ابتلع لوياس لعابـه بصعوبة.
لم يكن خرقه لوعده مع أخيه الإمبراطور باستخدام القلادة هو الشيء الوحيد الذي جعل قلبه يرتجف، بل كان الجو داخل القصر غريبًا أيضًا.
‘إلى أين ذهب؟’
لا يمكن أن يكون هادئًا هكذا.
تسلّل لوياس بحذر إلى مساحة صغيرة بجانب عمود في المكتب ، مغطيًا فمـه بكلتا يديه.
فجأة، سمعَ صوت الباب يُفتح مصدرا صوت صرير.
‘مَـنْ الذي دخل؟’
هل هو أخي جلالته؟
إذا لم يكن كذلك، فستندلع معركة أخرى بين السحرة و المستيقظين بسببًه.
بينما كان خائفًا جدًا ، غطّى فمـه بيديه الصغيرتين حتى احمرّت وجنتاه من حبس أنفاسه.
“اخرج.”
كان صوت أخيه الإمبراطور!
تنفّس لوياس بارتياح و أخرج رأسـه.
كان هناك أخوه الوسيم، يبدو أكثر إرهاقًا من المعتاد.
“لوياس، لماذا أنـتَ هنـا؟”
كانت كلمات تأنيب، لكن في تلكَ اللحظة، كان شعور الارتياح أقوى، فجرى الفتى و ركض ليلتصق بساق أخيه.
تدحرجت دمعة من عينيه.
عندما سمـعَ بكـاء معلّمته، كانت الصدمة التي شعرَ بها الفتى كبيرة.
و عندما رأى أخاه، العائلة الوحيدة المتبقية له، انفرجت مشاعره.
بينما كان يبكي و هو يلوّث سرواله الفاخر بالدموع و المخاط، سمـعَ تنهيدة من أعلى رأسه.
ثم شعرَ بجسده يرتفع.
كان أخوه قد أدخل يديه تحت إبطيه و رفعه عاليًا.
“لوياس.”
* * *
كان رأس كايسيس يؤلمه.
لم يكن ليفوته شعور أخيه الصغير، فعندما فتح باب المكتب، عرفَ على الفور أن لوياس موجود.
أشار إلى الفرسان الذين كانوا ينتظرون لتقديم التقارير ليبتعدوا.
ثم أغلق الباب و اقترب ، ليجـد هذا المشاغب يركض نحوه بدموع و مخاط.
‘ماذا أفعل بهذا الصغير؟’
بعد أن اضطر لتحمّل مظهر طفولته في بوّابة الهجوم العقلي ، تنهّـد و هو ينظر إلى أخيه الصغير الذي بدا أكثر إثارة للشفقة.
هل استخدم وسيلة الطوارئ التي أوصيته باستخدامها فقط في الحالات العاجلة لأنّه شعرَ بالحزن بعد طرده بقسوة؟
لم يستطع طرده بقسوة الآن، فرفعـه و أجلسـه على ركبتيه، ليتشبّث بـه الفتى و يبكي بحرارة.
دفء جسده . نبضات قلبه الصغيرة.
“لوياس.”
باستثناء صوت النحيب، لم يستطع شقيقه الصغير التحدّث.
كائـن صغيـر و ثميـن.
كان رجلاً قاسيًا، لكن دموع أخيه الهادئة كانت مؤلمة.
“لن أوبّخـكَ. لكن إذا استخدمتها في غير حالات الطوارئ، قد لا تتمكّن من استخدامها لاحقًا.”
هـزّ لوياس رأسه عدّة مرات، كأنّه يقول أنّـه لن يكرّرها. قـرّر كايسيس التوقّف عند هذا الحدّ.
بدلاً من ذلك، أخرجَ أخاه من حضنه و مسحَ خدّيـه المحمّرين بيـده.
كانا مبللين. لم يكن هذا الطفل يبكي بهذه السهولة.
هل جاء إلى هنا لأنّ لديه شيئًا يقوله؟
مسح لوياس دموعه بسرعة وهو يضرب خدّيه.
ثم أخرج أداة كتابة من جيبه و بـدأ يكتب.
─ معلّمتي مريضة.
“الدوقة؟”
عبسَ كايسيس بشدّة.
عند التفكير في السحرة الذين كانوا يصرخون كالوحوش الشرسة اليوم، بدا الأمر أنّه ليس مرضًا مزيّفًا.
لكن من ناحيةٍ أخرى، لم يبـدُ أنّ تلكَ الدّوقة الباردة ستنهار حقًا.
في ظلّ الظروف المشبوهة الحالية، ربّما كان يأمل سرًا أن يكون الإحتمال الثاني.
‘لكنّها مريضة حقًا.’
عندما رأى صمته، أمسكَ لوياس بثوبه الصغير و هـزّه بعجلة، كأنّه يطالبه بقراءة كتابته.
─ لقد نزفت دمًا كثيرًا. أخي الإمبراطور جعلها تتألم.
“لم أقصد ذلك.”
كانت هذه الكلمات مزعجة أيضًا.
تذكّر الدّوقة التي وقفت ساكنة و هي تتلقّى هجومه.
على الرّغمِ من أنّها تحدّثت بكلمات باردة و مزعجة، متجاهلة حياة لوياس، لماذا لم تتفادَ الهجوم؟
و الأكثر إزعاجًا.
‘إصابتها بسبب قوتي…’
كان يشعر بقلبه الذي ينبض بشكلٍ مقلق عند التفكير في إصابة تلكَ المرأة.
و ما الذي يهـمّ إن أصيبت؟
في تلكَ الأجواء العدائيّة، ماذا كان يجب أن يفعل أكثر؟
─ كانت حزينة.
حـدّق كايسيس في جملة بدا أنّ لوياس كتبها ثم محاها، ثمّ عبـث بشعر أخيه الصغير.
“الكذب ليس جيّدًا.”
─ ذلك حقيقي! لا تغضب. لا تتشاجرا.
شعرَ كايسيس أنّ أخاه الصغير، الذي بدا و كأنّه يحاول إرضاء الطرفين، أكثر إثارة للشفقة.
“أنا و معلّمتـكَ لسنا على وفاق من الأساس، فلا تهتمّ بكلّ شيء. و تغطية أخطاء معلّمتـكَ دائمًا ليس أمرًا جيّدًا . تلكَ المرأة لم تحاول إنقاذك.”
لأنّ لحظة غفلة كهذه كادت أن تودي بحياة طفل لا يستطيع حماية نفسه.
عندما تذكّر تلكَ اللّحظة ، شعر بالغضب مرّةً أخرى، لكن يدًا صغيرة كتبت جملة بسرعة كبيرة.
─ معلّمتي حاولت إنقاذي.
ما هذا الآن؟
─ مـدّت يدهـا إليّ. لكنّني لم أستطع الكلام!
قال إنّها حاولت إنقاذه.
لكن ذلكَ لا معنى له.
أليست الدّوقة ساحرة عظيمة تستطيع إلقاء التعاويذ في لحظة إذا أرادت؟
على الرّغمِ من أنّها ساحرة نار، و تفتقر إلى دقّـة التعاويذ غير الهجوميّة، الا أنّها لو أرادت لأنقذته بسهولة.
سواء بتعويذة هجوميّة أو باستخدام تعويذة انتقال تختفي في لحظة.
─ معلّمتي لطيفـة . حنونـة . السحرة الآخرون يعاملونني جيّدًا أيضًا.
عبسَ لكنه لم يوقف كتابة الطفل.
بدلاً من ذلك، راقب بعناية يوميات أخيه التي كان يريد مشاركتها معه.
─ هناك الكثير من الطعام اللذيذ. لم أستطع أكل المحار جيّدًا، فقامت معلّمتي بتقشيره و إطعامي.
تلكَ المرأة.
في عيون لوياس المتلألئة، كان هناك عاطفة عميقة تجاه معلّمتـه لم يرها من قبل.
شيء يجعل الإنسان ضعيفًا.
العاطفـة ، الـدفء المتراكم ، القلـب.
هذه الأشياء.
‘هل هي تتلاعب بطفل صغير؟’
أم أنّ شكوكه صحيحة، وهناك شيء غريب في الدّوقة آرييل ؟
و هل هي حقًا تعطي قلبها لتلميذها؟
لكن لوياس كان بوضوح في حالة جيّدة.
كان قد سمع بالفعل من التقارير أنّ معاملته تحسّنت، و كانت ملابسه نظيفة و تعابيره طبيعيّة.
‘لا يبدو خائفًا، بل مهتمًـا.’
إذن، هل كان هذا سوء فهم حقًا؟
هل حاولت إنقاذه فعلًا؟
لكن لماذا تحدّثت بتلكَ الطريقة ولم تحاول تبرير نفسها؟
─ أخـي.
لم يستطع توبيخ الطفل الذي كتب هذا اللقب كما في السابق، و لم يستطع إخباره أن يحذر و ألّا يقـع في هذه الأوهام.
تذكّـر مرّةً أخرى شظايا وعيـه الممزّق.
شخص أنقـذه.
شعر أحمر متموج.
و─ ذلكَ الوجـه.
وجـه شخص لا يمكن أن يكون هناك.
و الشخص الذي يمكنه تأكيد شكوكه ، موجود أمامه.
الأطفال الصغار لا يكذبون، و خاصة أخوه الصغير لن يخدعه، هكذا آمن.
“لوياس.”
نحو الطفل الذي ينظر إليه بتوقّع متلألئ، سأل:
“الليلة الماضية، هل كانت معلّمتـكَ في القصر؟”
* * *
ارتجف قلب لوياس.
ماذا يعرف أخوه جلالة الإمبراطور و لماذا يسأل؟ لماذا هذا الأمر مهمّ؟
تذكّر كيف كانت القطّة لوسي تحثّـه مرارًا على العودة.
و صوت البكاء الذي سمعه عندما عاد بعد تردّد.
‘هـذا.’
لا يجب أن أقول.
كان لوياس سريع البديهة.
لم يعرف لماذا هذا مهمّ، لكنّه شعرَ أنّ قوله للحقيقة الآن سيؤدّي إلى شيء لا يمكن التراجع عنه.
منذُ زمن بعيد.
‘ابني الجميل. يجب أن تكون أنـتَ الوحيد الذي يعلم.’
مثلما كانت والدته الجميلة تهمس للأمير الصغير جدًا، ممسكة بيـده وهي تحكي قصصًا مخيفة.
أنا آسف، أخي جلالة الإمبراطور.
لم يستطع الكذب تمامًا.
كان قلبه ينبض بقوّة.
─ لا أعرف. كنتُ نائمًـا.
كانت عيون أخيه الإمبراطور التي تنظر إليه بهدوء مخيفة اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
كم من الوقت مـرّ؟
“حسنًا.”
رُفع جسده فجأةً ثمّ وُضع على الأرض.
نظر لوياس إليه بنظرة متوسّلة وهو ينزل من ركبتي أخيه جلالته دونَ قصد.
هل سيتّفق الاثنان الآن؟ هل فعلتُ الصواب؟
“فهمتُ ما تقصًد.”
شعور يـده و هي تمرّر على شعره بلطف كان جيّدًا. مثل يـد معلّمته تمامًا.
“سأرسلك سرًا إلى قصر الدّوقة عبر الفرسان. و لا تستخدمها مرّة أخرى ما لم تكن حالة طارئة.”
أومأ لوياس برأسه بحزن.
حتّى لو وبّخـه ، كم كان سيكون رائعًا لو استطاع القول إنّه سعيد برؤية أخيه جلالة الإمبراطور.
اليوم أيضًا، كانت رغبته في التحدّث تملأ صدره الصغير.
التعليقات لهذا الفصل " 47"