كان ذلك الشّعور غريبًا.
لم أتوقّع أن أقـف في ممرّ القصر الإمبراطوريّ بمظهر شخص آخر، بسببِ اختياري الخاصّ تمامًا، لا بإجبار أحد.
‘اليوم هادئ بشكلٍ خاصّ.’
في قاعة الحفل الملكيّة، لا يزال الاحتفال بوفد المملكة مستمرًّا.
لذلك، كانت الحراسة المؤدّية إلى غرفة نوم الإمبراطور أكثر تساهلًا من المعتاد.
حفظتُ وجوه الخدم الذين مرّوا بي عدّة مرّات، ثمّ سلكتُ الطريق المألوف حتّى وصلتُ أمام الباب الفخم.
‘هل هو ينتظرني؟’
حتّى لو كان اختيارًا ذاتيًّا، فلا بدّ أنّه لاحظ تأثير انخفاض الادراك، لذا سيكون كايسيس داخل الغرفة ينتظر بهدوء.
ابتلعتُ ريقي الجافّ، ثمّ فتحتُ الباب.
كما يليق بباب غرفة نوم إمبراطور أغنى إمبراطوريّة، انفتح بهدوء تامّ دونَ إصدار أي صوت، وما إن دخلتُ حتّى رأيتُ:
“مرشدتي.”
رجل يبتسم بإشراق بوجه يبدو كأنّ التوتر اختفى منه كشخصٍ شرب الخمر.
شعر فضّيّ مبعثر قليلًا، رداء فضفاض، و خدود محمّرة قليلًا تعبّر عن الفرح بوضوح.
عيناه الزرقاوان اللاّمعة كالجواهر، كانتا سعيدتين بعد أن تخلّصتا من برودتهما المعتادة.
بالطبع، بسببِ تأثير المهمّة، كانت حدقتاه مرتخيتين قليلًا، لكنّ ذلك لم يُضعف ابتسامته.
‘آه، لماذا يبتسم بهذه الطّريقة دائمًا؟ ذلكَ يثير في ذهني أفكارًا غريبة؟’
المشكلة أنّ هذا الرجل بدأ يظهر هذه الابتسامة المرتخية حتّى عندما يتعامل معي كدوقة آرييل.
‘بالفعل، هذا ليس جيّدًا مشهدا جيّدًا لقلبي.’
أليس البشر ينجذبون بشكلٍ طبيعيّ إلى ما هو جميل و لامع؟
استجمعتُ مشاعري المحرجة و دخلتُ متظاهرة بالهدوء.
مـدّ كايسيس يـده إليّ فورًا.
عندها حدّقتُ في تلكَ اليد بهدوء.
يـدٌ لم أستطع إمساكها أبـدًا كدوقة آرييل.
تذكّرتُ كايسيس في السابق عندما مـزح عن موضوع الرقص.
‘كان كايسيس يرقص جيّدًا.’
لا يزال بإمكاني تذكّر وصف رقصه مع البطلة المشرقة في الرواية الأصليّة بوضوح، حتّى مع ذاكرتي المتلاشية.
شعرتُ ببعض الأسف.
فرصة الرقص مع رجل وسيم كهذا لن تأتي إليّ على الأرجح.
أمسكتُ يـده ببطء، فشدّها بقوّة كأنّه لن يتركها أبدًا.
“جلالتكَ.”
“كنتِ تأتين إليّ فقط عندما أكون في خطر.”
صوت يهمس بلطف، و عينان تتقوّسان قليلًا، و وجه نمطيّ لمستيقظ يحاول إغراء مرشدته.
“اليوم مختلف.”
أعرف كلّ ذلك، لكنّني أحيانًا أحدّق به بغباء للحظة.
“انا سعيد جدًّا.”
بالطبع، اليوم لا بدّ أن يكون مختلفًا.
نظرتُ إليه و هو لا يزال في درجة برتقاليّة خفيفة، و حرّكتُ لساني في فمي.
“أم ربّما أنـتِ…”
نظرَ إليّ كايسيس بهدوء، ثمّ سأل بتلميح:
“..هل جئتِ لتوبيخي؟”
نبرته اللطيفة جعلت يديّ و قدميّ تسخنان دونَ سبب، لكنّني لم أفهم كلامه فأغمضتُ عينيّ ببطء.
مَـنْ يوبّخ مَـنْ؟
“بسببِ كشفي لهويّتكِ في الحفل.”
آه، صحيح. لقد حدث ذلك.
في قاعة الحفل الملكيّة، تحدّث كايسيس عن صفاتي.
شعر أحمر متوهج، عيون ذهبيّة لامعة.
ناقش الإمبراطور الأمر مع الدوقة آرييل، لكنّه انتهك الوعد الحاليّ بعدم التعمّق في هويّتي.
‘كيف أردّ عليه الآن؟’
أغضب، أم أضحك و أتجاوز ذلكَ؟
قرّرتُ أن أتظاهر بالخيانة قليلًا.
شددتُ اليـد الممسكة قليلًا و قلتُ بخشنة:
“صحيح ، لقد انتهكتَ وعـدكَ معي ، جلالتكَ.”
في السابق، كان كايسيس يخاف أكثر عندما أقول مثل هذا، فلماذا يفتح عينيه هكذا؟
هل يعتقد أنّ محاولة الظهور بمظهر لطيف سوف يساعده؟
ثمّ ابتسم ابتسامة أعمق و هو ينظر إليّ.
كأنّـه يجـدني لطيفة جدًّا…
‘آه، أكره هذا التعبير.’
لكنّه كان حقيقيًّا.
كان ينظر إليّ كأنّني لطيفة جدًّا، كأنّني محبوبة جدًّا.
كيف أصـف شعور أصابع قدميّ تتقلّص أمام هذه النظرة؟
لا أريد أن يلاحظ ذلك عبر اليـد الممسكة، فجذبته بسرعة إلى السرير.
‘مرّ وقت طويل على انتهاء الحفل، فلماذا لا يزال يعمل؟’
نظرتُ إلى الأوراق المبعثرة على الطاولة و هززتُ لساني داخليًّا.
الدّوقة آرييل نفسها مدمنة عمل، لكنّ هذا الرجل أسوأ منّي .
حتّى عندما جلستُ على السرير متظاهرة بعدم الاكتراث، ظلّ كايسيس يمسك يدي بقوّة.
‘لماذا يمسك بها هكذا؟’
حاولتُ سحبها خوفًا من التعرق، لكنّه تشبّث بي أكثر.
هـزّ رأسه بعينين قويّتين.
ثمّ نظر إليّ بعمق، ثمّ إلى يدي، و همس بهدوء:
“الدّوقة آرييل.”
شعرتُ و كأن العالم قد توقف فجأة. نسيتُ كيفية التنفس حتّى.
نبض قلبي بقوّة حتّى شعرت بالألم.
ماذا… قال هذا الرجل الآن؟
رفع كايسيس نظرته ببطء من يدي إلى عينيّ.
عيناه لا تزالان ضبابيّتين، لكنّني تعرّقتُ عرقا باردًا. هل كُشفتُ هويّتي…
“تشبه يـد تلكَ المرأة.”
لا تمزح!
أنا لم أمسك يـده أبدًا بصفتي الدّوقة آرييل.
غطّت يـده الكبيرة يدي بلطف كأنّها تقول لا تفعلي.
“هناك امرأة كهذه.”
نبض قلبي بقوّة و كأنّني ركضتُ بكلّ قوّتي.
“أمسك أناس مزعجون تلكَ اليـد.”
بدأ الحديث يسير عكس توقّعاتي.
هل يقصد الكاردينالين بالأناس المزعجين؟
هدّأتُ قلبي الذي كان على وشكِ الانفجار و فتحتُ فمي متظاهرة بالهدوء:
“لا أفهم ما الذي تقوله.”
أغمض الرجل عينيه ببطء ثمّ فتحهما بلمعان.
“لم أمسك تلك اليـد، لكنّني أستطيع إمساك هذه.”
كلام غريب.
أردتُ سحب يـدي فورًا.
لماذا تتأسّف لعدم إمساك يـد الدّوقة آرييل!
لعقتُ شفتيّ المشدودتين بلساني ثمّ فتحتُ فمي ببطء:
“إذن. هل… أنا بديلة لتلكَ اليـد؟”
رددتُ ببرود متظاهرة بالضيق، فصمت الرجل لحظة ثمّ فتـح شفتيه بلطف:
“مستحيل.”
“إذن؟”
“لكن. أيّ يـد كانت أولًا، تلك أم هذه.”
“…منذ قليل و أنـتَ تقول كلامًا غريبًا . جئتُ لرؤية جلالتكَ لأنّـكَ قمـتَ بخيانتي بتلكَ الطّريقة.”
حتّى الآن، النظام لا يزال صامتًا.
لكنّني لم أعـد أثـق تمامًا بنافذة النظام تلكَ.
بينما أرفع شعري داخليًّا متظاهرة بعدم الاكتراث، رفع يدي فجأة إلى رأسه…
‘مـاذا؟’
فتحتُ عينيّ بدهشة.
“ما، ماذا تفعل؟”
“رأسي.”
“أعلم أن هذا رأس!”
“داعبيه من أجلي.”
قال ذلك بلطف ثمّ ضحك بهدوء.
كأنّه يستخدم كلّ قوّته ليستغلّ جمال وجهه لصالحه!
‘آه، آه.’
هل يعتقد أنّـه لوياس حقًّا؟
لكنّ الغريب.
لماذا لا أستطيع رفض يـده؟
لماذا يسخن وجهي هكذا؟
‘بسببِ شعوري بالإحراج، نعم إنه خجل فقط.’
حتّى لو أردتُ قبض أصابعي، كان ملمس الشعر الذي يلامس بشرتي رائعًا.
يشبه شعور لمس فراء كلب ناعم….أو كشعور يعمل على تهدئة قلبي القلق دونَ سبب.
“داعبي رأسي و أطلقي الطاقة.”
ربّما يتذكّر هذا الرجل الماكر بوضوح ذكرياته عندما قمت بتدليله في تلكَ الليلة عندما شرب الخمر.
ربّما لاحظ أنني أتقبّل دلاله في العادة، لهذا يحاول استغلال الفرصة بوضوح.
لكنّني لم أستطع المقاومة.
تظاهرتُ بالاستسلام و حرّكتُ أصابعي بلطف في شعره بينما أطلق الطاقة.
“آه.”
“….”
“جيّد، يا رفيقتي.”
التعليقات لهذا الفصل " 87"