لم يكن هناك كثيرون يجرؤون على التحديق في الدّوقة بتلك الجرأة أمام كلماتها الباردة التي أطلقتها فورًا.
راقـب كايسيس كل تلك التغيّرات بعينيه ثم ذكر الدليل الثاني بنبرة ذات معنى عميق.
“عيون ذهبيّة صافية.”
تنفّس النبلاء الصعداء حتى كادوا يمسحون صدورهم، و هم يشعرون بالإرتياح لأنّها ليست الدّوقة آرييل.
“امرأة في العشرينيّات تمتلك هاتين الصفتين، و هي مرشدة ذات قدرات استثنائيّة.”
تردّد أحد النبلاء ثمّ تكلّـم.
“إذًا لم تجدوها بعد….؟”
“لكن لماذا……”
كان المعنى بالتأكيد: لماذا يذكر هذه الصفات بدل إخفائها جيّدًا.
أشار كايسيس بيـده إلى هيلاريا التي لم تُخـفِ تعبيرها القاسي.
“السحرة”
رغمَ وجهها الجميل، فإنّ تعبيرها الشرس الذي يبدو كأنّه يريد ابتلاع الآخرين، و نظرتها الباردة، جعلت النبلاء عاجزين مرّةً أخرى عن النظر إليها مباشرةً أو طرح الأسئلة.
“سنعثر عليها بتعاونهم.”
“مـاذا؟”
قرّر كايسيس أن يشرح بنفسه نيابة عن هؤلاء المساكين.
“بالصدفة، فإنّ اختراع السحرة المذهل سيكتمل قريبًا. سيكون أداة تظهر نسبة التوافق بين المستيقظ و المرشد.”
“إن كان هناك شيء كهذا…”
“فلن نحتاج إلى البحث عن تلكَ الشريكة بصعوبة. و سيختفي أولئك الأشخاص المتغطرسون الذين يتصرّفون بتعجرف مستغلّين مكانتهم. أليس كذلك؟”
ابتهج بعض النبلاء هنا بوضوح، بينما شحبت وجوه أشخاصٍ آخرين.
خاصّة مرشداته الثلاثة.
أولئك الذين كانوا يرفعون أنوفهم بغطرسة مدّعين أنّهم من عائلة مرشدات الإمبراطور، كانوا الآن يظهرون وجها يشبه مَـنْ تلقّى ضربة في مؤخّرة الرأس فجأة.
لم يمنح كايسيس اهتمامًا طويلًا لهم، بل أبعد انتباهه عنهم.
“لذا ، استمتعوا جميعًا بالحفل. أنا سأكون مشغولًا.”
مشى كايسيس نحو هيلاريا دونَ أن يزيل تعبيره الصارم.
“دوقة.”
“.…”
“أظن أننا بحاجة إلى الحديث، أليس كذلك؟”
“…..”
كانت جرأة عدم ردّها على نداء الإمبراطور، و نظرها المزعجة، بارزة جدًّا.
نعم، هـذه هي أنـتِ.
لم يحاول كايسيس كبـح الابتسامة التي تسربّت، بل نظرَ إليها مباشرة.
“اختاري. هل ستذهبين معي إلى مكان آخر للحديث، أم تفضلين قضاء وقت ممتع آخر مع الكرادلة؟”
نظرَ إلى عينيها اللتين أصبحتا حادتين أكثر من ذي قبل، ثمّ مال برأسه بالقرب منها متظاهرًا بالودّ و همس.
“بالمناسبة، أعتقد أنّه سيكون من الأفضل لو قدّمتِ إلي شرحًا إضافيًّا عن ذلكَ الاختراع.”
عندما رأى نظرات ذات معانٍ كثيرة تتجه نحوهم، ابتسم.
هل يعلم هؤلاء أنّ كل ما يفعله الآن هو ليهيّئهم للصدمة القادمة؟
“و هل هذا يُعتبر خيارًا أصلًا؟”
“بالطبع.”
“مع أنني أعلم أنّـكَ ستتصرّف بتفاهة إذا اخترت الخيار الأول…”
“حتّى لو كان كذلك، فالاختيار لكِ.”
ثم ، نظرَ إلى هذه المرأة التي أمامـه.
“حسنًا، لا خيار آخر.”
هل تدركين حتّى ما الذي يحدث من حولكِ؟
‘لقد وجدتـكِ.’
مرشدتـي.
“لنذهب، جلالتكَ.”
حين أمسكت هيلاريا يـد لوياس بقوّة، و حدّقت فيه بنظرةٍ جافّة كأنّها تقول له تقدّم، أومأ برأسه برضا.
استدار الإمبراطور قليلًا، و نظر إلى الكاردينالين ذوي التعبير الدقيق.
كان منزعجًا عندما أدرك أن أنظراهما لا تزال تتبع هيلاريا.
“استمتعوا أيّها الضيوف الكرام بوقت جيّـد.”
على أيّ حال، كان راضيًا لأنّها لم تخترهما.
رغمَ أنه أمر تافـه و مضحك، إلا أن ذلكَ جعلـه يشعر بالسعادة.
هـزّ ذلك الشعور قلبه الجافّ الذي لم يشعر بالسعادة العميقة من قبل و ملأه.
هيلاريا….تلكَ المرأة الوحيدة.
* * *
كانت إيزوليت تنظر بوجه شاحب كالأشباح إلى والدها الذي يركض نحوها.
بناءً على مجيئه فور انتهاء الحفل، فمن المؤكّد أنّ شيئًا صادمًا حدثَ في المكان الذي هربت منه.
‘إن كان جلالته كما أعرفه.’
ربّما أعلن أمام الجميع أنّ هناك مرشدة أخرى للإمبراطور قبل أن يفكّر الآخرون في نوايا سيّئة.
التعليقات لهذا الفصل " 84"