حتّى من وجهة نظر موضوعيّة، كانت رؤية الأخوين الوسيمين مشهدًا لا بأس به.
ابتسم لوياس بصمت مشرق، ثمّ فرك خـدّ أخيه الأكبر قائلًا: “انظر، إنها نظرة الدّوقة الشرسة تلك.”
و كأنّه يواسيه و يقول له: لا تبـكِ أبدًا.
في خضمّ دهشتي و ذهولي، أدركتُ فجأةً.
‘هل كنتُ متوترة؟’
يبدو أنّني، أمام الكاردينالين، شددتُ كتفيّ دونَ أن أشعر.
رؤية كايسيس يمزح بطريقةٍ لا تشبهه، جعلت توتري يذوب، فشعرتُ بإحساس دغدغة و أنا أشعر بقوّة تتسلّل من عضلاتي المشدودة.
‘متى بدأتُ أشعر بالطمأنينة عند رؤية كايسيس؟’
آه، تساءلتُ داخليًّا و أنا أخرج لساني.
بالفعل، التعلّق مخيف حقًّا.
ربّما لأنّ النظام الذي كان يرنّ بتحذيرات صاخبة كلّما رأيته أصبح هادئًا مؤخّرًا، لكنّني الآن عندما أنظر إلى تلكَ العينين الزرقاوين.
‘لا يبدو أنّ صدمة الموت السابقة تغمرني كما في السابق.’
العينان الزرقاوان اللتان كانتا تذكّرانني بذلك المستيقظين ذو المستوى S المشؤومين من حياتي السابقة، أصبحتا الآن تعنيان لي شيئًا آخر.
شخص يمكنني أن أثـق به إلى حدّ ما، على ما يبدو.
شعرتُ بالحرج من هذا الشعور الغريب، فسألتُ بصوتٍ خشن:
“كفّ عن المزاح. لوياس، جلالته يسخر منكَ الآن فقط.”
“….!”
نظر إليّ لوياس فجأة كأنّه يسأل: هل هذا صحيح؟ فابتسم كايسيس بخبث و هو يلفّ شفتيه.
هل تجـد مضايقة طفل أمرًا ممتعا؟ هاه؟
“ما الذي تنوي فعله بشأن عائلات المرشدات؟ أرفض أن تقـع عليّ أيّ شرارة مزعجة.”
ابتسمتُ للحظة، لكنّني سرعان ما تذكّرتُ إيزوليت التي كانت تحدّق بي بشراسة، فشعرتُ بصداع.
‘لن ترتكب تجاهي نفس التصرّفات السيّئة التي ارتكبتها تجاه بطلة الرواية المشرقة المسكينة.’
لكنّها لن تجعل الأمر يمـرّ بسهولة على ما يبدو.
و أشعر أنّها ستسبّب حادثًا أكبر ممّا أتوقّع.
‘تصرّفتُ بحدّة زائدة لا تشبهني.’
كلّ ذلك بسبب هذا الرجل الذي أمامي.
بصراحة، الإمبراطور كايسيس ليس شخصًا يُرثى له على الإطلاق، لكنّني انفعلتُ بسببِ موقف إيزوليت.
في تلكَ اللحظة، شعرتُ بالغضب كأنّ الأمر يخصّني شخصيًّا…
‘بالفعل، التعلّق مخيف.’
نظر إليّ الرجل الوسيم الأنيق الذي كان يهزّ أخاه على ركبته، رافعًا رأسه قليلًا بكسل.
كانا يبدوان متناغمين بشكلٍ مزعج.
إنه وسيمًا بلا داعٍ.
“أنا سأراقبهم في الوقت الحالي. عليكِ أن تتحمّلي الإزعاج، أيّتها الدّوقة. هل تعتقدين حقًّا أنّهم سيؤذونكِ؟”
“يا لوقاحتكَ، يا جلالة الإمبراطور.”
“بدلًا من ذلك، أليس من الأفضل أن تفكّري أوّلًا كيف ستتعاملين مع الكاردينالين؟”
بالطبع، كلّ مني أنا و كايسيس كنا نشكّ في الوفد.
لا يمكننا أن نصرخ علنًا: رئيس الأشرار هو أحدهما!
“إذا كان الوفد مرتبطًا بالأشخاص المشبوهين كما نشـكّ.”
نظر الرجل إلى لوياس الذي يميل برأسه كأنّه لا يفهم شيئًا، ثمّ سـدّ أذنيّ الطفل بيـديه الكبيرة كأنّه يمزح.
ابتسم لوياس بعينين واسعتين كما لو أنه تقبّل الأمر كلعـب.
“سيقتربون منـكِ. و سيسبّبون حادثًا إمّا أثناء عرض البوّابة أو المبارزة السحريّة.”
“أعلم.”
“لذا، لا تقبلي اقترابهم كتودّد.”
“أعلـ… ماذا؟”
كنتُ على وشكِ الردّ تلقائيًّا، لكنّني لم أستطع إخفاء تعبيري المذهول.
ما هذا الهراء الذي يقوله الآن؟ تودّد؟
“يبدو أنّكَ تتصرّف بغرابة اليوم، جلالتكَ. ربّما فقدتَ عقلكَ بسببِ الإرهاق الزائد.”
“ذلك المدعو سيروين كان يتودّد إليكِ بشكلٍ مزعج. ألم يخطر ببالكِ شيء عند رؤية ذلك؟”
“كيف يمكن؟ إنّهم كرادلة المملكة.”
“لماذا؟ لم أشعر يومًا بأنّ شعبيّة الدوقة تخترق السّماء كما اليوم. ليس هم فقط، بل…”
صفقتُ على ركبتي.
لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام جدّيًّا، بالتأكيد يسخر مني.
رفعتُ حاجبيّ كأنّني مستاءة ، و صررت على أسناني.
“كفّ عن محاولة استفزازي. أن يخرج مثل هذا الكلام منكَ أنـتَ بالذات بعد ان جذبتَ أنظار كلّ السيّدات في الحفلة، فذلك خداع.”
“هاه، هل أنـتِ تشعرين بالغيرة ربّما؟”
توقّفتُ للحظة. غيرة؟ أنا؟
عضضتُ شفتيّ بسببِ شعوري بالغضب غير المبرّر، فازدادت ابتسامة كايسيس عمقًا.
غيرة؟ ما هذا الآن!
“لماذا تبدي مثل هذا الوجه مرّة أخرى؟ لم أقل سوى الحقيقة، أنا لا أشعر بالغيرة.”
“حقًّا؟”
“نعم. ليس كذلك!”
حدّقتُ به بقوّة.
المشكلة ليست أنا، بل في هذا الرجل.
لماذا يبتسم هكذا؟
“حسنًا، مهما يكن. الدّوقة غير مهتمّة بالجنس الآخر عادة. استمرّي على هذا النحو إلى الأبد.”
يبدو الأمر و كأنه يلعنني بعدم الزواج.
تذمّرتُ داخليًّا، لكنّني لم أستطع رفع عينيّ عن ابتسامة كايسيس المشرقة.
‘بالفعل ، إنه وسيم من دونِ أي فائدة. حتّى في الرواية الأصليّة، كنتُ أعتقد أنّ هذا شخصًا هكذا حصل على البطلة المشرقة بسببِ وجهه الوسيم عديم الفائدة.’
فكّرتُ بعدم النظر إليه، لكنّني مؤخّرًا لم أرَ بطل الرواية الوسيم يغضب من الدّوقة آرييل…
لحظة، هل حقًّا لم أره؟
ضيّقتُ عينيّ.
في تلكَ اللحظة، لـوّح كايسيس بيده أمامي كأنّه يقطع أفكاري.
“على أيّ حال، لا تتهاوني، أيّتها الدّوقة.”
لم يكن لديّ أدنى نية للتهاون.
‘لكن إذا اقتربوا، فلن أرفض.’
بل على العكس، كنتُ أنوي التسلّل إلى العدوّ لأعرف مَـنْ هو الشرّير بينهما.
* * *
كان يومًا طويلًا جدًّا.
خلعتُ الملابس التي تزيّنتُ بها بشكلٍ غير معتاد، اغتسلتُ، ثمّ استلقيتُ أخيرًا على السرير عندما انفتحت النافذة….
دخلت قطّة سوداء ممتلئة الجسم.
كانت لوسي.
“يا لكِ من قطّة الهاربة. انا لا أراكِ في المنزل أبدًا.”
“أكلتِ الكثير من الطعام اللذيذ ومع ذلك تشتكين كثيرًا.”
شعرتُ بضيق داخلي قليلًا.
كيف عرفت هذه القطّة السمينة أنّني أكلتُ الكثير من الحلويات بحجّة إطعام لوياس؟
هل كانت في الحفلة؟
نظرتُ إليها بشكّ، فصفعت وجهي بذيلها الممتلئ.
آه!
أمسكتُ ذيلها بتوتر و همستُ:
“هل تعرفين ما حدثَ اليوم؟”
“بالتأكيد فُتحت مهمّة الاختيار المتعدّدة.”
يا لهذه القطّة الشيطانيّة.
أومأتُ برأسي بسرعة و جلستُ على السرير.
الآن، لا يزال نبلاء الحفلة يضحكون و يثرثرون و يأكلون ويشربون.
“ازداد عدد المرشّحين للختم إلى خمسة. أنتِ… لن تحاولي جعلي أقوم الختم النصفيّ مع الخمسة جميعًا، أليس كذلك؟ هاه؟”
لكنّ مرشدتي ابتسمت بمعنى عميق و لم تجب.
بل سحبت ذيلها من يدي و استلقت على وسادتها.
“هاي! لماذا لا تجيبين؟”
“أنـتِ ساذجة، ستعرفين كلّ شيء في وقته. بدلًا من ذلك، أليس من الأفضل أن تهتمّي بشيءٍ آخر؟”
ما هذا الكلام مرّة أخرى.
عبستُ، ففتحت لوسي عينيها و هي تلعق مخالبها.
وفي تلكَ اللحظة بالذات، أدركتُ ما قالته لوسي.
─دينغ
نافذة الحالة التي ملأت رؤيتي، و الكلمات المكتوبة عليها.
[أنـتِ روح غريبة.]
و مَـنْ لا يعرف ذلك؟
[لكنّ تغيّرًا في قلبكِ بدأ يحدث.
أنـتِ لا تختارين روحـكِ فقط، بل طريق أن تصبحي الدّوقة آرييل في هذا العالم و تتغيّرين.
و بناءً على ذلك، مهمّة الارتباط بالشخصيّات الرئيسيّة، مرشدة منتصف الليل، تتغيّر.]
قلبي يتغيّر؟
شعرتُ بقلبي يهوي فجأة إلى القاع.
لسببٍ ما، تذكّرتُ تلك النظرة الزرقاء الثاقبة، و اللحظة التي شعرتُ فيها بالراحة عند رؤيتها.
بقيتُ متجمدة و يدي مرفوعة في الهواء، ثمّ بدأت الكلمات في التغيّر مرّة أخرى.
[الإمبراطور كايسيس ليس في خطر الانفجار.
كان يجب عليكِ بالتأكيد أن تذهبي لتهدئته إذا كانت حياته في خطر.
لكن من الآن فصاعدًا، الأمر مختلف.
مع تغيّر القلب، تتغيّر الخيارات.]
سأل النظام ببرود دون اكتراث لقلبي الذي يخفق بقوّة.
[من الآن، إذا أردتِ، يمكنـكِ أن تذهبي كخادمة ليليّة إلى المرشّحين الذين خُتموا نصف ختم بـكِ.
ارتباطكِ بالإمبراطور كايسيس يشكّل 45% من الإجمالي.
قيمته الآن في موقع التحذير. هو ليس في خطر الانفجار، لكن يمكنكِ الذهاب إليه الآن لتوجيهه.
هل تختارين؟]
إذن، حتّى لو لم يكن كايسيس في خطر الانفجار، إذا أردتُ أنا….
‘يمكنني الانتقال فورًا إليه؟’
لا.
لق. قال المرشّحين الذين خُتموا نصف ختم، لذا إذا ارتبطتُ بكلّ البشر الذين ظهروا…
‘يمكنني التحرّك متى شئتُ و توجيههم كما أريد.’
و هذا يعني أنّ الاختيار متروك لي.
التدخّل في القدر أم لا.
إنقاذ أحدهم أو قتله…
ليس بإجبار النظام، بل باختياري فقط.
مرّت العينان الزرقاوان في ذهني.
تخيّلتُ شخصًا ربّما يعاني الألم الآن.
حدّقتُ طويلًا في نافذة النظام اللامعة.
[نعم/لا.]
ثمّ…
اخترتُ.
التعليقات لهذا الفصل " 86"