عندما وصلَ لوياس إلى غرفة معلّمته، نظر بقلق إلى القطّة التي يحملها بين ذراعيه.
ماذا يجب عليه أن يفعل الآن؟
طرقَ لوياس الباب بحذر و أمال رأسه متسائلًا.
كان الهدوء يعـمّ الداخل كأنّه لا يوجد أحد.
“مياو.”
في تلكَ اللحظة، كأنّها أدركت وصوله، لمعت عينا القطّة.
“لقد وصلتَ… مياو.”
أومأ برأسه و هو يداعب ظهرها الممتلئ، فأشارت القطّة برأسها كأنّها تأمره بفتح الباب.
لكن الداخل هادئ جدًّا.
“افتحه… مياو.”
صرّ الباب و هو يُفتح، وكما توقّع، كانت الغرفة خالية.
أمال لوياس رأسه متسائلًا.
ألم يكـن من المفترض أن تكون معلّمتـه قد انتهت من مهامها اليوميّة؟ إلى أين ذهبت؟
عندما دخلَ الغرفة، استدارت القطّة في حضنه و هبطت على الأرض، ثمّ تقدّمت بخطوات متعثرة إلى سرير المعلّمة ، و تكوّرت على نفسها.
حين حاول متابعتها، فتحت القطّة عينًا واحدة و هزّت رأسها نافية.
“لا تقلق… مياو. تحمّل قليلًا و سيكون كلّ شيء على ما يرام… مياو. أيّها الصغير، يجب أن تحتفظ بما حدثَ اليوم سرًّا تامًّا… مياو. هل تستطيع ذلك؟”
أجل، أجل.
أومأ لوياس برأسه بحماس.
لم يكن مهمًّا كيف تستطيع قطّة معلّمته التحدّث بلغة البشر، فهذه الأمور لم تكن ذات أهميّة.
كانت لوسي الصديقة العزيزة للأمير الصغير.
أومأ بحرارة حتّى احمرّت وجنتاه، فضحكت القطّة.
كانت ابتسامتها لطيفة، جعلت قلبه يشعر بالدفء.
“إذن، عـد إلى مكانكَ… مياو.”
أغلق لوياس الباب ببطء وفقًا لكلام القطّة، ثمّ سار في الممرّ.
كان الممرّ الخالي، الذي يبدو و كأنّ لا أحد فيه، يثير الخوف اليوم بشكلٍ خاصّ.
أين ذهبت معلّمته؟
لماذا تبدو القطّة مريضة؟
هل يكفي أن يعود بهذه الطريقة؟
من خلال النافذة في الممرّ، رأى السماء مغطّاة بسحب داكنة، كأنّ المطر على وشكِ الهطول.
“آه…”
أريد أن أتكلّم.
‘أريد أن أتحدّث أيضًا.’
كما في السابق.
‘أخي جلالة الإمبراطور.’
أمسكَ لوياس بيديه الصغيرتين بقوّة، متذكّرًا تلكَ اللّيلة المرعبة قبل ستّ سنوات.
بـدت السماء مشابهة لتلكَ الليلة التي لم يكن يعرف فيها شيئًا سوى إمساك يـد أخيه جلالته، و شعرَ بقلق غامض.
لذلك أراد رؤيته أكثر.
شقيقه الإمبراطور، الذي كان شاحبًا وهو يحميه.
كما أراد رؤية أيضًا…
‘معلّمتي.’
معلّمتـه التي ، رغمَ برودتها ، كانت لطيفةً أحيانًا.
لكن اليوم، لم يكن أيّ منهما إلى جانبِ لوياس.
‘أشعر بالوحدة.’
تنهّد.
سار الأمير الصغير مسرعًا، و ابتلع شيئًا قد يكون مخاطًا أو دموعًا.
* * *
كان الألم يعتصره.
كان مؤلمًا.
كان كايسيس يتلوّى.
‘لماذا أنا هكذا؟’
كان هناك شيء مهمّ بالتأكيد.
بدا و كأنّه يعرف ما ستفعله والدته وهي تضحك بصوتٍ عالٍ أمام عينيه.
أخيرًا، ابتلعها الثقب الأسود.
‘آه.’
شعرَ و كأنّ قلبه تحطّم إلى أشلاء.
كان يعلم.
يعلم أنّ قوّته استثنائيّة، لدرجة أنّ والدته كانت تسمّيه وحشًا.
و يعلم أنّه إذا فقدت هذه القوّة وجهتها و انفجرت إلى الخارج، ستحدث كارثة.
‘أخي ، لوياس ، كان هناك.’
أرجوك ، أرجوك ، ليـأتِ أحـد.
مـدّ يـده.
شعر أنّه إذا مـدّ يـده هكذا، سيأتي أحدهم لإنقـاذه.
فكرة سخيفة.
لم يكـن حوله أحـد سوى والدته التي تكره ابنها، و والده الذي مـلّ من هذه الصراعات، و بعض الفرسان الصلبين.
أحيانًا، كان يحسد لوياس الذي يبكي و يتذمّر، فالجميع كان يفرض عليه المسؤوليّة و الواجب.
‘لكن لماذا أفكّر بهذه الطّريقة؟’
كأنّ هناك شخصًا ما.
تصدّع─
سمع صوت شيء يتشقّق.
ربّما كان قلبـه يتحطّم.
شعر بالخوف يجتاحه، لكنّه في الوقت ذاته شعر براحةٍ غريبة.
لقد عاش دائمًا مكبّلًا كوحشٍ أو حيوان مقيّـد بالسلاسل.
‘ هل سأموت هكذا؟ بهذا الشّكل العبثيّ؟ ‘
في تلكَ اللّحظة بالذات.
من مكانٍ ما،
“كايسيس”.
شعر كأنّ أحدهم ينادي اسمـه بلهفة.
لا يمكن أن يكون ذلكَ صحيحًا.
مَـنْ يجرؤ على مناداة اسم الأمير بهذه الطّريقة؟
حتّى والـداه لم ينادياه بلطف ، لذلك كان يشعر و كأنّ اسمه مغطّى بالغبار.
إذن لمـاذا؟
‘آه، الدفء…’
لماذا يشعر و كأنّ أحدهم يحتضنـه؟
كأنّه في حضن رغمَ أنّـه ليس واسعًا، لكنّه دافئ و لطيف.
حتّى لو كان هذا الإحساس مزيّفًا ، فلا بأس.
حتّى لو كان وهم ما قبل الموت ، فلا بأس.
‘لا أريد أن أتركـك.’
أمسك بذراعي الشخص بكلتا يديـه بجشع.
‘ابـقَ إلى جانبي.’
أراد أن يحتفظ بـهذا الشّخص إلى الأبد.
‘نعم، لقد كنت دائمًـا…’
في الوقت ذاتـه ، تذكّـر ظهر شخص يأتي و يغادر في كلّ مرّة ، و الغضب الذي كان يغلي بداخله عند رؤيته.
‘دائمًا أنـت.’
ما هذا؟ أيّ ذكرى هذه؟
لم يكـن كايسيس يعرف.
لم يكن يعرف أنّ جسده في اللاوعي بدأ يتغيّـر.
لم يعـد جسد الفتى المراهق الهزيل، بل أصبح يتحوّل تدريجيًّا إلى جسده الحاليّ.
لذلك، الشخص الذي كان يحتضنه بإحكام أصبح هو مَـنْ يُحتضن في حضن أكبر بكثير.
“أنـت.”
رنّ صوت غريب و عميق منه.
في رؤية ضبابيّة، التقى بنظرات شخصٍ ما.
لمعان ذهبيّ متألّق.
ضوء جميل كأنّه صيغ من أجمل و أثمن الأشياء في العالم.
و أحيانًـا ، لون أحمر واضح كستارة الغروب.
وجـه أبيض…
‘هذا الوجـه.’
كان يعرفه.
يعرفـه جيدًا.
مَـنْ يكون؟ مَـنْ هو صاحب هذا الوجه؟
لا يعرف.
لا يزال المستيقظ المدفون في ذكريات الماضي، يمدّ يـده كمَن يحفر بئرًا ليعيش
شعر ذلكَ الشخص الكثيف و الناعم ملأ يديـه.
كان يعرف هذا الإحساس.
نـار ، كالنـار.
شرارة وجدها وسط برودة تجمّـد جسده.
‘مٌلكـي.’
كان يتـوق إليها.
امنحيني المزيد.
لا تذهبـي.
لن أتركـكِ أبـدًا.
في اللّحظة التي أمسك فيها بالدفء بكلتا يديه.
‘أنـا.’
تصدّع، تصدّع، تصدّع─
‘لم أكـن أميرًا صغيرًا.’
بدأ العالم يتحطّم إلى أجزاء.
‘رفيقتي.’
* * *
“ها!”
الإحساس بطردي من لاوعي شخصٍ آخر لم يكن ممتعًا بأيّ شكل.
كأنّني شربتُ كثيرًا ثمّ ركبتُ مزلقة مائيّة بجنون في اليوم التالي.
“أوغ!”
على أيّ حال، نجحتُ في الخروج بسلام.
كنتُ لا أزال أحتضن الرجل المتراخي الذي لم يستعـد وعيـه بعد.
كانت شظايا الجليد المحطّمة تتلاشى كأنّ قوّتها قد نفدت.
و أمامي، كانت تلكَ الزهرة العملاقة المرعبة تتلوّى في ألم ، و هي تخفض مخالبها.
“كييييييك!”
سددتُ أذنيّ و صرختُ:
” لماذا تبتلعين إنسانًا لا تستطيعين هضمه؟”
نظرتُ إلى نواة الوحش التي بدأت تتشقّق و تتحوّل إلى غبار، و تنفّستُ الصعداء.
لو طُلب منّي التعامل مع هذا أيضًا في وضع لا أستطيع فيه استخدام السحر بسببِ غياب نافذة النظام، لكان قد أغمي عليّ من الإحباط.
“الآن، عليّ فقط انتظار موتها ، و عندما تتحطّم النواة ، سأخرج من المخرج…”
المشكلة أنّني لا أستطيع الخروج من هذا المخرج.
إذا خرجتُ بمظهر الدّوقة بملابس النوم، فلن يكون ذلكَ هروبًا ، بل طريقًا إلى الموت.
و علاوةً على ذلك…
“لا يمكنني إخراج هذا الرجل بهذا الوضع أيضًا…”
عندما رأيتُ الأوردة التي ترتفع على عنق كايسيس و القوّة التي تنتقل بحـدّة، علمتُ أنّه يجب أن أرشده فورًا.
الاضطرار إلى تقبيل شخصٍ بجانبِ وحش يحتضر ، يا لـه من يـوم رائـع حقًّـا. اللعنة.
“من فضلك.”
أمسكتُ ذقن الرجل الفاقد للوعي برفق.
“من فضلك، لا تفتح عينيكَ. من فضلك.”
أدرتُ وجهه نحوي و ابتلعتُ ريقي.
‘التقاء أعيننا في الوهم، لا بأس به، أليس كذلك؟’
تمنّيتُ بشدّة أن يعتقد أنّه كان يتوهّم ، ثم بدأت بسكب قوّتي.
و بمجرّد أن بدأتُ الإرشاد…
‘أوغ!’
أمسكَ خصري بقـوّة.
تفاجأتُ معقدة أنّه استيقظ، لكن جفنيه المغلقين بإحكام كانا كما هما.
كان الأمر مؤلمًا قليلًا، لكنّني شعرتُ بالارتياح و أنا أشعر بالطاقة التي تُسحب بقوّة ، و ضحكتُ.
‘نعم، كايسيس. هذا هو ما يناسبكَ.’
ليس ذلكَ المظهر العاجز ، و هو ينهار مستسلمًا أمام بوّابة مفتوحة.
بل التمسّك بمرشدة واحدة بتصميم يائس.
هذا هو كايسيس الذي أعرفـه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"