“لوسي، هل سترحلين هكذا؟ من دون أيّ تفسير؟ انتظري! انتظري قليلًا!”
“كوني سعيدة، هيلاريا.”
ما ملأ بصري لم يكن ظلّ القطة السّوداء، بل حروف النّظام.
ربّما كانت تلك نافذة الإرشاد التي كانت لوسي تكلّمني من خلالها.
[يتمّ تدعيم البوّابة المنهارة مؤقّتًا.
قومي بإرشاد مستيقظكِ!
سيتمّ حماية هذه البوّابة حتّى تستقرّ القيم تمامًا.]
‘لوسي.’
[يعود الزّمن إلى الجريان.]
* * *
مرّت يدٌ لاذعة، من أثر جفاف الدّم، و هي ترتجف على خدّي.
عندها فقط أدركتُ أنّني كنتُ أبكي بلا توقّف.
“هيل.”
صوتٌ ناعم، دفءٌ حنون.
كانت القيم التي تومض باللّون الأحمر قبل قليل تتلألأ الآن بوتيرة أبطأ.
لم تختفِ نافذة النّظام بعد.
قوّة لوسي، و وعدها، لم يزولا تمامًا.
لأنّ البوّابة المنهارة كانت لا تزال متوقّفة.
لأنّها منحتني فرصة لإنقاذ كايسيس كاملًا.
“كايسيس.”
أطلقتُ زفرةً حزينة و قفزتُ إلى حضنه.
الرّجل الذي بدا عليه الارتباك للحظة، و هو يلهث، سرعان ما شدّني إليه بقوّة.
“لا أعرف ما الذي حدث، لكن يبدو أنّ البوّابة توقّفت.”
“نعم، صديقتي العزيزة منحتكَ فرصة لتعيش.”
“فرصة؟”
رغمَ أن الألم كان لا يزال شديدًا، إلا أن حالته كانت أفضل ممّا قبل. و كأنّه يشعر بالحيرة من ذلك، نظرتُ إليه و أنا أبتسم و أبكي في آنٍ واحد.
وضعتُ يدي على صدره الصّلب، و أصغيتُ إلى نبضه.
“ألا تعرف؟”
ما كان أمام عينيّ هو أكثر مستيقظيّ هذا العالم حساسيّة.
اتّسعت عيناه الزّرقاوان، اللتان تشبهان لون البحر.
“……هذا الآن.”
“نعم، يا صاحب الجلالة.”
همستُ بصوتٍ خافت.
“لقد أصبحتُ الآن مرشدتكَ وحدك.”
انقطعت جميع ارتباطاتي.
“و هذا يعني أيضًا أنّني.”
سقطت دمعة كانت معلّقة في عينيّ على خدّه.
“أستطيع أن أُنقـذكَ تمامًا.”
في هذا الزّمن المتوقّف، داخل هذا المكان المتجمّد، داخل البوّابة.
في الوقت الذي أهدتني إيّاه قطّتي الصّغيرة.
سأُنقـذكَ ، و أثبّت حالتكَ تمامًا، ثمّ نخرج معًا من مخرج البوّابة.
مددتُ يدي المرتجفة، و أمسكتُ بخدّ الرّجل الذي عاد، بفضل وسمنا الكامل، إلى قيمٍ تسمح بإرشاده بصعوبة من حافة الهياج.
“الآن، أستطيع إنقـاذكَ.”
قبّلتـه برفق.
سرقتُ شفتـه السّفلى الملطّخة بالدّم، و مرّرت طاقة الإرشاد إليه.
“هيل، لاريا.”
الرّجل الذي تجمّد للحظة بملامح مذهولة لأنّه لن يموت، سرعان ما أمسك خصري.
“هل أصبحـتِ شريكتي بالكامل؟”
“نعم. الآن، لا يمكنني علاج أحد سواكَ كما يجب.”
“إذًا ، لقد أصبحـتِ مسؤوليّتي.”
“و أنـتَ أيضًا أصبحـتَ مسؤوليّتي. لن أسمح لكَ بعد اليوم بدخول البوّابة وحـدكَ.”
رفعتُ رأسي، كتمتُ ضحكة، ثمّ قبّلتـه من جديد.
يده التي كانت تقبض خصري بقوّة، انزلقت إلى ظهري.
كنتُ أقود الإيقاع، لكنّني سرعان ما انجرفتُ خلف قيادته كمَـنْ تبتلعه الأمواج.
سُلب نفسي كلّه، و مع إحساسٍ دوّار من رأسي حتّى قدميّ، انسحبت طاقة الإرشاد منّي إليه.
في اللّحظة التي قبضتُ فيها على طرف ثوبه، دار جسدي.
“…جلالتكَ.”
رفعتُ بصري إلى وجهه الوسيم و هو يطلّ عليّ.
و بمجرّد قبلةٍ قصيرة و تبادل أنفاس، بدأت آثار الهياج على وجهه تخفّ بوضوح.
ابتسمتُ وأنا أُمرّر يدي على خدّه الذي عاد أبيض ناعمًا.
“هيلاريا.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطور.”
“لا.”
ضيّق عينيه كمَـنْ يتوسّل، كأنّ هذا ليس ما يريده.
ابتسمتُ له ابتسامةً مشرقة.
كان الفراق حزينًا، لكنّ سعادتي الحيّـة، المتنفّسة، كانت أمام عيني.
مستيقظـي المرتبط بـي بالكامل.
إمبراطـوري.
ملكـي…
“….نعم، كايسيس.”
لن أرى بعد اليوم شخصًا آخر يرشده.
لن أتظاهر بالبرود و أحدّق في الآخرين بجفاء.
حتّى لو ذُهل مَـنْ حولنا، فلن يكون في ذلك خطر على حياتي.
سأمسك يده علنًا، أنظر في عينيه، و أناديه باسمه برفق.
مددتُ ذراعي و لففتهما حول عنقه، و تعلّقتُ به و هو يلتهم شفتيّ بينما نتقاسم الأنفاس.
تبعثرت الملابس، و تسارعت أنفاسنا.
استسلمتُ لإحساسٍ ساحر، كأنّني أسقط أرضًا و قد فقدتُ كلّ قوّتي.
أنفاسه الحارّة انتقلت من شفتي، خدّي، ثمّ انسابت بسلاسة إلى عنقي.
الإرشاد الكامل، كان يعني الاتّحاد الكامل.
“سأُنقـذكَ.”
كنتُ متأكّدة أنّ عينيّ تتوهّجان باللّون الذّهبيّ.
لم يُخفِ كايسيس مشاعره، اندفع نحوي بكلّ شغفه.
عضّ فوق ترقوتي، تاركًا أثرًا واضحًا، كاشفًا بلا تردّد عن تملّك المستيقظ لمرشدته.
كنـتُ سعيدة.
كلّ ذلك كان جميلًا، و كان سعادة خالصة.
كان دليلًا على أنّني حيّـة بالكامل، و ثمرة انتمائي لهذا العالم.
“كايسيس.”
الرّجل الذي أمسك شعري بيـده، عـضّ شحمة أذني و همس.
“أحبّـكِ.”
“كايسيس.”
أدخلتُ أصابعي في شعره.
و سرعان ما ذُبـتُ، و أنا أختبر، معنى أن أصبح واحدًا بالكامل مع شخصٍ آخر.
* * *
كانت أصوات الهمس عالية.
عيون النّاس الذين كانوا ينتظرون أحدًا بلهفة اتّسعت، و رأوا بوضوح البوّابة الدّمويّة تتماوج.
و في الخارج، بدأت تغيّرات تعصف بعددٍ لا يُحصى من البوّابات.
“البوّابات ، إنها تختفي!”
مع صرخةٍ عالية، بدأت البوّابات التي كانت تملأ السّماء كأنّها نهاية العالم تختفي واحدةً تلو الأخرى.
ارتسمت البسمة على الوجوه.
أقوى مستيقظ، و سيّدة السّحرة.
بطلا العالم أنهيا هذا اليأس.
لكن، مهما طال الوقت، لم تُخرِج البوّابة الدّمويّة أحدًا.
“لماذا لا يخرج الإمبراطور و الدّوقة؟”
ارتفع القلق على وجوه السّحرة و الفرسان، و على وجوه مَنٔ كانوا ينتظرونهما بلهفة.
خصوصًا المستيقظين الذين كانوا يومًا مرتبطين بشخصٍ ما.
سيروين ، ديكاردو ، و أردييل ، تبادلوا نظراتٍ خفيّة دون وعي.
لقد انقطع.
الارتباط الوثيق اختفى تمامًا.
نظروا إلى بعضهم بوجوه شاحبة، و غمرهم اليأس.
الختم لا ينقطع إلّا بالموت.
أيعقل أنّ هيلاريا؟
لا. أرجوك، لا.
و بينما كانوا واقفين بوجوهٍ تبدو و كأنّ العالم ينهار، رأوا البوّابة تهتزّ بعنف.
كان مدخلها ينفتح.
ثمّ……
* * *
عندما خرجتُ أنا و كايسيس إلى العالم من جديد، أوّل ما رأيناه كان أناسًا ينادون أسماءنا، يبكون و يضحكون في آنٍ واحد.
‘أردييل ، ديكاردو ، سيروين ، أناييل ، لوياس. الجميع بخير. الفارس كايل، فرسان كايسيس، و سحرتي أيضًا….’
كان الجميع في حالةٍ يُرثى لها من شدّة القتال، لكنّ أحدًا لم يمـت.
و بينما لم تكن القطّة السّوداء بجانبي الآن، شعرتُ أنّها ستظهر يومًا ما مجدّدًا، بوجهها الماكر، وتقول “مياو”.
بعد أن ألقيتُ نظرةً حولي و تنّفستُ الصّعداء و ابتسمتُ، أدركتُ أنّ مَنٔ كانوا يبكون فرحًا ينظرون إلينا بذهولو أفواههم مفتوحة.
آه.
صحيح.
كنتُ أمسك يد كايسيس بإحكام منذُ لحظة خروجنا من البوّابة.
‘لقد رأوا هذا.’
ارتسمت على وجهي ابتسامة خجولة.
كيف أشرح لهم هذا دون أن أُصيبهم بصدمةٍ أعنف؟
لأولئك الذين آمنوا أنّ الإمبراطور و الدّوقة عدوّان لدودان، كيف أشرح أنّنا كنّا مرتبطَين بختم، بصفتنا مستيقظًا و مرشدته، و أنّنا تجاوزنا القبلات و كلّ ما بعدها، و أصبحنا الآن حبيبين؟
لكن كايسيس، كما هو متوقع من الإمبراطور ، اتخد قرارًا جريئًا.
شـدّ على يدي، و نظر إلى الوجوه المذهولة.
ثمّ قام بتقبيلي.
“……!”
الرجل الذي قبلني بمعق، تركني برفق، و نظر إلى الحشد.
ابتسم ابتسامةً واثقة، بينما كان المستيقظون و السّحرة متجمّدين كأنّهم يصرخون بلا صوت.
و أعلـن.
“هيل، هي مرشدتي.”
و انفجر الارتباك كالأمواج.
‘سيّدتنا، هي هيل؟’
‘ما هذا الهراء!’
‘لكنّهما، قبّـلا بعضهما! بل و قبلة عميقة أيضًا!’
همس السّحرة بأصوات مرتشعة.
‘هيل ، هل تلك امرأة؟’
‘هاه، الدّوقة مرشدة؟ أيّ كلامٍ هذا؟’
‘افتحوا أعينكم! انظروا كيف أصبح جلالة الإمبراطور! يا لهؤلاء الأغبياء، إنّهما، ذلك، ذلك!’
أشار الفرسان إلي بأصابع مرتجفة.
رؤية تلك الوجوه الغبيّة جعلتني أضحك دون وعي.
“ههه!”
بدت وجوههم الشاحبة و الزّرقاء أكثر صدمة مما كانت عليه أثناء انفجار البوابة، لذلك لم أستطع كتم ضحكتي.
“هاهاها!”
و للمرّة الأولى، لم تظهر أيّ نافذة تحذّرني من خطرٍ على حياتي.
‘انتهى الأمر حقًّا.’
لوّحتُ بيدي الممسكة بيد كايسيس أمام أعينهم.
“هذه هي علاقتنا.”
“نعم، هذه هي.”
حدّقتُ في وجه مستيقظي و هو يبتسم برضًا كامل.
و في تلك اللّحظة، ظهرت أمام عينيّ نافذة النظام، ربّما تكون الأخيرة.
[لقد اخترتِ نهايتكِ السّعيدة.]
نعم، لقد اخترتُ.
[شكرًا لإنقـاذكِ هذا العالم.]
“كايسيس، أنتَ مستيقظي الوحيد من الآن فصاعدًا.”
“و لا تنسي، يا هيلاريا. أنـتِ الوحيدة القادرة على إنقاذي، أو قتلي.”
كنتُ أعرف أنّ هذا الرّجل الذي أمامي هو سعادتي، و أن كلّ مَنٔ سيكون معي من الآن فصاعدًا، سيكوت نهايتي السّعيدة.
[أبارك النّهاية التي اخترتِها.
اكتبي القصة ما بعد النّهاية السّعيدة.]
‘سأفعل، يا لوسي.’
تمتمتُ في داخلي و أنا أراقب آخر رسالة للنّظام تتلاشى كالضّباب.
التعليقات لهذا الفصل " 176"