فكّرتُ يومًا أنّ هذه المهمّة قد تظهر في وقتٍ ما، لكنّني لم أتخيّل أبدا أنّها ستكون في هذه اللحظة بالذّات.
أمسكتُ بيد لوياس دونَ وعي منّي، ثمّ استعدتُ وعيي فجأةً بحركة أصابعه المتماوجة.
نظرتُ إلى عيني الطّفل الدائريّتين المذهولتين، و أومأتُ برأسي قليلًا لأطمئنه أنّ الأمر بخير.
يا لهذا الطفل، إنّـه لطيف جدا.
كان كايسيس الّذي دخل قاعة الوليمة يتفحّص نبلاء الإمبراطوريّة الّذين يراقبونه، و يردّد كلمات التّحيّة الرّسميّة.
“أقدّم لكم، أيّها الحاضرون في هذا المكان، ممثّلي وفـد مملكة لوسيد المقدّسة، الكاردينالين. رحبوا بهم بصدق.”
كانت معاملةً ألطف بكثير ممّا في الأصل.
رغمَ أنّ ذاكرتي غامضة قليلًا، إلّا أنّني أتذكّر أنّني بصفتي قارئة قد شعرتُ بالحرج نيابة وفـد المملكة عندما واجهوا موقف الإمبراطور المتكبّر البارد.
‘بدلًا من أن يصبح ألطف، فمن المؤكّد أنّ لديه أهدافًا خفيّة.’
بينما كنتُ أفكر في مختلف الأفكار في داهلي، صادف أن التقى نظري مع كايسيس تمامًا.
كانت عيناه الزّرقاوان تتفحّصانني أنا، ثمّ مرشدات الإمبراطور حولي، بإصرارٍ ملحوظ.
عندها رأيت.
عيني كايسيس اللتين انثنتا قليلًا في ابتسامة.
‘آه، هذا الرّجل حقًّا. لقد سخر منّي الآن، أليس كذلك؟’
كان نظره يوحي بأنّه يخمّن بسهولة أيّ خلافٍ كان بيننا قبل ظهوره.
نعم، هكذا هو الأمر.
لا يمكن للرّجل الشبيه بالشّيطان أن يجهل أيّ استياءٍ تحمله مرشدات الإمبراطور.
من الواضح أنّه يعرف جيّدًا، لكنّه تركَ الأمر معتقدًا أنّني سأتعامل معه بشكلٍ مناسب.
‘ربّما سبب هذا أيضًا هو عدم رضاه عن عائلات المرشدات.’
على أي حال، لم يكن شعور الاستغلال مريحًا، فتنهّدت، عندها بدا لي فجأةً أنّ الكاردينالين اللّذين كانا يقدّمان نفسيهما للنّبلاء ينظران نحوي.
‘آه صحيح ، أنا الدوقة.’
نزل كايسيس من المقعد العلويّ في قاعة الوليمة، و هو يقود الكاردينالين نحوي.
بالطّبع، كانت مرشدات الإمبراطور خلفي.
تقدّمتا إلى جانبي كما لو كانتا تنتظران ذلك، ظنًّا منهما أنّ الإمبراطور سيّقدّمهما للكاردينالين.
عندما رأيتُ إيزوليت ترفع ظهرها بصلابة، و هي تنظر إليّ بابتسامة ساخرة خفيفة، فخرج تنهّد تلقائيّ منّي.
أيّتها المرأة المتكبّرة، لقد رأيتِ كايسيس لسنوات، و مع ذلك لا تعرفينه هكذا.
“أقدّم لكما. إذا ذكرنا أهمّ شخصٍ في الإمبراطوريّة، فلا يمكن تجاهل هذا الشّخص.”
كانت إشارة كايسيس موجّهةً إليّ مباشرةً، لا إلى المرشدات.
برزت وجوه المرشدات الّذين احمرّت خدودهم احمرارًا شديدًا من إهانة كبريائهم.
‘سيصبح الأمر مزعجًا.’
تنهّدتُ بصمت.
رأيتُ كايسيس الّذي التقت نظراته بنظراتي يحني عينيه بفظاظة.
“رئيسة السّحرة الإمبراطوريّين التي أثـق بهـا أكثر من غيرها، الدّوقة آرييل.”
بالطّبع، كان وجهي نصف متعفّنٍ على الأرجح.
منذُ متى كنتَ تثـق بي إلى هذا الحدّ؟
على أيّ حال، مع تقديم كايسيس، انغرزت أنظار الرّجلين فيّ.
أوه، شعرت بتدفّق عرق بارد.
كلّاهما مستيقظان يخفيان هويّتهما، أليس كذلك؟
اقترب منّي أوّلًا الرّجل ذو الشّعر الأزرق السّماويّ الّذي كان لافتًا للنّظر بشكلٍ خاص.
“مرحبًا، صاحبة السّمو الدّوقة آرييل. أنا هانويل، أحٕد الكرادلة الخمسة. سمعتُ عن سمعة صاحبة السّمو حتّى في مملكتنا البعيدة.”
كانت طريقة تحيّته بتقاطع ذراعيه أمام صدره تحيّة كهنة المملكة.
“سعدتُ بلقائكَ، الكاردينال هانويل. أنا هيلاريا ، سيّدة عائلة الدّوق آرييل ، رئيسة برج السّحر التي تمثّل سحرة الإمبراطوريّة.”
أومأتُ برأسي قليلًا كتحيّة. ثمّ راقبتُ الرّجل الواقف أمامي يبتسم بلطفٍ عن كثب.
‘الكاردينال هانويل.’
أحد القدّيسين اللّطفاء الّذين يحظون باحترام الجميع رغمَ عدم امتلاكه قوّة مقدّسة.
ربّما بسببِ وقوفـه تحت أضواء الشّمعدان في قاعة الوليمة، كان شعره يلمع بشكلٍ خاص.
كان وجهه جميلًا إلى درجةٍ كونه يبرز حتّى بجانب كايسيس.
“آه، هكذا تكون تحيّة الإمبراطوريّة. لقد أخطأتُ، صاحبة السّمو.”
كما أنّه مرشّح ليكون زعيم الأشرار.
كانت ابتسامته المنتشرة بلطفٍ تبدو صادقة.
أعني أنّـه يبدو كشخصٍ لا يستطيع قتل نملةٍ عابرة.
لكن.
‘قد يكون هذا الرّجل شرّيرا.’
شعرت بالخوف.
مددتُ يدي نحو الرّجل الّذي يبتسم بلطفٍ دونَ أن يعرف ما أفكّر فيه داخليًّا.
عندما أمسكتُ يـده ببطءٍ للمصافحة.
─دينغ
[لقد تمّ الاتّصال بمرشّح مهمّة الختم المتعدّد!
لكنّ درجة الإعجاب اللّازمة للختم غير كافية.]
أيها النظام، لا تخرج حتّى حرف “الختم” الآن!
أبعدتُ يدي فورًا.
“سعدتُ بلقائـكَ ، أتمنّى لكَ وقتًا ممتعًا في الإمبراطوريّة.”
لسببٍ ما، تدفّق عرق بارد عندما رأيتُ الكاردينال هانويل يحدّق في يـده التي صافحني بها.
‘من المؤكّد أنّـه مستيقظ.’
يبدو أنّـه مستيقظ بقدرة قويّـة جدا.
لعله ليس مستيقظًا يستطيع الحكم على ما إذا كان الشّخص مرشدًا أم لا بالاتّصال فقط، كالإمبراطور.
عندما حرّك هانويل شفتيه كأنّه يريد قول شيءٍ آخر، تدخّل شخص آخر.
“يجب أن تحيّيني أنا أيضًا، سموّ الدّوقة.”
لسببٍ ما، كان أسلوبه خفيفًا جدّا مقارنة بالكاردينال السّابق.
عندما أدرتُ رأسي، كان الشّخص الّذي جذب نظري رجلًا يبتسم ابتسامة غريبة، مختلفًا تمامًا عن هانويل الذي بـدا مقدّسًا.
‘يبدو فاسدًا جدا.’
لا يجـب الحكم على النّاس بناءًا مظهرهم، لكنّ شفتيه الحمراوين البارزتين كانتا ترسمان خطًّا عميقًا.
ابتسامه بسلاسة لوحده في هذا المكان المتوتّر تعني أنّ لديه شجاعةً غير عاديّة.
هل هذا هو؟
هل هو زعيم الأشرار؟
لكن لماذا يبتسم بهذا الشّكل المزعج؟
انحنى الرّجل بشعره الأسود المتماوج كتحيّة.
“أنا الكاردينال سيروين، صاحبة السّموّ. يمكنكِ مناداتي سيروين بكلّ راحة.”
آه، مقـزّز.
بالطّبع، من منظورٍ موضوعيّ، هو وسيم جدًّا، و صوته منخفض و عميق ، فلا يمكن القول إنّ انطباعه سيّئ.
‘ربّما بسبب اعتباري إيّاه مرشّحًا لزعيم الاشرار.’
على عكس الكاردينال هانويل، مـدّ الرّجل يـده نحوي فورًا.
بـدا كأنـه يقصد القيام بتحيّة الإمبراطوريّة بما أنّه جاء إلى هنا.
و بما أنّ رفض اليـد الممدودة قد يثير مشكلةً دبلوماسيّة، أمسكتُها فورًا.
“أنا الدّوقة آرييل .”
كانت يـد الرّجل الّذي شعرتُ أنّه مرشّح قوي لزعيم الظّلال دافئةً بشكلٍ غير متوقّع.
ثمّ ظهرت نافذة النّظام مع صوت مشابه للسّابق.
[لقد تـمّ الاتّصال بمرشّح مهمّة الختم المتعدّد!
الطّرف الآخر مليءٌ بالفضول تجاهك.
أنتِ قريبة من درجة الإعجاب اللّازمة للختم.]
لكنّ المحتوى كان مختلفًا.
……ماذا؟ قريب؟
[أكمل الختم مع اتّصالٍ عميق.]
‘آه، ما هذا الكلام!’
بسبب شعوري بالخوف ، حاولتُ سحب يدي.
علاوةً على ذلك، كان الإحساس المنبعث من الرّجل غريبًا ما.
يبدو كمستيقظ قويّ، لكنّ شيئًا ما.
‘……يشبه شعور شخصٍ ما.’
مع ذلك، كان إحساسي يحذّرني لإفلات هذه اليـد بسرعة.
لولا أنّ الطّرف الآخر ضغط بقوّة على يدي التي يمسكها كأنّه يقول لا تفعلي، لفعلتُ ذلك.
“ما هـذا.”
عندما رفعتُ حاجبيّ و سألتُ بنبرةٍ استجوابيّة، قال الكاردينال سيروين مبتسمًا بسلاسة:
“سمعتُ أنّ صاحبة السّمو ساحرة عظيمة. و أنّكِ ستشاركين مباشرةً في العرض و المبارزة هذه المرّة.”
“لا أعرف ما علاقة ذلكَ بإمساك يدي بوقاحة.”
“لأنّني مهتم بصاحبة السّمو كثيرًا.”
“مـاذا؟”
من الضّجيج الّذي سمعته من حولي، علمت أنّ هذا ليس أمرًا عاديًّا.
كما أنّ الهواء من حولنا كان يصبح باردًا تدريجيًّا.
عندما رأيتُ وجه الكاردينال هانويل يتجمّد كالجليد، عرفتُ أنّ هذا لم يكن أمرًا متّفقًا عليه داخل وفد المملكة.
هل جـنّ هذا الرّجل.
لكنّ جنونـه لم ينتـهِ هناك.
مع اليدين الممسكتين، أطلق الكاردينال سيروين كلامًا مذهلًا.
“هل ترقصين معي؟”
نعم، فهمـتُ.
نظرتُ إلى وجهه المبتسم ، و توصلت إلى نتيجة في داخلي.
إنه شخص مجنون تمامًا.
كراك.
من مكانٍ ما، انبعث صوت مرعب يشبه تكسّر الجليد.
التعليقات لهذا الفصل " 81"