─ معلمّتي ، أنا متوتر.
أصابع صغيرة أخذت تكتب بحماس فوق يدي.
كنتُ أودّ أن أضمّ ذلكَ الرأس الصغير إلى صدري و أمسح عليه حتى يذوب قلبي من لطافته، لكنّي اكتفيتُ بتأمّل مظهر الطفل اللطيف في بدلته الصغيرة الأنيقة.
“لا داعي للتوتّر.”
في تلكَ اللّحظة ، سمعتُ صوتا يعلن اسمي و لقبي بصوتٍ عالٍ.
وبينما كنتُ أمسك بيـد لوِياس، دخلنا سويًّا إلى قاعة الوليمة.
كانت حفلة الاستقبال الرسميّة لوفـد المملكة المقدّسة قد بدأت.
و هنا بالذات، كنتُ سألتقي وجهاً لوجه مع الكاردينالَين المثيرَين للمشاكل.
‘يا إلهي، أشعر بالخوف ممّا قد يحدث لاحقًا.’
أحد الأمور التي أقلقتني أيضًا هو أنّ لوسي لم تظهر أبداً اليوم.
‘تلك الغبية، أشعر أنّها تختفي دائمًا قبل أن تقع كارثة كبيرة.’
على أيّ حال، لم يظهر لا الإمبراطور و لا أولئك الشخصين بعد.
تجاهلتُ نظرات النبلاء المتردّدين الذين كانوا يفكّرون في الاقتراب، و قرّرتُ أن أبحث عن مكان الطعام لأُشبع لوياس الصغير.
“صاحبة السموّ الدّوقة آرييل.”
لو لم ينادِني ذاك الصوت الكئيب، لكنتُ واصلتُ طريقي.
عندما التفتُّ، رأيتُ ثلاث نساء يرفعن أطراف تنانيرهنّ بانحناءةٍ أنيقة.
‘إنهنّ مرشدات الإمبراطور.’
لم تكن انطباعاتي عنهنّ جيّدة إطلاقًا.
‘لقد عذّبن البطلة المشرقة بوحشيّة في الرواية الأصلية.’
وخاصة تلكَ المرأة ذات الجسد الفاتن، كانت الشريرة الحقيقية في رواية <الإمبراطور المجنون>.
‘و في النهاية، انحدرت إلى درجةٍ مأساويّة بعد أن تعاطت جرعة الاهتياج لتتحوّل إلى شبه مدمَنة، أليس كذلك؟’
لكنّي فضّلت أن أصدّق أنّها لم تصل بعد إلى تلكَ المرحلة، فهززتُ رأسي بتعالٍ يشبه سلوك الدّوقة المتغطرسة.
عندها، بدأت النساء الثلاث يحيطن بي ببطء.
‘ما الذي يخطّطن له الآن؟’
تشبّث لوياس بذيل ثوبي بعد أن شعرَ بالجوّ المتوتّر و أطلّ بخوفٍ من خلفي.
مددتُ يدي لأربّت على رأسه الصغير و عبستُ.
“أهذه هي طريقتكنّ في التحية؟”
المرأة ذات الشعر الوردي، آناييل، بـدت مضطربة بوضوح.
‘على الأقل تلكَ المرأة طيبة القلب نوعًا ما، وقد ساعدت البطلة في النهاية.’
لكنّ الاثنتين الأخريين كانتا مختلفتين تمامًا.
نظراتهما كانت باردة. كانت مليئة بازدراءٍ مألوف لدى المرشدين و المستيقظين عندما يحدّقون في السحرة.
‘لا تقل إنهنّ ينوين افتعال مشكلة معي؟’
في الرواية الأصلية، كنّ يتنمّرن على مرشدة من المستوى B التي لم يكن لديها دعم قوي، لكنّ الوضع معي مختلف الآن.
هؤلاء النسوة لا يهاجمن إلّا مَـنْ يرينه أضعف منهنّ.
“لن أقولها مرّتين، تنحّين جانبًا.”
“……صاحبة السموّ الدّوقة.”
تقدّمت امرأة بملامح باردة، كانت إيزوليت، الشريرة الحقيقيّة في الأصل.
“لدينا الحقّ في المعرفة.”
“عمّا تتحدّثين؟”
رفعتُ حاجبيّ ببرودٍ وأنا أطرح سؤالي، فتردّدت إيزوليت للحظة، ثمّ واصلت بجرأة.
“أنـتِ تعلمين عمّا أتكلم. يُقال إنّ جلالتَه أصبح ودودًا جدًّا مع الدّوقة مؤخرًا.”
كما توقّعت، الشائعات انتشرت بالفعل.
كايسيس ، أيّها الأحمق اللعين، انظر إلى الكارثة التي تسبّبتَ بها.
الناس الذين تأثّروا بهذه الإشاعة ليسوا من المملكة المقدّسة بل من إمبراطوريتكَ أنـتَ!
“و لماذا ذكرتِ هذا الأمر هذا الآن؟”
بـدا على شفتيها ارتجاف خفيف، لكنّ مظهر هلاريا و هالتها جعلتها تتردّد أكثر.
“دوقة، هل أخفيتِ مرشدة الإمبراطور الحقيقيّة حقًّا؟”
“مـاذا؟”
حسنًا، يمكن أن يُساء فهم الأمر هكذا فعلًا.
اكتفيتُ بالنظر إليها بنظرة حادّة دون أن أنبس ببنت شفة.
في الغالب، عندما تصمت و تحدّق في أحد، يبدأ ذلكَ الشخص في تفسير الأمور بطريقته الخاصّة.
و هؤلاء النسوة لم يكنّ استثناءً.
“إن كان هذا صحيحًا…”
ضاقت عيناها و هي تبتلع ريقها و تتنفّس ببطء، ثم قالت بثقـةٍ غريبة:
“أريد أن أعقد صفقة معـكِ.”
‘ماذا؟ اللعنة، لم أكن أتوقّع هذا أبدًا.’
ضحكتُ بسخرية.
“صفقة؟ مثيرٌ للسخرية.”
“لن تخسري شيئًا يا دوقة. فقط أخبرينا بمكانها، وسنقدّم لكِ ما تشائين مقابل ذلك، باسم عائلتانا.”
“أيّ شيءٍ أريده؟”
“نعم.”
كانت خطّتي أن أتجاهلهنّ و أرحل، لكنّ هذا العرض كان وقـحًا إلى درجةٍ جعلتني أغلي.
لم يكن السّبب فقط أنّني أنا المقصودة، بل لأنّ هؤلاء رغمَ أنهن رأين ألـم كايسيس عن قرب إلا أنهن تجرأن على قول مثل هذا الكلام.
‘كيف يمكنهنّ التفكير بهذه الطّريقة؟’
وجود المرشد بالنّسبة للمستيقظ هو الأمـل الوحيد أمام الموت، هو نوره في الظلام. لا يمكن إنكار هذا.
مهما كان المستيقظ مكروهًا، يظلّ المرشد أمرًا مقدّسًا بالنّسبة له.
لكنّ هؤلاء النسوة اللواتي يُفترض أن يكنّ مرشدات تجرأن على المساومة عليّ.
يردن أن يسلّمن “رفيقة الإمبراطور الحقيقيّة” مقابل مكافأة.
‘و بالطبع، أنّ لا يملكن أي نيّـة في تقديمها إلى كايسيس حقًّا.’
كم أن أنانيتهنّ خانقة.
غضبتُ بشدّة.
‘حقًا، انهن مثيراتُ للاشمئزاز.’
تذكّرتُ وجـه كايسيس وهو يصـف نفسه بالوحش، و شعرتُ بغضبٍ مضاعف.
‘أليس من المفترض أن تكـنّ أفضل من هذا؟’
وجه إيزوليت الذي بـدت عليه علامات الترقّب أثار اشمئزازي.
“قلـتِ صفقة، أليس كذلك؟”
“هل أثار الأمر اهتمامكِ؟”
اقتربتْ خطوةً للأمام، فاقتربتُ بدوري بخطوةٍ حادّة، ثمّ ابتسمتُ بسخرية.
“لا.”
نظرتُ مباشرةً إلى عينيها المتّسعتين، وقلتُ بصوتٍ خفيضٍ ينضح بالاحتقار:
“كم أنتنّ حقيراتٌ و جبانات.”
ارتجفت نظراتها و هي تعضّ على شفتها.
في الرواية الأصلية، قالت البطلة شيئًا مشابهًا لها، لكن بلطفٍ أكثر.
و حينها صفعتها إيزوليت على وجهها.
“ماذا؟ هل تنوين صفعِي أيضًا؟”
نظرتُ إليها بازدراء من رأسها إلى قدميها، فارتجفت قبضتها من الغضب لكنها لم تجرؤ على لمسِي.
كما توقّعت، هي تهاجم الضعفاء فقط.
“إن لم يكن لديكِ ما تقولينه، تنحّي جانبًا. لا أريد أن يرى الطفل مشهدًا قذرًا كهذا.”
وجهها الاحمرّ من الغضب جعلني أشعر بمزيجٍ من الشفقة و الضجر.
أمسكتُ بيـد لوِياس و تقدّمتُ للأمام.
آناييل بدت كأنّها تريد قول شيء، لكنّي لم أعد أطيق النظر إليهنّ.
“ها هو شمس الإمبراطورية، جلالة الإمبراطور، يدخل مع وفـد المملكة المقدّسة!”
كان دخول البطل يعني انتهاء الحوار في الوقت المناسب.
رفعتُ رأسي لأتخلّص من تلك المشاعر المزعجة، لكنّي لاحظتُ نظرات كايسيس المثبّتة عليّ مباشرة.
توقّفَ فجأة عن السير.
‘ما الأمر؟’
لم يكن ذلكَ خيالًا.
عيناه الزرقاوان كانتا موجّهتين نحوي وحدي.
و خلفه، كان الكاردينالان الاثنان يحدّقان نحوي أيضًا.
‘ما الذي… يحدث؟’
شعرتُ بقطرات العرق البارد تتسلّل على ظهري.
─ دينغ!
‘لا، ليس الآن، أرجوك!’
[شرط مسبق لمهمّة “الوسم المتعدّد”.
تمّ اكتشاف مستيقظ يُخفي هويّته (3)!]
‘ماذا؟ ما الذي تقوله؟’
[تـمّ اكتشاف مستيقظ يُخفي هويّته (4)!]
‘يا إلهي… ما الذي يحدث؟!’
ظهرت الرسائل واحدةً تلو الأخرى أمام عينيّ و كأنّها تسخر منّي.
[تـمّ استيفاء جميع الشروط المسبقة!]
‘هذا جنون… مستحيل!’
تجمّـد الدم في عروقي.
العينان اللتان التقتا بعيني كانتا لاثنين من الكرادلة…
هل يعني هذا أنّهما مستيقظان أيضًا؟
إذًا…
[مبارك!]
‘مَـنْ منهما هو العقل المدبّر؟’
[تـمّ تفعيل المهمّة الرئيسيّة!
لقد تمّ اكتشاف جميع المستيقظين المرشّحين.
القائمة:
الإمبراطور كايسيس ،
الساحر أردييل ،
المستيقظ ديكاردو ،
الكاردينال سيروين ،
الكاردينال هانوييل.]
خفق قلبي بعنـف.
ثمّ ظهرت الرسالة الحاسمة.
[مهمّة “الختم المتعدّد” بدأت!]
‘يا إلهي…’
[أنـتِ مرشدة من الفئة S، قادرة على عقد “ختمٍ جزئيّ” مع عدّة مستيقظين.
إلى غاية اكتمال الختم التام، يمكنكِ الارتباط بعدّة مستيقظين في آنٍ واحد.
سيُقسمون لكِ بالولاء و المودّة العميقة.
نفّـذي الختم الجزئيّ مع جميع المستيقظين الخمسة بنجاح.
نسبة التقدّم الحاليّة:
الإمبراطور كايسيس (40%)
النسبة المتبقّية: 60%
عند النجاح: الانتقال إلى المرحلة التالية من المهمّة الرئيسيّة.
عند الفشل: موت الروح.]
“…….”
‘اللعنة… أعتقد أنّه سيُغمى عليّ حقًّا.’
التعليقات لهذا الفصل " 80"