نظرتُ إلى السحرة الذين تدفّقوا كالموج بوجوه متجمّدة، ثمّ تنفّستُ بعمق أخيرًا و رفعتُ يدي كأنّني آمرهم بالصمت.
ساد صمت بارد أرجاء الغرفة.
“مَـنْ.”
“……نعم؟”
كانت الوصف دقيقًا.
المشكلة هي مَـنْ أخبرهم بذلك.
“مَـنْ قال ذلك؟”
“……بالطبع.”
اقترب أصغر السحرة، أردييل، الذي كان في المقدّمة بوجه ملطّخ بالدموع و المخاط، وقال و هو يرمش بعينيه الجميلتين.
“مَـنْ غيره. الإمبراطور الذي كان معـكِ، أليس كذلك؟”
تجمّـد قلبي فجأة.
الإمبراطور.
كايسيس الذي رأى كلّ شيء، قد قام بالتّستر عنّي.
حتّى أمر تقيـؤي للدم.
لمـاذا فعل ذلكَ بالضبط……؟
* * *
هناك مقولة تقول إنّه يجب أن تتلقّى الضرب أوّلًا، لكنّني تجنّبتُ ذلكَ بيأس.
لأنّني لم أكن واثقـة من قدرتي على مواجهة وجه الإمبراطور الآن.
بسببِ قلقي تجاه كايسيس، أصبحت الصدمة من قتلي لشخص بتعويذة تبدو باهتة حتّى.
‘ لا أعرف حتّى إن كان هذا تأثير فقداني للذاكرة أم لا.’
انتهى مهرجان الصيد.
أمسكَ الإمبراطور بالضيوف غير المدعوّين ، و أزال البوّابة التي كانت ذريعة الزيارة الاسميّة.
بالإضافة إلى أنّ وفـد المملكة سيصـل قريبًا، و الأعمال تراكمت، لذا كان يجـب على الجميع، بمَـنْ فيهم السحرة و فرسان القصر الإمبراطوري، العودة دونَ أيّ تأخير.
أمّا أنـا.
‘ماذا أفعـل؟ كيف أتعامل مع هذا الموقف؟ ماذا أقول. لقد رأى مشهد تقيّـؤي للدم كلـه.’
ربّما سوف يستجوبني بشدّة.
في الحقيقـة، كنتُ خائفة.
لم أستطع حتّى تخيّل مدى برودته في مطاردتي، وما إذا كنتُ سأتمكّن من السيطرة على تعبيراتي أمامه كالمعتاد.
لكنّني كان يجب أن أعود معـه، و الإمبراطور شخص لا يمكن تجنّبـه.
مثل الآن.
“……”
“……”
لم يقـل كايسيس شيئًا عندما التقى بي.
أغمضتُ عينيّ بقوّة و قمعتُ رغبتي في الصّراخ، ثمّ فتحتُ عينيّ بوقاحة.
‘لا أعرف أبـدًا ما الذي يفكّر فيه!’
كان كايسيس يبدو كالمعتاد.
فتحتُ فمي، و أنا أكبح برغبتي في الهروب مسرعة أمام هذا الرجل اليوم أيضًا.
“لماذا تظاهرتَ بعدم المعرفة؟”
لا، هذا ليس ما كنت أريد قوله.
لكنّ الكلمات التي خرجت بالفعل لا يمكن استرجاعها.
نعم، بما أنّ الأمر وصل إلى هنا، دعني أقولها بشكلٍ صحيح.
ما الذي يفكر فيه الإمبراطور بالضبط.
‘لقد رأيتَ تقيّؤي للدم، فلماذا أخفيتَ ذلك عن السحرة. ما الذي اكتشفته بالضبط.’
كاد قلبي ينفجر.
أبعـد كايسيس الفرسان المحيطين، و اقترب أكثر منّي قليلًا، و أمال رأسه.
عندما شعرتُ بالدهشة لأنّ تعبيره لم يبـدُ منزعجًا على غير المتوقّع، قال.
“ما الذي تقصدينه؟”
هذا ردّ لم أتخيّلـه أبدًا.
بينما كنتُ أحدّق فيه بغضب لعدم عثوري على كلمات، ابتسم ابتسامة خفيفة.
ابتسامة خفيفة حقًا.
هل يضحك الآن؟
“تعويذاتـكِ لا تزال صاخبة كما كانت. انتشرت النيران في كلّ اتّجاه، فلم أتمكّن من رؤية تردّدكِ بوضوح.”
لا، أنا أعلم.
هـذا كـذب.
العيون الزرقاء التي تحدّق مباشرةً كانت تكذب دونَ أدنى اهتزاز.
“أنا مَـنْ يجـب أن يسأل هنا، يا دوقة.”
تقلصّت المسافة بيننا خطوةً أخرى.
عندما أمال كايسيس رأسه قليلًا، ضاقت المسافة لدرجة أنني و كأن أنفاسه ستصل إليّ.
خفق قلبي بعنـف و كأنّه يحمل قنبلة.
في اللحظة التي قبضتُ فيها على قبضتي المرتعشة بقوّة.
“بـدت إصابتكِ خطيرة جدًّا. لكن مع ذلك، تركتِ الإمبراطور و عـدتِ لوحدكِ؟ هذا وقـح.”
“……”
هل يمكن أن يحدث هذا؟
هل هذا الرجل الحذر يقوم بتجاهل تصرّفات الدّوقة آرييل الباردة بهذه الطريقة؟
“بدلًا من ذلك، عليكِ التركيز على شيءٍ آخر الآن.”
غيّـر كايسيس الموضوع كأنّه يمنعني من التفكير في أيّ شيء آخر.
“سنكون مشغولين جدًّا عند عودتنا. أنتِ تتذكّرين، أليس كذلك؟ الأشخاص الذين هاجمونا لم يكونوا قتلة عاديين.”
جرعة الاهتياج.
المستيقظون الذين شربوها.
عندما أومأتُ ببطء، رفعَ كايسيس زاوية فمـه اليمنى ببرود كأنّه راضٍ.
كان ذلكَ المنظر مزعجًا لكنّه وسيم جدًّا، فاستعدتُ وعيي فجأة كمَـنْ سُكـب عليه ماء بارد، و تراجعتُ خطوة إلى الخلف فورًا.
ما هـذا، لمـاذا اقترب هكذا؟
“مصدر الجرعات المتداولة في السوق. سنحقق في هذا الأمر بحيث لا يفلت فأر واحد. بالطبع، تعاون السحرة ضروري جدًّا.”
“……”
تنفّستُ الصعداء داخليًّا.
ربّما لم يـرَ تقيّـؤي للدم بسببِ استخدامي للتعويذة مرّات قليلة.
أو ربّما لا ينوي إثارة الشكوك بعد.
‘إذا قام بتمرير الأمر بسلاسة، فهذا مطمئن مؤقّتًا. لن أثير هذا الأمر أكثر هنا.’
أومأتُ برأسي و وافقتُ على كلام الإمبراطور.
“هل هذا كلّ شيء؟ لقد علموا بتحرّكاتنا بدقّة و هاجمونا. هذا يعني أنّ هناك مـنْ يمكنه معرفة تحرّكات جلالتكَ فورًا و يتصرّف، أي أن هناك أشخاص مرتبطون مباشرةً بالقصر الإمبراطوري.”
“نعم، لذا أيتها الدوقة، لا تذهبي إلى أيّ مكان و كوني مهووسة بالعمل فقط. لا تفكّري في الهروب أو أيّ شيء.”
“……هل تلعنني الآن؟”
“احفظي ذلكَ في ذهنـكِ.”
“ها!”
عندما كنتُ على وشكِ الضحك بسخرية من الغرابة، أصبحت نظرات كايسيس باردة فجأة.
لحسن الحظّ أو لسوئـه، لم يكن هدف تلك النظرات أنـا بل مَـنْ خلفي.
عندما التفـتُ، رأيت وجـهًا مألوفا ينتظرني.
“هيلاريا.”
كالزن، نائبي و صديق طفولتي كما يُقـال.
“جلالتكَ، لحظة.”
نظرَ كايسيس إليه مباشرةً بتعبير غير راضٍ على الإطلاق، ثمّ تنحّى أخيرًا.
عندما ابتعـد شعره الفضي اللامع بمسافة كافية، نظرتُ إلى كالزن جيّدًا.
كان تعبيره مكتئبًا جدًّا.
“هيلاريا، يبدو أنّـكِ تغيّرتِ كثيرًا.”
“نعم. لا يوجد شخص لا يتغيّـر.”
نظرتُ إلى عينيه المليئتين بالعاطفة، و عضضتُ داخل فمي.
هكـذا إذن.
كنـتُ غير مرتاحة لهذا الشخص لأنه يجعلني أشعر بتأنيب الضمير دائمًا.
بل أنني أجـد الحديث مع كايسيس الذي كان يشـكّ فيّ أسهـل.
عندما كنتُ أحدّق فيه ، ابتسم ابتسامة مريرة.
“لا أزال أحبّـكِ.”
“الجـواب هو نفسـه.”
“نعم، أعـرف. لكنّـكِ في الماضي لم تكوني تنظرين إلى شخصٍ آخر، أمّا الآن فأنـتِ……”
ما هذا الكلام مرّةً أخرى.
من كلماته فقط، سيبدو كأنّني أحـبّ شخصًا آخر سرًّا؟
عندما كنـتُ على وشكِ التذمر من غرابة كلامه و إصدار صوت، سبقني هو.
“أنـتِ دائمًا تنظرين إلى جلالته.”
لا هـذا!
‘ليس اهتمامًا عاطفيًّا.’
كيف يقول كلامًا خطيرًا كهذا!
دارتُ عينيّ بسرعة، و تأكّدتُ من أنّ كايسيس بعيد جدًّا، فشعرت بالطمأنينة.
“هـراء.”
“حـقًا؟”
“هل يجب أن يتمّ استجوابي عن هذا الأمر؟ ما هي علاقتنا أنا و أنـتَ أصلاً.”
عبستُ بشدّة، لكنّ ردّ فعله لم يكـن مرضيًا.
“نعم، كان الأمر كذلك.”
أرجوك أزل هذا التعبير الحزين.
ارتديتُ قناع الدّوقة القاسية و لم أردّ على كلامه في النهاية.
“اعتنِ بالدوقية جيّدًا.”
تركتُ كالزن الذي أومأ برأسه، و توجّهتُ نحو العربة.
على أيّ حال، انتهى الأمر بسلام.
لحسن الحظ ، تخلّصتُ من تهديد القتلة، و تجاوزتُ شكوك الإمبراطور بطريقةٍ ما.
التعليقات لهذا الفصل " 75"
كاسيس الحالي يخوف اكثر من عصبيته المعتادة…..