا بد أنّـكَ تعرف كم يستغرق الوقت والجهد لصنع مستيقظ من الدرجة B أو أعلى فاقـدٍ لعقلـه.”
“ذلك، هذا…”
بينما ينظر إلى طرف ثوبه المطرّز بالخيوط الذهبية، ارتجف الماركيز ديكايل و هوى برأسه في الأرض مرّة أخرى.
“ماركيز.”
همس قائدهم ببرود مباشرة فوق قمة رأسه.
“إذا كنتَ قد وصلتَ إلى هذه المكانة العالي بدعمنا، فعليكَ أن تستخدم ذلك الرأس في مكانٍ جيد.”
لقد طمع الماركيز.
ظنَّ أنه من الظلم أن يكون القائد وحده مَـنْ يسمع صوت الكيان المتعالي ، «ذلك السيّد» الذي يخدمونه.
لذا أراد أن يجـد بنفسه رفيقة الإمبراطور التي يبحث عنها «ذلك السيّد» في أسرع وقت، و يقدّمها بنفسه.
بينما يعضّ على شفتيه بقوة في ندمٍ يائس، تحمّل الماركيز ديكايل الرعب الذي يتصاعد كتسلّق سلسلة جبال وعرة.
‘يا لي من أحمق، لقد نسيتُ.’
هذا الرجل الذي يُدعى القائد هو وحش.
شخصٌ تلقّـى كل قوته من الكيان المتعالي.
شخص لا يموت!
قبل بضع سنوات، عندما أصبح عضوًا بينهم، نسي الرعب الذي شعر به عندما رأى القائد لمرة واحدة فقط، و تصرّف بجرأة و تهور قبل فترة قصيرة، لهذا أراد أن يقتل نفسه تلك.
نظر قائدهم إلى ظهر الماركيز المبلّل بعرقٍ بارد، ثم أطلق ضحكة منخفضة كأن ما يحدث قد أعجبه.
“ارفع رأسـكَ.”
رفع الماركيز رأسه ببطء و هو يرمش بعينين مضطربتين.
ثوب كهنة أبيض يشعّ بنورٍ ساطع، مظهر حتى لو كان يعرفه من قبل لم يكن ليعتاد عليه أبدًا.
الحقيقة أن قائد الجماعة التي تتبع مصدر قوة الوحوش التي تنهمر من البوابات هو في الواقع…
“كاردينال المملكة المقدّسة!”
واجه الماركيز القائد الذي يبتسم بهدوء لكن عيناه أبرد من أي أحد، ففتح فمـه على عجلة.
“لـ، لكن بالتأكيد بعد الهجوم هدأت حالة الإمبراطور! لم يكن هناك الكثيرون بجانبه. هذا يعني أن رفيقة الإمبراطور كانت في مكانٍ قريب، و كما يتوقع الجميع، الدّوقة آرييل! تلكَ المرأة تعرف شيئًا ما…!”
طقطقة .
فـكّ القائد ساقيه المعقودتين و ضرب الأرض بغضب.
في لحظة، أُغلق فم الماركيز الذي كان يثرثر بجنون.
“كفى أعذارًا.”
“هذا…”
“سأكلّفـكَ بشيء آخر. لقد تسرّبت معلومات عن مرشدة الإمبراطور ، الدمية الجميلة التي أعددناها، فجهّز الأمور وفقًا لذلك.”
تحرّكت عينا الماركيز يمينًا و يسارًا و هو يريد قول أي شيء يصبّ في مصلحته، لكن القائد لم يكن ينوي سماع أعذار.
“لماذا لا تجيب؟”
“مـ ، مفهوم! سأبذل قصارى جهدي!”
ارتجف الماركيز ثم أومأ برأسه بصعوبة و أطلق الصعداء.
إعطاء أمر آخر يعني أن ما حدث سيتمّ تجاوزه.
لكنه في الوقت نفسه تحذير بأن العفو لن يكون إلا مرة واحدة.
عندها قال القائد.
“هذه المرة سأتحرّك بنفسي حقًّا، فاخرس و ابـقَ ساكنًا. هل فهمت؟”
“نعم، نعم.”
القائد سيتحرّك بنفسه.
إذن سيُكتشف قريبًا جدًّا مَـنْ هي رفيقة الإمبراطور الحقيقيّة.
في الظلام، كان ثوب الكهنة الأبيض النقيّ يشعّ بقسوة فحسب.
* * *
في صباح اليوم التالي.
كنتُ مع الإمبراطور.
“هذا هو، دوقة آرييل.”
كان وجه كايسيس الذي يتحدّث عن العمل أكثر برودة من أي وقت مضى.
شددتُ أنا أيضًا تعبيري بقدرٍ لا يقل عنه، و حدّقتُ في الزجاجة التي وضعها الإمبراطور أمامي.
“عندما جمعنا المنتجات المنتشرة بقدر الإمكان، قدّموا لنا هذه المرة شيئًا جديدًا علنًا.”
يبدو أن نفوذ جماعة الأشرار داخل الإمبراطورية كان أعمق ممّا كنتُ أتصوَّر.
و فوق ذلك…
“في أوساط الطبقة الأرستقراطية تحديدًا.”
بين النبلاء.
في الوقت الذي أكاد أموت فيه مدفونة تحت كومة الأعمال المتفرّقة، أردتُ أن أحرق كل هؤلاء الأوغاد الذين يرمون لي شيئًا آخر حتى يصبحوا رمادًا.
هؤلاء البشر اللعينون!
“يقال إنه إذا تناوله أحد فسيتمكَّن من الانضمام إلى فرقة فرسان الإمبراطور، أو أن تصبح المرشدة الحقيقيّة للإمبراطور.”
كانت عينا كايسيس الزرقاوان اللتين يردِّدان الكلام بغضب باردتين كالجليد الذي يستخدمه.
إنه غاضب حقًّا.
تدخلتُ بسرعة.
“كما توقّعنا، فإن وفد المملكة المقدّسة مشبوهون. ألم تكـن هذه أول مرة يتفاعلون بهذه السرعة و يغيّرون تحرّكاتهم؟”
“نعم، قد يكون الأمر مختلفًا إذا كان هناك أحد قريب يبلغهم. انا واثق أن رأيكِ يا دوقة لا يختلف عن رأيي.”
“نعم. سأصدر الأوامر للسحرة. سنكتشف في أقرب وقتٍ ممكن ما الذي تغيّر في مكوّنات العقار الجديد، و ما الآثار الجانبية التي قد يسببها. المشكلة هي النبلاء.”
أولئك الذين يملكون القوة والسلطة لا يطيعون أوامر الإمبراطور بسهولة.
بالأحرى عائلات المرشدات تحديدًا.
المستيقظون معرّضون لخطر فقدان السيطرة، لذا لن يمـدّ أعضاء فرقة فرسان الإمبراطور يدهم إلى مثل هذه الأشياء.
لكن المرشدين مختلفون.
بما أنه تـمّ الإعلان أن اختراع برج السحر القادم سيُظهر قوة المرشد القوي و مدى التوافق مع المستيقظ المناسب لتلك القوة، فسوف يحاولون بأي طريقة إثبات قيمتهم.
عقارٌ خطير يزيد قوة المرشد فور تناوله؟
هل سيبقى النبلاء الذين لديهم المال والسلطة ساكنين؟
“بما أنه يزيد قوّة المرشد فور تناوله، فقد يزداد الطلب أكثر.”
التفت كايسيس الذي كان يضع تعبيرًا جادًّا نحوي.
ثمّ لمعت عيناه الزرقاوان بلمعان غريب.
في تلكَ اللّحظة كنتُ أرفع شعري إلى الخلف، و لم أكـن أعلم على الإطلاق لماذا يبدي هذا الرد فعل.
“دوقـة.”
لو لم تمتد يـده الكبيرة كتدفّق الماء و أمسكت بمعصمي، لو لم أرَ تلك العينين تتقلَّصان بانزعاج، لما أدركتُ مدى خطورة الوضع.
“ما هذا؟”
عندما أنزلتُ بصري باتّباع عيني كايسيس، كان ما يظهر هو…
‘اللعنة!’
كان ذلك الأثر الذي تركه سيروين ليلة أمس عندما قبّـل بشدة داخل معصمي.
ذلكَ الأثر الذي فركه بشفتيه بعناد حتى كاد يكمل نصف الختم!
فزعتُ و شددتُ معصمي محاولة سحبه، لكن كايسيس الذي ركّـز هناك لم يتركه بسهولة.
‘الثياب، الثياب!’
هل يُعتبر حظًّا أن الأكمام الطويلة لثياب السحرة غطّـت معصمي الذي تـمّ إمساكه؟
لكن لو تحرّكت قليلاً فقط، فقد يلمس الجلد العاري!
“أ، أطلق سراحي!”
في اللّحظة التي كاد فيها قلبي ينفجر من الخفقان، نجحتُ أخيرًا في ثني معصمي و تحرير يدي.
آه، مجنون. سيروين ذلكَ المجنون!
‘لقد تـركَ أثرًا حقا’
كان خطئي لأنني كنتُ مشتتة جدّا أمس، و لم أرغب في الاهتمام بما حدثَ أكثر، لهذا لم أنظر جيّدًا.
لم أكن أعلم أن الأثر سيصبح أغمق في اليوم التالي أكثر من اللحظة نفسها!
“تكلّمـي، هيلاريا.”
لكن الغريب كان رد فعل الرجل الواقف أمامي.
“في نظري يبدو الأمر و كأن أحد الأوغاد فرك شفتيه في معصمكِ.”
التعليقات لهذا الفصل " 91"