في هذا التوقيت بالذات، يا لها من مصادفة.

 

“هذه التجربة سخيفة تمامًا!”

 

“لماذا تقول إنّها سخيفة؟ كل ما نحتاجه هو إخراج وحش واحد حيّ!”

 

“أيّها المجنون! ادخل أنتَ إلى البوّابة و قاتل حتّى ينفجر رأسكَ . هل تعتقد أنّ ذلك ممكن؟”

 

“ماذا؟ هل قلتَ للتّو ‘مجنون’؟ يبدو أنّني سأفقد أعصابي اليوم! اخرج، اخرج الآن!”

 

“آه، أيّها السّحرة المجانين!”

 

عبـسَ كايسيس و هو ينظر إلى هؤلاء الذين يثرثرون بصخب.

 

‘بالتأكيد هناك أشخاص مشبوهون هنا.’

 

بما أنّه أصدرَ أمرًا بمراقبة الأشخاص المشبوهين و فرزهم ، لاحـظ أنّ الفرسان الذين تلقّوا نظرته كانوا يراقبون الأجواء بعناية.

 

في العادة، كان سيتشاور فورًا مع الدّوقة آرييل في هذا الأمر.

 

الأشخاص المرتبطون بالبوّابة.

 

أو… ربّما قوى معيّنة مرتبطة بالإمبراطورة السابقة منذُ ستّ سنوات.

 

أولئك الذين يبدو أنّهم يحاولون نشر أفكار خطيرة و يقومون بزعزعة عقول المستيقظين بأدوية شريرة.

 

كان ذهنـه معقّـدًا.

 

ذكريات الماضي ، والدتـه ، و مرشدتـه.

 

‘جسدي لا يزال سليمًا.’

 

سليم تمامًا.

 

حالة غير طبيعيّة على الإطلاق.

 

جسده يبدو و كأنّ مرشدةً مخصّصة له صبّت قوتها لمساعدته.

 

كان لدى كايسيس يقين أنّه يستطيع البقاء سليمًا لأيام دون استخدام قوته.

 

و كان ذلكَ واضحًا للآخرين أيضًا.

 

تذكّر كايسيس الأحداث التي تلـت إنقاذه.

 

‘لا يمكنكَ إخفـاء ذلكَ بعد الآن. جسد جلالتكَ…. بالتأكيد لم تصـل قوتنا إليه ، لكن جلالتكَ استقرّ!’

 

‘هل وجدتَ شريكة؟ لكن جلالتكَ دخلتَ البوّابة بمفردكَ. كيف… كيف يمكن أن يحدث هذا؟’

 

‘لقد خدمّنا جلالتكَ لوقتٍ طويل. قل شيئًا، من فضلك، لا تتجاهل الأمر بهذه الطّريقة!’

 

ثلاث نساء، كنّ على وشكِ الإغماء من الخوف كلّما اقتربن منه، لكنّهنّ كنّ يفتخرن بكونهنّ مرشدات الإمبراطور الحالي الذي لم يجـد شريكة.

 

‘يكفي كلامًا .’

 

‘لكن جلالتكَ…!’

 

‘لم أجـد شيئًا. ألا تفهمن؟ أنتن الآن تهدّدن حياة الإمبراطور.’

 

‘نحن…’

 

عند التفكير في كيفيّة استغلال عائلاتهنّ لمكانتهنّ لتحقيق مكاسب، كان هذا الأمر عاجلاً لهن إلى حدّ ما.

 

و حتّى بالنّسبة لكايسيس ، كان الأمر كذلك.

 

الشّـك ، الغيـرة ، الحـذر.

 

الفضـول ، الاهتمـام ، الفـرح.

 

تحت وطأة هذه النظرات المختلطة، قال إنّه دخلَ بوّابة هجوم عقلي، و لا يعرف كيف خرج أو كيف عاد جسده إلى حالته الطبيعيّة.

 

بالطبع، لم يصدّقـه أحد.

 

ذرفت المرشدات الدموع.

 

‘كـذب.’

 

لم يجرؤ أحد على قول ذلك للإمبراطور، لكنّ تعابير الجميع كشفت كلّ شيء.

 

لكنّها كانت الحقيقة.

 

‘الدّليل الوحيد الذي أتذكّره هو وجه الدّوقة آرييل؟ هههه، هذا يجعلني أفقد صوابي.’

 

في قاعة الاجتماع التي أصبحت فوضويّة، أمسك الإمبراطور يـده التي شعر بها بالخدر بقوّة.

 

لقد لمسها بالتأكيد.

 

شعر ناعم كثيف ، شعوره القوي بإمساكه كان واضحًا.

 

لون أحمر متموّج بنعومة.

 

‘الشّخص الوحيد الذي أعلم أنّـه يملك هذا اللون هو شخص واحد فقط.’

 

لذا كان الأمر مذهلاً أكثر ، و لم يستطع منـع وجهـه من التجهّم لعدم تصديقه.

 

‘لا شيء منطقيّ من البداية إلى النهاية.’

 

انفجار البوّابة حدثَ في القصر.

 

هو الشّخص الوحيد الذي تورّط فيها.

 

عندما تنغلق البوّابة ، لا يمكن لأحـد فتحها من الخارج.

 

إلّا إذا مـات مَـنْ بداخلها، أو انفجرت البوّابة بالكامل و تدفّقت الوحوش.

 

‘قوّة اكبر من قوّة من البوّابة، هذا مؤكّـد.’

 

لم يكـن سحرًا.

 

و لا شيئًا يخصّ المرشدين أو المستيقظين.

 

‘مثل تصرّفات شريكتي التي تخدع إدراكي في الليل.’

 

لكن ما علاقة ذلكَ بالدّوقة؟

 

تلكَ المرأة…

 

‘ماذا تخفي عنّي؟’

 

طعن الشك و الخيانة و انعدام الثقة قلبه كالسهام.

 

اندلع غضب مجهول السّبب مرّةً أخرى.

 

دون أن يدرك ، كسرَ قلم الحبر السحري الذي كان يمسكه.

 

تدفّق سائل لزج من القلم الصلب المكسور، كالدم.

 

و كأنّـه دم.

 

“…..”

 

“همم، لنوقف الجدال.”

 

لم ينتبه إلى أنّ السّحرة و المستيقظين كانوا ينظرون بحذر إلى القلم المحطّم في يـده.

 

كان يفكّر فقط في الشّعر الأحمر.

 

وجـه شخصٍ مألوف و غريب في آن واحد.

 

لم يستطع قبول وجود شخصٍ لا يمكن أن يكون، و لا يمكن أن يكون له علاقة بتلك المرأة بالذات.

 

* * *

 

‘لا يمكنني البقاء هكذا دونَ فعل شيء.’

 

مسح الفتى الصغير عينيه المملوءتين بالدموع.

 

لو كانت معلّمته الحنونة و القوية موجودة، لتنهّدت و قالت له بهدوء أن ينزل يـده.

 

لكن لوياس كان وحيدًا الآن.

 

لم يكن هناك سحرة يسعلون و يهتمّون به مؤخرًا، و لا خادمات أو خدم يتحدّثون بلطف، يطعمونه، و يلبسونه.

 

و سرّ الفتى.

 

القطّة الناطقة الغامضة، لوسي، لم تكن موجودة هنا أيضًا.

 

‘أخي جلالة الإمبراطور.’

 

لم يغـب وجـه معلّمته الشاحب عن ذهنه.

 

عاد لوياس إلى غرفة نومه ، يهـزّ مؤخرته وهو غارق في التفكير.

 

‘لا يجب استخدامها بتهوّر. السحرة يبحثون عن نقاط ضعفـكَ و ضعفي. عدم دخولكَ القصر دونَ إذني أو إذن الدوقة هو جزء من الاتفاق. لذا لا يجب أن تعطيهم سببًا للهجوم علينا.’

 

لم ينسَ تلكَ التوصية.

 

‘لحظة تعرّض حياتكَ للخطر. في تلكَ اللّحظة فقط يجب استخدامها ، عِدني بذلك. أنـتَ طفل صغير، لكن لا يمكنكَ العيش كطفل إلى الأبد. لا تسامحني، أنا شقيقك القاسي.’

 

لم ينسَ أبدًا وعـده لأخيـه .

 

لكن…

 

‘لقد سمعتُ.’

 

الليلة الماضية ، لم يستطع لوياس مقاومة القلق و الخوف ، فخالفَ وعده مع لوسي.

 

لم يعـد إلى غرفة نومه ، لم يغـطِّ نفسه و ينام ، بل أبقى عينيه مفتوحتين.

 

في الليل الذي لا يستطيع أحد إزعاجه ، بدأ بالعودة من حيث أتى.

 

كان قلقًا لعدم وجود معلّمته، و أراد أن يكون بجانبِ القطّة.

 

ظلّ يفكّر في مظهرها المتألّم ، و شعرَ أنّه يجب عليه فعل ذلك حتّى لو وبّخته لوسي.

 

عندما وصل إلى باب غرفة نوم معلّمته و حاول فتحه قليلًا ، سمع__

 

‘آه.’

 

صوت بكاء شخصٍ ما.

 

‘آآآآه.’

 

على الرّغمِ من أنّ العزل الصوتي كان ممتازًا كما يليق بمكان إقامة السحرة، إلّا أنّه كان بكاءً واضحًا.

 

و كان ذلك الصوت بالتأكيد صوت معلّمته، ثاني شخصٍ يحبّـه لوياس في هذا العالم!

 

صُدم الأمير الصغير.

 

‘بسببي.’

 

بسببِ ما حدثَ في النهار.

 

‘كان يجب أن أقول أنّ الأمر ليس كذلك.’

 

لأنّني لم أستطع الكلام.

 

لقد مـدّت معلّمتي يدهـا إليّ.

 

لكنّني أخرس لا أستطيع الكلام ، لذا تشاجرت مع أخي الإمبراطور.

 

‘بسببي!’

 

في الواقع، أصبحت حياة لوياس أسهل مؤخرًا.

 

بعد منعـه من دخول القصر، بدأ السحرة يهتمّون بالأمير الصغير.

 

كانوا يسعلون و يحاولون تعليمه أكثر.

 

و كانت الخادمات و الخدم يقدّمون له طعامًا لذيذًا، و رعاية ناعمة، و ابتسامات ودودة.

 

على الرّغمِ من أنّه في العاشرة من عمره، كان لوياس من العائلة الملكيّة و ذكيًا.

 

لم يكن صغيرًا جدًا ليعرف أنّ هذه التغييرات كانت بفضل معلّمتـه.

 

لكن…

 

‘أنا طفل سيّء.’

 

عندما تذكّر وجه معلّمته الشاحب و هي نائمة، شعرَ أنّ هذه الأفكار نفسها سيئة.

 

‘أخي الإمبراطور، معلّمتي ليست سيئة. لا تتشاجرا.’

 

أخرج لوياس شيئًا كان قد أخفاه بعمق في خزانة ملابسه.

 

تنفّس بعمق و شعره المشعّث.

 

بصفته من العائلة الملكيّة، كان لوياس يعرف جدول الإمبراطور جيدًا.

 

في هذا الوقت، كان أخوه جلالة الإمبراطور قد عاد إلى مكتبه.

 

إذن…

 

‘سأشرح له!’

 

نقرة.

 

فُتـح صندوق الجواهر ، و ظهرت قلادة جلديّة قديمة و متهالكة ، و في نهايتها جوهرة صغيرة بحجم حصاة.

 

لكن داخل تلكَ الجوهرة التي تبدو رخيصة، كانت هناك دائرة سحريّة تدور بوضوح.

 

‘إلى أخي جلالته.’

 

عندما أمسكَ بالجوهرة ، لمـعَ ضوء ساطع.

 

بعد لحظات، سقط صندوق الجواهر الفارغ في غرفة الأمير الصغير.

 

و لم يـعد هناك أحـد في الغرفة.