أخرج تنهيدة خفيفة، ثمّ مال نحوي كأنّه سعيد، فنظرتُ إليه و
…مشاعري…
مهما فكّرتُ في الأمر، لم يكن سيّئًا. بل أنني أصبحت أشعر برغبة في الضحك.
أصبحتُ مشوّشة فجأة.
كيف يُعقل أنّني أكاد أضحك بينما أشاهد كايسيس، الذي لا يتصرّف بلطف إلا معي؟
‘هل هذا …. شعور بالتفوّق أو شيء من هذا القبيل؟’
هل من الممكن أنّ رؤية هذا الإمبراطور المتعجرف يتعلّق بي لوحدي بهذه التعابير ، تمنحني شعورًا وضيعا بالرضا؟
أم أن تلك العينين المتوسّلتين… جميلتان كثيرًا؟ ربّما أكثر مما يجب؟
على أيّ حال…الخطأ يقع على وجه هذا الرجل الوسيم.
خوفًا من أن أتأثر، قلتُ ببرود:
“عليكَ الإعتذار أوّلًا.”
من دون أن أترك يـده.
“لقد خالفتَ الوعـد.”
أطلقتُ المزيد من القوّة.
“نعم، فعلتُ…… لقد خالفتُ الوعد و كشفتُ عن صفاتكِ.”
“أخبرتكَ أنٌني سأهرب لو حدثَ هذا.”
“هرب؟ هل تظنين أنّـكِ تستطيعين فعل ذلك؟”
كان يعبث بأطراف شعري بعينين ضبابيّتين.
“الآن، في كلّ الإمبراطوريّة، سيذكرون شعركِ الأحمر و عينيكِ الذهبيّتين، لهذا لن تستطيعي الهرب.”
كلامه البطيء كان شرّير جدًّا.
هل كان ذلك هدفه من إعلانه؟
هل فعل ذلك ليمنعني من الهرب حقًّا؟
“هل خطّطتَ لذلك؟”
“هل أنـتِ غاضبة إذن؟”
لا فائدة من عينيك اللطيفتين و همسك الودود هذا.
لكنني في نفس الوقت ، لم أعـد أشعر بالغضب كالسابق.
‘يبدو أنّني قد جننتُ حقًّا.’
متى بدأتُ أقترب من هذا الرجل….و أرغب به هكذا؟
ابتلعتُ ضحكة فارغة و حدّقتُ به فقط. فلـفّ شعري بأصابعه كأنّه يحثّني على الكلام.
“هل تنوين التخلي عنّي حقًّا ، كما حذّرتِني؟”
“…إن قلتُ نعم. هل ستطاردني بصفتي مجرمة؟”
“لا.”
رفعتُ حاجبيّ، فقال فورًا:
“أنـتِ تكذبين. فأنـتِ لم تشعري بالغضب أصلًا.”
شعرتُ بوخـز في صدري.
“لقد أتيتِ إليّ بقدميك رغمَ معرفتكِ بما حدثَ في الحفل.”
بسببِ كلامه الذي بـدا و كأنه يخترقني من الداخل ، أجبتُ بسرعة:
“قد يكون ذلك….لأنني لم أكن أعرف.”
“و هذا كـذب أيضًا.”
أنا لسـتُ غبيّـة.
ارتفاع الإعجاب، تغيّرات المؤشرات و نافذة النظام الكثيرة.
و تقلّص التحذيرات بشكلٍ ملحوظ.
هذا الرّجل الذكيّ لن يتخلّى عن شكوكه تجاهي بشكلٍ مفاجئ.
كايسيس بـدأ يصبح ألطف معي في النهار تدريجيًّا.
إذن.
‘ربّما أنـتَ.’
ربّما تعرف هويّتي بالفعل…
“لا تغضبي.”
يبدو أنّ أصابعي قد شـدّت من القلق.
جـذب يدي التي تلمس شعره و وضعها على خـدّه، فنظرتُ إليه بهدوء.
“لا تتركينـي.”
بينما كنتُ أحدّق في الإمبراطور الذي يبتسم دونَ تردّد، فكّرتُ مرّةً أخرى.
“لا تذهبـي إلى أيّ مكان.”
يجب أن يعرف كلّ شعب الإمبراطوريّة.
أنّ جلالة الإمبراطور القاسي و الحـادّ رجل ثرثار إلى هذا الحدّ.
“ابقـي بجانبي.”
بل و كثير التدلل.
عندما التقت أعيننا، رأيتُ حدقتيه الضبابيّتين تتشبّثان بي بيأس، ففقدتُ قوّتـي.
‘حسنًا، ما المشكلة؟ طالما أنني لن أموت…فلا بأس بأي شيء.’
لقد تغيّـر الكثير بالفعل.
أنا و كايسيس لم نعـد نكره بعضنا كالسابق إلى درجة تمزيق بعضنا.
“التّصرف بهذه الطّريقة لا ينفـع. لا يمكنني أن أكون مرشدتـكَ الرسميّة.”
أن أبقى بجانبه؟ هذا أمر مستحيل.
لقد كنتُ بجانبـكَ منذُ البداية أصلا.
لكن ، ليس بالطريقة التي تخيّلتها فقط.
في تلكَ اللحظة، و بدون أن أعرف بماذا يفكر عضّ كايسيس أطراف أصابعي دون تردّد.
مع شعوري بالوخز، انفجرت قوّة التوجيه لتهدئته بسرعة.
نظرتُ إلى وجهه الوسيم الذي احمرّت زوايا عينيه كأنّه يستمتع، فقال:
“لنتراهـن إذن. إذا كنتُ سأمسك بكِ أو لا.”
نظر إليّ بعمق بينما كنتُ أبتسم بسخرية، ثمّ فتـح فمـه مرّةً أخرى:
“إذا أمسكتـكِ، عليـكِ أن تقدّمي لي مكافأة.”
“أيّ مكافأة؟”
“كوني مرشدتـي.”
أغلقت فمي بقوّة.
“لا تذهبي إلى أيّ مكان، أعطيني ذاتـكِ كلّها….ليلاً و نهارًا .”
رأيتُ مستوى قوته تنخفض بسرعة نحو الاستقرار.
خفق قلبي بقوّة.
كايسيس يقول كلامًا ذا معنى و كأنّه اكتشف شيئًا ما. أو هل ربّما أن أتخيل ذلكَ فقط؟
ربّما…. ربّما حقًّا
حتّى لو علم مَـنْ أنا….هل يمكن أن تحدث معجزة من دون أن أمـوت؟
و هل سيتقبّل الحقيقة…. إذا أدرك أنّ الدّوقة آرييل هي مرشدته نفسها التي تزوره في الليل من دون أن يحتقرها؟
لكنّ كلّ تلكَ افتراضات كانت غير مؤكّدة.
حسمتُ تردّدي، فسحبتُ يدي و وقفتُ.
ربّما أعطيتُه دليلًا آخر دونَ وعي مني بسببِ كلامه المغـري.
‘عودي إلى رشـدكِ!’
نظرتُ إلى الرجل الذي انهار على السرير كأنّه فقـد قوّته، و رفعتُ ذقني.
“الرهان يجـب أن يفيدنا كلينا. إذا لم تتمكن من الإمساك بي و فـزتُ أنا ، على ماذا سأحصل؟”
نظرتُ إلى شعره الفضّيّ المبعثر على السرير دون معنى، حينها انحنت شفتاه الحمراوان.
“إذا لم أستطع الإمساك بـكِ أبـدًا.”
إن لم تُكتشف هويّتـي، و عشـتُ كدوقة آرييل إلى الأبد داخل هذا العالم، و إن اخترتُ له طريقًا آخر مع شخصٍ آخر كما في الخيارات السابقة، و تركتُ هذه العلاقة…..
“سأمنحـكِ هذه الليلة…. و هذا الوقت دائمًا.”
لماذا شعرتُ بشعورٍ غير سارّ عندما تخيّلت ذلك؟
إذا ذهبت ابتسامته ، لمستـه، تعابيره و كلامه المختلف عن المعتاد إلى الشخص الذي سأربطه به….
“تعالي إليّ متى ما شئـتِ.”
إذا عادت البطلة المشرقة و أخذت ما هو لها، ولم أعـد مرشدة كايسيس اللّيلية….
“أطلقي قوّتكِ لتهدئتي، و قولي ما تريدين بحرّيّة.”
إذا فقـدتُ وقت هذه الليلة….
“سأستمع إلى كل شيء تقولينه.”
إذا فقدتُ غابـة البامبو الخاصّـة بـي…
“خـذي كلّ شيء.”
……لم أستطع أن أنكر الآن.
لن أكون سعيدة إذا حدث ذلكَ.
نعم، لهذا فإنّ التعلّق مخيف.
“و لكنّني….”
خرجت كلمات متردّدة مني دون وعي:
“أريد العيش طويلًا.”
في تلكَ اللحظة بالذات.
─دينغ.
[كلام غير مسموح.
إيقاف جزء من مهمّة اليوم.
استقرّت مستويات القوّة.
عودة.
استعدّي للانتقال.]
ارتفعت نافذة النظام بسرعة، و اهتزّت رؤيتي.
‘مـاذا؟’
قبل أن أنطق بحرف حتّى، أصبح جسدي ضبابيًّا.
اختلطت الرؤية، و غمرني شعور الانتقال القسريّ.
سرعان ما اختفى كايسيس من أمامي.
* * *
“بالفعل.”
وقـف الرجل الذي كان يتدلّل على السرير فجأة.
كانت عيناه الزرقاوان مليئتان تلمعان ببرود.
“هيلاريا، مَـنْ يسيطر عليـكِ؟”
تريدين العيش؟
هل هذا كلام يخرج من فم الدّوقة آرييل المتكبّرة؟
هذا يعني أنّ حياتها ستكون في خطر إذا كُشفـت هويّتها .
مَـنْ سيجرؤ على تهديد دوقة الإمبراطوريّة؟
حتّى أنّها الآن اختفتْ بوجه مذعور و كأنّها مرغمة.
شعر برؤيته تتّضح تدريجيّا، فمسح شعره بعنـف.
كلّ شيء غامض الآن، لكنّ شيئًا واحدًا فقط واضحًا.
“إنّهـا مرشدتـي.”
رنّ صوت احتكاك عظامه في قبضته.
“مرشدتـي التي لا يستطيع أحـد سرقتهـا”
أيا كان ما سيحدث، فهو لن يتركهـا.
حدّق في ضوء القمر الهادئ و شـدّ شفتيه.
* * *
“ماذا؟”
شعرت بالدهشة.
ليس فقط بسبب رسائل المهمة المختلفة، بل لأن المشهد أمامي… لم يكن منزلي.
“لا أزال في…..القصر الإمبراطوريّ؟”
ما هـذا.
هل النظام يعاقبني الآن؟
هل يريدني أن أعود إلى قصر الدّوقة ة… و أنا بثياب خادمة؟؟
و بينما أفكّر هل أستخدم سحر النقل.
[مهمّة مفاجئة!]
ظهر ذلكَ الإشعار البغيض.
‘لا….يا له من جنون. لماذا الآن؟’
[تـمّ الاتصال بمرشّح مهمّة الاختيار المتعدّد.]
الآن، هنا ماذا؟
وفي اللحظة التي أصبتُ فيها بالذعر، صدر صوت من الشجيرات في حديقة القصر.
التعليقات لهذا الفصل " 88"