كـدتُ أن أصرخ.
كنتُ مصدومة إلى درجة أنّ قلبي كاد ينفجر من شدّة النّبض.
الإمبراطور، كايسيس، كان واعيًا تمامًا!
هل هذا معقول؟
‘هل أنا أحلم؟’
بناءً على ما رأيته حتّى الآن، كانت قوّة النّظام مطلقة.
لو كانت تلكَ القـوّة ضعيفة، لكنتُ هربتُ من القصر منذُ البداية و عشـتُ و كأنّني لستُ الدّوقة أرييل!
لذلك، مهما كان هذا الرّجل أمامي هو الأقوى في هذا العالم، لم يكـن بإمكانه التّخلّص من قيود النّظام بسهولة.
‘كان يجب أن يكون كذلك، أليس كذلك؟’
دونَ أن أدرك، تراجعتُ خطوةً إلى الوراء محاولة الهروب، لكنّ معصمي الّذي أمسكـه بقوّة جرّني إليه.
ثمّ قال كايسيس:
“مرشدتي.”
توقّفتُ للحظة.
تسرّبت القشعريرة في جسدي بأكمله.
ماذا قال هذا الرّجل للتوّ؟
‘ما هذا الصّوت؟’
هل هو نفس الشّخص؟
كنـتُ معتادة على صوت الإمبراطور القاسي و الشّرس، لكن هذا الصّوت النّاعم الّذي يبدو كأنّه مدهون بالزّيت كان غريبًا جدًّا بالنّسبة إليّ.
ثمّ أدركتُ.
العينان الزّرقاوان الّتي تحدّقان بي كانتا مختلفتين عن تلكَ النّظرات الحادّة الّتي تجمّـد القلب والّتي رأيتها خلال النّهار.
‘قوّة النّظام ليست بلا تأثير تمامًا.’
هل يعقل أنّ هذا الرّجل العنيد تمكّن بطريقة ما من التّغلّب على قوّة النّظام ولو قليلاً؟
‘هل هذا ممكن؟’
شعرتُ بإحباط مفاجئ.
كما توقّعتُ، هذا الرّجل أمامي هو الشّخص الّذي يجب أن أتجنّبه بأيّ ثمن لأكمل المهام بأمان.
“أنـتَ، لقد وعدتني.”
“بمـاذا؟”
“ألّا تبحث عنّي.”
كان يجب أن أعرف.
إلى أيّ مدى يمكن لهذا الرّجل المرعب أن يتذكّر و يدرك؟
‘إنّه لا ينظر إليّ مباشرة. لكن يبدو أنّـه يدرك وجودي بشكلٍ غامض.’
الشّيء الوحيد الواضح هو أنّه لم يكتشف مَـنْ أنا.
لو عرف أنّ الشّريكة الّتي حاول جاهدًا العثور عليها هي الدّوقة أرييل، عدوّته اللّدودة، لما كان هادئًا هكذا!
“هل أنـتِ خائفة منّي؟”
آه، أرجوك.
كبحتُ رغبتي في التّصرّف بوقاحة و ارتجفتُ.
بعد كلّ تلكَ المواجهات القسريّة مع كايسيس، كان الخوف المذهل الّذي شعرتُ به في البداية قد تلاشى كثيرًا.
لكنّنا لا يمكن أبدًا أن نكون على وفاق.
النّظرة الّتي ينظر بها كايسيس إلى الدّوقة أرييل، أي إليّ، هي نظرة موجّهة إلى عدوّ أو خصم.
كانت باردة كالجليد، و أحيانًا تحمل ازدراءً لشيء يكرهه.
أنا، الّتي أؤدّي دور الدّوقة آرييل ببراعة، حاولتُ أيضًا أن أكرهـه بصدق.
‘لذا، نحن لسنا شخصيين يمسكان بأيدي بعضهما البعض و يتحدّثان بلطف عن مشاعر الخوف أو عدمها’
بينما كنتُ صامتة، بدأ وجه الرّجل، الّذي بـدا أنّه أساء فهم شيئًا، يتغيّـر.
تحـوّل تعبيره الوسيم الخالي من التّعبير تدريجيًّا إلى نظرة حزينة و كأنّه يشعر بالإهانة.
“إذًا، هذا صحيح.”
أرجوك، توقّف عن هذا.
“لهذا تهربين في كلّ مرّة؟”
جذبني من يدي.
فرك شفتيه بلطف على ظهر يدي دونَ تردّد…
‘آه!’
لو لم أكن قد غطّيتُ فمي بيدي الأخرى، لكنتُ صرختُ.
لم تكـن القشعريرة الّتي انتشرت في جسدي هي الوحيدة، بل كان تعبيره الجريح قويًّا جدًّا.
‘أعرف جيّدًا أنّ هذا ليس حقيقيًّا.’
لقد رأيتُ كم يمكن للمستيقظين رفيعي المستوى أن يكونوا ماكرين كثعلب بتسعة ذيول لكسب ودّ المرشد، و كيف يخفون نواياهم الحقيقيّة و ينحنون.
و مع ذلك…
“ليس كذلك.”
قلتُ ذلكَ دون أن أدرك.
“لسـتُ خائفـة.”
عندما رأيتُ عينيه الزّرقاوين اللامعتين كأنّهما مبلّلتان، شعرتُ بالقشعريرة و النّفور الشّديد.
كان ذلكَ هو السّبب حقًّا.
‘ليس لأنّ كايسيس يذكّرني بمظهري عندما كنتُ أتعرّض للرفّض دائمًا في الماضي.’
لكن تلكَ الكلمة الوحيدة، ماذا فعلت؟
“حقًّا؟ هل هذا صحيح؟”
نظرته، و هو يحدّق بي بعينين متلألئتين كطفل و كأنّه يتوق إلى شخصٍ بالكاد يراه، كانت يائسة جدًّا.
حتّى في تلكَ اللحظة، كان يمسك يدي بقوّة دونَ أن يتركها، و بينما كانت الطّاقة تتدفّق تدريجيًّا، كان من المؤكّد أنّ الألم الّذي كان يحرقه قد بدأ يتلاشى.
رأيتُ يأسـه في قبضته اليائسة، رغمَ أنّني كنتُ سأتحرّر لو قاومتُ، فلم أستطع قول شيء.
هذا هو كايسيس.
علاقتنا هي الأسوأ.
غرقتُ في التّفكير، مقطّبة جبيني للحظة، لكن يبدو أنّه أسـاء فهم ذلك، فبدأ المستيقظ القلق يثرثر بالأعذار.
“لم أخلف وعدي. أردتُ فقط أن أتذكّر أكثر.”
فتـحَ يـده الواحدة و أراها إيّاي.
ضيّقت عينيّ.
ماذا؟ ماذا فعل هذا الرّجل المجنون؟
“هذا حجر سحريّ، أليس كذلك؟”
يبدو أنّه غرس حجرًا سحريًّا من وحش في راحة يده.
…يا رجل، هل جننتَ؟
شعرَ ببرودتي المتزايدة و بدأ يبرّر نفسه بعصبيّة.
“فقط في هذه اللّحظة. أردتُ أن أدرك. أردتُ أن أتذكّر. لم أقصد أبدًا خرق الوعد.”
حسنًا، مهما زرع في جسده، ليس من شأني.
الشّيء الأهمّ هو أنّ كلامه المهدّئ هو كذبة صريحة!
‘هو يعلم جيّدًا أنّني أضغط على السّحرة خلال النّهار للبحث عن أدلّـه.’
كنتُ أرغب في الإمساك برقبته و أصرخ: ‘أيّها الكذّاب! كلّ ما يخرج من فمـكَ كذب!’
“لماذا فعلتَ ذلك؟”
“لأنّني يائس.”
“…..”
“لأنّـكِ لا تُظهرين شيئًا.”
كان مختلفًا جدًّا عن الإمبراطور الّذي أراه خلال النّهار، فتحدّثتُ دونَ أن أدرك.
حتّى أثناء ذلك، كانت يـده الّتي تمسك بي بقوّة كأنّها لن تتركني تقترب أكثر، و تقلّص المسافة بيننا.
إذا استمرّ الأمر هكذا، كان سيجعلني أجلس في حضنه، فكنتُ أضـع كلّ قوتي في كعبيّ للمقاومة.
توقّف، هذا يكفي، حسنًا؟
“كنتُ أنتظـركِ.”
لكن المستيقظ، الّذي أعمته الطّاقة المتدفّقة ، لم يعرف سوى التقدّم.
تحرّكت يـده الّتي كانت تغطّي ظهر يدي إلى ذراعي، ثمّ إلى خصري، ساحبًا إيّاي.
مع رائحة عطر ذكوريّ قويّ، لامست أنفاسه بشرتي.
ثمّ دوى صوت طنين صاخب!
[اجمعي نقاط الإرشاد!
تابعي المهمّة المفاجئة المخصّصة لكِ.
كلّما زادت قوّة الإرشاد ، حصلتِ على نقاط أكثر.]
آه، صحيح.
جئـتُ إلى هنا لجمع النّقاط…
“آه!”
كدتُ أصرخ مجدّدًا بسببِ الرّجل الّذي قبّـلَ أطراف أصابعي بلطف.
في تلكَ اللحظة، لم أفكّر في المهمّة أو النّقاط أو أيّ شيء.
‘هذه المرة الأولى التي أستعمل قوّتي على كايسيس و هو نصف واعٍ ، أليس كذلك؟’
شعرتُ بوجهي يحترق فجأة.
كان يقبّـل طرف إصبعي، ثمّ رفعَ عينيه قليلاً كردّ فعل على قفزتي، و كان هادئًا بشكلٍ مفرط.
‘أنـتَ لستَ هذه الشّخصيّة!’
كنـتُ معتادة على كايسيس الّذي ينطق بكلمات قاسية و مؤذية، فكان هذا صادمًا من نواحٍ عديدة.
فتحتُ أصابعي المقبوضة بقوّة بيدي الأخرى، و همسَ المستيقظ أمامي بطريقةٍ ساحرة:
“أنـتِ… لسـتِ معتادة على التّلامس.”
“لم تكوني قريبة من مستيقظ غيري.”
بسعادة لا حدود لها.
“أليس كذلك؟”
أو كما لو كان يقول أنّ الأمر يجب أن يكون كذلك.
و بشكلٍ جـرحَ كبريائي، أذهلتني ابتسامته.
على الرّغمِ من أنّه الإمبراطور المكروه و المخيف، كانت ابتسامته المليئة بالـودّ قويّة جدًّا.
شعرتُ بالخوف قليلاً.
شعرتُ و كأنّني أفهم أسلافي الّذين سُحروا بثعلب ذي تسعة ذيول و فقدوا كلّ شيء، حتّى أكبادهم.
“لماذا لا تجيبين؟”
لكن يبدو أنّ القبضة حول معصمي أصبحت أقوى قليلاً.
بينما كنتُ مذهولة بابتسامته الرّائعة، يبدو أنّ مزاج الإمبراطور سـاء فجأة.
“هل من الممكن… أن يكون هناك مَـنْ استفاد من قوّتـكِ؟ أين؟ كم عددهم؟”
على الرّغم من أنّه يبتسم بشكلٍ أكثر إشراقًا من ذي قبل، كنـتُ أعرف مزاجه القـذر جيّدًا، فرأيتُ الأمر بوضوح.
‘هذه غيـرة… أليس كذلك؟’
شعرتُ بالانزعاج و الغرابة.
هل يشعر هذا الرّجل بالغيرة بسببي؟
أيّها النّظام، هل هذا الوضع طبيعيّ حقًّا؟
بينما كنتُ أعاني من تأنيب الضّمير تجاه البطلة المشرقة، نظرتُ إلى أصابع الرّجل الأنيقة الّتي كانت تتشبّث بي كما لو أنّ قوتي تروق له للغاية.
ما الّذي يهـمّ في هذا؟
“لم يكن هناك أحد.”
قلـتُ الحقيقة دونَ أن أدرك.
“لم يحـبّ أحد قوتي.”
قصّة ذاتي ‘أنا’، الّتي لم أنطق بها ولو مرّة منذُ أن فتحتُ عينيّ في هذا العالم.
التعليقات لهذا الفصل " 25"