في خضمّ هذا كلّه، كان النّظام صامتًا.
‘هذا النّظام المليء بالأخطاء!’
لسببٍ ما، شعرتُ أنّ أوقات الاجتماعات تطول تدريجيًّا خلال الأيّام القليلة الماضية، و يبدو أنّ ذلك لم يكن وهمًا.
‘قبل أن يقوم ذلك الرّجل بشيءٍ غريب، أنا سأهرب.’
ضغطتُ على السّحرة بنظرة عينيّ، فالسّحرة الذين كانوا يتقاتلون كأعداء لدودين فهموا تلك النّظرة كأنّها شبح و هدأوا.
عندما تجاهل أحد الجانبين القتال، تدفّق الاجتماع بسرعة كأنّ السـد انهار.
“شكرًا على جهودكم.”
“لننهي الاجتماع.”
غادرت المجموعتان مع تحيّـة متردّدة.
بالطّبع أنا أيضًا.
“الدّوقة آرييل .”
لو لم يمسك ذلكَ الصّوت برقبتي من الخلف، لكنتُ فعلتُ ذلك.
شعرتُ و كأنّ صرير صدأ الحديد يرنّ في حلقي.
أجبرتُ جسدي الّذي رفض التحرك على الدّوران لأنظر إلى الإمبراطور، فوجدته يبتسم بسعادة لسببٍ ما، و هو يحرّك إصبعـه.
“أنـتِ اِبـقي.”
ربّما لأنّ صوتـه كان يحمل لمسة لطيفة أكثر من الغضب أو البرودة.
ذُهـل السّحرة، و كذلك المستيقظون الّذين بـدت وجوههم كأنّهم تلقّوا ضربة على مؤخّرة رؤوسهم.
‘لا تنظروا إليّ هكذا، فأنا أشعر بنفس الشّعور.’
حتّى لو كانت الدّوقة آرييل، لم يكن بإمكانها تجاهل أمر الإمبراطور و الخروج.
أشرتُ بيدي لإخراج السّحرة المتبقّين جميعًا، ثمّ تنهّدتُ و اقتربتُ من الإمبراطور.
“لماذا استدعيتني.”
“اجلسي أوّلًا.”
حتّى في تلكَ اللّحظة، كان يراقبني بمتعة و هو يضع ذراعيه متقاطعتين.
‘هذا الرّجل ، هل يظنّني قردًا في حديقة حيوانات؟’
تذمّرتُ داخليًّا و جلستُ، فألقى كايسيس قنبلة عليّ بوجهٍ مبتسم.
“أفكّر في الإعلان رسميًّا عن ظهور مرشدة الإمبراطور.”
شعرتُ و كأنّ صخرة سقطت عليّ بقوّة.
فقدتُ روحي للحظة و نسيتُ التحكّم في تعبيري.
نظرتُ إلى كايسيس بفـمٍ مفتوح ، مع إظهار ارتباكي كاملًا.
ماذا قلـتَ الآن؟
أنـتَ ستعلن عن ماذا؟
لم أعرف فجأة ما يجب قوله.
ذلك لأنّني اعتقدتُ أنّ هذه أيضًا طريقة هذا الرّجل في اختباري.
بعد صمت قصير، فتحتُ فمي متظاهرة بالهدوء.
“لماذا اتّخذتَ مثل هذا القرار.”
“البحث له حدود. و…..”
اخترقتْني عيناه الجليديّتان الواضحتان.
فجأة ، أغلق فمـه بإحكام.
ما الأمر؟ ما الذي تريد قوله؟
“على أيّ حال، انتشرت الشّائعات بالفعل. البقاء ساكنين هكذا سيثير شكوكًا أكثر غرابة.”
“لكن.”
فكري بحـلّ. فكري!
“و كيف ستعلن ذلك.”
“عن طريق الصفات فقط.”
عبستُ بين حاجبيّ.
“إذا فعلتَ ذلك، قد يظهر أشخاص مزيّفون لا حصر لهم.”
“هناك حلّ منفصل لذلك. نتائج بحثكم هذه المرّة ستساعد”
آه، تنهّدتُ داخليًّا.
أردييل، لم أكن أعلم أنّ الشّيء الّذي صنعته سيُستخدم بهذه الطّريقة.
شعرتُ بأن نظرة كايسيس الّتي تبدو تراقب ما إذا كنتُ مرتبكًا أم لا ، كانت تخترق وجهي.
“إذا علموا بإنّه يمكن معرفة مستوى التوافق برقم، فلن يتقدموا بسهولة إذا كانوا يقدّرون حياتهم.”
ما الذي يمكنني قوله هنا؟.
و مع ذلك، الشّيء المطمئن هو أنّه لن يكون هناك الكثير من البشر الجريئين الّذين قد يحاولون ربطي بامرأة ذات شعر أحمر و عيون ذهبيّة.
‘لكنّني أشـمّ رائحة حلوة تتسلّل من مكانٍ ما.’
ما هذه الرّائحة بالضّبط؟
كنتُ خائفة من أن تصدر معدتي صوتًا بسبب تناولي السريع للإفطار.
في تلكَ اللّحظة، بدأ الخادم الّذي دفـعَ العربة في وضع الحلويات أمامي كأنّه كان ينتظر.
لا، ما هـذا.
“ما هـذا؟”
سألتُ بذهول، فأشار كايسيس بإصبعه إلى الحلويات الّتي كانت توضع بأناقة.
“ما ستأكلينه أنـتِ. “
“…لماذا يجـب أن آكل الحلويات هنا، اشرح لي بشكلٍ جيّد ، جلالتكَ؟”
سواء فعـلَ أم لا، رفـعَ شوكة و وضع قطعة كعك في فمـه، ثمّ عبـس و هو يقول بهمس:
“همم، هذا أسوأ شيء.”
كان ذلك صادمًـا.
الأسوأ هو ذوقـكَ أنـتَ.
“كيف يمكن لكعكعة أن تكون أسوأ شيء؟”
“جربيها أنـتِ.”
بسببِ التحدي الذي ظهرَ الآن بشكلٍ مفاجئ، أمسكتُ الشّوكة دون وعي و أكلـت.
‘لماذا هي لذيذة هكذا؟’
يبدو أنّ طاهي قلعة الدّوقة ضعيف في الحلويات.
بالأصل، هيلاريا لم تكن تحبّ الحلويات، و أما السّحرة فكانوا مرارًا في السن نسبيًّا لهذا لم يكونوا من محبّي الحلويات.
و أنـا.
‘كنتُ في حياتي السّابقة مدمنة على المخبوزات!’
آه.
ذوبان.
‘متى كانت آخر مرّة تناولت فيها كعكة؟”
تلكَ الأيّام الّتي لم أتمكّن فيها من طلبها بشكلٍ صحيح من الطّاهي خوفًا من الشّكوك ، مرّت في ذهني.
كتمتُ رغبتي في الاهتزاز من الإعجاب و حرّكتُ فكّي ببطء.
يجب ألا أبـدو كأنّني أجـنّ من اللّـذة!
“هل هي غير لذيذة؟”
هل أنـتَ مجنون؟
إنها لذيذة جدًّا!
لم أرد الكذب، لكنّني لم أستطع قول الحقيقة، فأجبتُ بتكبّـر.
“مقبولة. إنّهـا عاديّة.”
“حقًّا؟ إذن ماذا عن هذه؟.”
هذه المرّة، برزت الفراولة الحمراء الزّاهية فوق كعكة الكريمة الطّازجة.
حرّكتُ الشّوكة بشكلٍ طبيعيّ ثمّ توقّفتُ.
“لماذا يجـب أن آكل هذه؟”
لم أنـسَ كابوس حساء الكريمة بالمحار.
ليس من المعقول أن تأكل الدوقة آرييل الكعك أمام الإمبراطور.
رغمَ أنّني أكره ذلك إلا أنني كنتُ مجبرة على وضع الشّوكة جانبًا، عندما قال:
“لا يمكن تقديم كعكة عاديّة لوفـد المملكة.”
“إذن لماذا تقدمها لـ……”
“هل تعتقدين أنّ هناك شخصًا آخر غيركِ قد يجرؤ على إخباري أن الطّعام الّذي أعـدّه طاهي القصر الإمبراطوري سيّء؟”
همم، بالطبع لا يمكن لأحد آخر فعلها.
“لذا قيّـمي الكعكة بجانبها أيضًا.”
إذن، همم همم.
لا خيار آخر، صحيح؟ لا بأس بهذا؟
حافظتُ على الهدوء و الأناقة و وضعتُ الكعكة في فمي.
واو يا رجل، هذه أيضًا تذوب!
لماذا اختفت في ثانية؟
ثمّ و بشكلٍ متكرّر….
‘غير معقول، مَـنْ أكل كلّ هذا.’
لم أتمكّن من إخفاء ذهولي عندما وضعتُ الشّوكة بيـد مرتجفة.
كانت الأطباق الخمسة فارغة تمامًا.
‘هذا يعني أن خمس قطع من الكعك قد دخلت معدتي. و أمام ذلكَ الرّجل!’
هذا جنـون.
يا لهذا الفـم المجنون!
“أنـتِ تحبين كلّ ما ليس حلوًا للغاية؟”
“هل… هذا… مهمّ الآن؟”
كان من المحرج أن أغضب الآن بعد كل هذا الأكل، لكنّني لم أستطع الابتسام بسعادة و قول شكرًا على الحلويات.
“على أيّ حال، لقد أكلتُ جيّدًا، يا جلالة الإمبراطور. لكنّني أتمنّى ألا تتكرّر مثل هذه الجلسات.”
“لماذا؟”
و هل نحن أصدقاء نضحك و نأكل الحلويات معًا ؟
“سيأتي الوفـد قريبًا.”
مَـنْ لا يعلم ذلك.
“هل يجب أن نظهر أنّ العلاقة بيننا نحن، عمودا الإمبراطوريّة، أسوأ ممّا يُعتقـد؟”
همم، كلامه صحيح.
“لذا يجـب تغيير النّظرات الباردة أوّلًا.”
لا أتذكّر وجود مثل هذه الأمور في الرواية الأصلية.
أعرف شخصيّة ذلكَ الرّجل جيّدًا . هو ليس شخصًا يغيّـر سلوكه ليبدو جيّدًا أمام الوفد.
“إذن ماذا، هل تقصد التظاهر بأنّنا صديقان مؤقّتًا؟”
“ليس سيّئًا.”
هل فقـدَ عقله حقًّا.
“أنا لا أنـوي ذلك.”
“أنا أنـوي ذلك”
بالتّأكيد، عندما تعرّض للهجوم في الغابة، أصيب ذلك الرّجل بإصابة كبيرة في مكان ما.
‘و إلّا لما قال مثل هذا الهراء.’
وقفت دونَ ردّ، لكنّه كان حاكمًا وقحًـا.
“ابقـي بعد الاجتماع القادم أيضًا.”
ارتفع ضغط دمّي.
ومع ذلك، ابتسم الرّجل الوسيم جدًّا بوقاحة و لوّح بيـده.
“اذهبي الآن، أيّتها الدّوقة.”
* * *
انفتح الباب بقوّة ثمّ أغلق.
علـم الفرسان الّذين كانوا يعرفون الإمبراطور أنّـه لا يزال داخل قاعة الاجتماع ففتحوا أعينهم بدهشة.
“الآن، الدّوقة؟”
“ألم يدخل الكعك قبل قليل؟”
كانت وجوههم تبدو و كأنّهم رأوا شيئًا لا يجب رؤيته.
يمكن للإمبراطور و الدّوقة البقاء وحدهما في قاعة الاجتماع للحديث.
لكن لماذا تـمّ إدخال الكعك الّتي قيل إنّ طاهي القصر بذلَ جهدًا كبيرًا فيها.
هـزّ المستيقظون رؤوسهم بعد أن أظهروا تعبيرًا غبيًّا مؤقّتا.
“ربّما أنا أحلم الآن بعيونٍ مفتوحة.”
“نعم، ربما. فذلك مستحيل.”
و إلا ، كيف يمكنهم أن يفسّروا خروج الدّوقة آرييل قبل قليل مع وجود كريمة ملطّخة قليلًا على طرف فمـها؟
كانوا يشعرون بالإرتباك.
التعليقات لهذا الفصل " 78"