بمجرّد أن غادر الإمبراطور و الدّوقة المكان، عـمّ صمت غامض بين المتبقّين.
كان أردييل، الذي كان ينظر بحزن إلى هيلاريا وهي تأخذ لوياس وحده بتعبير مثير للشفقة، يدير عينيه بسرعة.
‘مرشدة الإمبراطور؟’
بدت رؤوس النبلاء معقّدة بعد أن شهدوا عن قرب ذلكَ الإعلان الصادم و كيف كان الإمبراطور يتباهى بصداقته مع الدّوقة.
لكنّ نظرة أردييل الحادّة لم تكن موجّهة إلى النبلاء، بل إلى الرجلين اللذين كانا يحدّقان بإصرار في ظهر هيلاريا و هي تغادر مع الإمبراطور.
الكاردينال هانويل و سيروين.
كلاهما لم يعجباه أبدًا.
‘من هؤلاء الرجال أصلًا؟’
حتى لو كانوا وفدًا من المملكة، فهذا مبالغ فيه!
‘لا يعرفون حتى كم هو شرف عظيم أن يحظوا بنظرة واحدة من سيّدتي!’
كان يتمتم متذمّرًا غير مدرك لماذا أصبحت الدّوقة آرييل شعبية فجأةً بهذا الشكل.
لكنّ أردييل كان يعلم الحقيقة.
هيلاريا. إنّهـا جميلة.
لم يكن هناك من يجرؤ على الإقتراب منها بسببِ تعبيرها البارد كالجليد و أجوائها المرعبة فحسب، لكنّها كانت شخصًا جذابًا بما يكفي.
‘لكنّني، بصفتي أصغر ساحر، أنا الأقرب إليها!’
ارتفعت عينا أردييل الجميلتان بشراسة كقطّ يرفع ذيله في حالة تأهّب.
كان يراقب الجميع، ثمّ نظرَ باستياء إلى الفارس ديكاردو الذي تصرّف بحماس كأنّه في صفّـه، قبل أن يدير رأسه بعنف.
هذا الرجل، ذاك الرجل، و تلك الأشياء كلّها.
و خاصّة…
‘تغيّـر إمبراطور كايسيس لا يعجبني أيضًا.’
مرشدة الإمبراطور؟
لم يكن يهتمّ بمثل هذا الأمر أبدًا.
فقط ، لم يعجبه أمر كون شعر تلك المرشدة أحمرًا تمامًا كشعر رئيستهم.
نظر أردييل إلى يـده البيضاء الجميلة التي لا تحمل أثرًا للمعارك.
‘الرفيقة.’
لقد تخلّى عن حياة المستيقظ.
لذا لم يكـن يهمّه إطلاقًا كم عدد الرفقاء المتوافقين الذين سيجدون بعضهم بسببِ اختراعه.
عندما رأى الدّوقة آرييل المتألّقة الجمال، فكّـر أنّـه يريد أن يبقى بجانب ذلك الشخص و يكون مخلصا لها فقط.
‘نعم ، هذا يكفيني.’
لكنّه لا يعرف لماذا يشعر بهذا الشعور وهو يرى الدّوقة آرييل تتلقّى تلك النظرات المزعجة من الإمبراطور و الكهنة و العديد من الأشخاص الآخرين.
لو كانت مرشدة.
و لو كان هو مستيقظًا يمكنـه التقدّم و الإعلان عن نفسه بثقـة.
‘كم كان سيكون ذلكَ رائعًا.’
كانت فكرة مجنونة لو سمعها زملاؤه السحرة لتعرّض للضرب المبرح.
ربّما سيشكّون في حالته العقليّة لأنّه، كساحر، يقارن سيّدتهم بالمرشدين و قد يتعرض للتعذيب على أيديهم.
على أيّ حال، تبادل أردييل الإشارات بعينيه مع السحرة الآخرين وهو يراقب الجميع.
كانت نهاية نظراته موجّهة إلى مجموعة وفـد المملكة المقدّسة.
من بين الحاضرين في هذه الحفلة، لم ينـسَ مستيقظو الإمبراطور و سحرة الدّوقة آرييل سلسلة الأحداث.
الجرعة.
حادثة انفجار البوّابة.
الوفد الذي ظهر بمحض الصدفة.
حتى الأوامر السرّيّة التي صدرت.
‘إذا قام أيّ منهم بتصرّف مشبوه.’
لن يتركـوه.
لمعت عينا أردييل الجميلتان كالجوهرة بشراسة.
* * *
“هاه، ليس بالأمر الهيّن.”
تنهّـد هانويل بعمق وهو يتلقّى نظرات الكهنة على تعليق سيروين الذي كان يهمس بلهجة خفيفة.
“ما كان ذلكَ التصرّف منذ قليل، أيها الكاردينال سيروين.”
“آه، هل أخطأت في شيء ما؟”
حتى هانويل، المعروف بالقدّيس اللطيف الذي نادرًا ما يغضب، أظهر تعبيرًا صارمًا لزميله الذي يتصرّف بشكلٍ مفاجئ.
“سيروين، نحن في الإمبراطوريّة. و الدّوقة أحد أعمدة الإمبراطوريّة. التصرّف بوقاحة تجاهها يعادل رشّ الطين على وجه الوفـد.”
سـدّ سيروين أذنيه كأنّه مـلّ من ذلكَ الصوت المتذمّر.
كان الكهنة المرافقون شاحبي الوجوه و هم يعبسون لهذا التصرف الذي لا يليق بالكاردينال مهما كانوا معتادين عليه . لكنّ سيروين لم يبالِ و استمرّ ينظر بحسرة إلى الاتّجاه الذي اختفت فيه الدّوقة.
“لكن اسمع، يا هانويل.”
ثمّ أدار سيروين رأسه نحو هانويل الذي كان يهدّئ الكاهن بلطف، مبتسمًا بعينيه.
“لم أكن أعلم أنّـكَ مهتمّ بالدّوقة إلى هذا الحد. و قد طلبتَ مقابلة خاصّة حتّى. متى أصبحتَ مهتمًّا بالسحر إلى هذا الحد؟”
أغلق هانويل فمـه للحظة و حدّق في زميله الكاردينال الآخر.
شخص لا يمكن معرفة ما في داخله.
و مثل الماء والزيت، لا يمكن أن يختلطا أبدًا.
“يبدو أنّـكَ نسيت لماذا أتينا إلى هنا وما هو هدفنا.”
الهدف الرسميّ للوفد هو التوازن و الانسجام بين قوى السحرة و المستيقظين، الحقيقة و القانون.
وفقًا لتعاليم الحاكم.
“آه، أنا فقط مخلص للتعاليم؟”
“أنا أحـذّركَ، يا سيروين. اليوم مـرّ بطريقةٍ أو أخرى، لكنّني لن أتحمّل المزيد من المتغيّرات.”
“آه، هل ستوبّخني؟”
“سأرسل طلب احتجاج رسميّ إلى المعبد. عندها لن تتمكّن من التصرّف حسب مزاجكَ حتى لو كنـتَ أنـتَ.”
تبادلت نظرات حادّة بينهما.
كان الكهنة يدوسون أقدامهم بقلق فحسب.
و الذي تراجع أوّلًا كان سيروين بشكلٍ مفاجئ.
رفعَ يديه مبتسمًا كأنّه يطلب منه الهدوء.
“حسنًا، حسناً. سأتصرّف بحذر.”
كان يبتسم، لكنّ نظراتهما لبعضهما لم تكن أبدًا نظرات زميلين .
* * *
“الآن بعد أن وصلنا إلى هنا، لسنا بحاجة للقلق من تلكَ النظرات التافهة.”
ابتلعت تنهّدي وأنا أنظر إلى كايسيس الذي يتحدّث بمرح.
بعد أن قال كلّ ما يريد ثم خرج ببساطة، فأيّ نظرات يزعم أنه كان مهتما بها بالضبط؟
حين شعرتُ بملمس أصابعٍ صغيرة تتحرّك، أخفضتُ بصري، فرأيتُ لوياس يرمش بعينيه نحوي.
‘كان يجب أن أتركه مع أردييل.’
لقد أمسكت يـده و تحرّكت دونَ تفكير.
لا يمكنني استجواب الإمبراطور أو قول كلام قاسٍ أمامه مع وجود هذا الطفل.
ربّما كان ذلكَ الرجل الماكر يعرف كلّ شيء و يتظاهر بالجهل ، مما جعل بغضبي يزداد.
“حسنًا، تناولا شيئًا قبل أن نذهب.”
بدأ الخدم الذين تبعونا كالظلال في وضع حلويات بسيطة على الشرفة حيث توقّفنا أنا و لوياس و الإمبراطور.
بينما أنظر بهدوء، مـدّ كايسيس يـده نحوي فجأة.
مـاذا، مـاذا يريد؟
“ما الأمـر؟”
بالتأكيد لا يريد مني أن أمسك يـده.
أجلست لوياس الذي يقف متردّدًا على الكرسي، ثمّ حدّقت في كايسيس بنظرةٍ قاسية دونَ تردّد.
‘يا له من رجل حقير…. لقد أعـدّ فقط الحلويات التي أحبّها!’
بدأت أسيطر على زاوية فمي التي كادت تنفرج رغمًا عني.
تلميذي الطفل اللطيف هنا أيضًا!
لا يمكن أن يكتشف أنّ المعلّمة الصارمة و الباردة تأكل الحلويات الناعمة بشراهـة.
“ربّما أنا أطلب رقصة، أيتها الدوقة.”
سخرتُ منه.
“لماذا تقلّد ذلكَ الكاردينال؟ يكفي هذا. الجميع رأى ذلك سابقًا، و تمثيلية الإمبراطور والدوق الودودين كافية الآن.”
كنت أظهر تعبيرًا مشمئزا كأنّني ابتلعت برازًا، عندما سمعت صوت ارتطام صغير بجانبي.
عندما أدرت نظري، رأيت لوياس و قد فتـحَ عينيه بدهشة كأنّه مصدوم.
‘آه، يا لهذه المشكلة.’
كان الطفل الذي صدم لدرجة أنه إسقط الشوكة التي كان يحملها ينظر إليّ مرّة، ثمّ إلى أخيه مرّة بسرعة.
‘لا… إنه…ليس كذلك…’
اللعنة.
كان كايسيس يزيد الطين بلّـة.
“لوياس، معلّمتـكَ تحتقرني. بذلتُ جهدًا لأكون ودودًا معها بناءً على طلبـكَ، لكنّها قاسية إلى هذا الحد، فما الذي بإمكاني فعله الآن؟….”
هذا الرجل!
غضبتُ لكنّني تردّدت في الردّ.
في تلك اللحظة، ركض الطفل الصغير نحو أخيه كأنّه يطلب منه حمله، و هو يمـدّ يديـه.
أغلقـتُ فمي.
كايسيس، الذي كان يمزح من قبل، كان ينظر إلى أخيـه فجأة بشرود.
‘لا يعقل أن يرفض حمله….أليس كذلك؟’
تذكّرتُ ذلك اليوم داخل البوّابة.
كايسيس الطفل الذي تمسّك بذيل ثوب أمّـه بيأس لإنقاذ أخيـه.
لوياس الصغير الذي كان يبكي بصوتٍ عالٍ دونَ أن يعرف شيئًا.
بالتأكيد كان كايسيس يحـبّ أخاه كثيرًا. و مع ذلك، نادرًا ما يظهر عاطفة.
لأنّ لوياس لا يزال رهينة سياسيّة.
تلاقت نظراتي بعينيّ كايسيس للحظة.
لا أعرف أيّ تعبير كان يظهر على وجهي.
لكنّ بعدها مباشرة.
“تعال إلى هنا.”
مـدّ كايسيس ذراعه كأنّه اتخذ قرارًا، و رفعَ الجسم الصغير بسهولة.
التعليقات لهذا الفصل " 85"