“إمّا أن تخرجا و تقتلا جميع النّاس، أو أن تُعزلا و تموتا داخل بوّابةٍ تنهار.”
ثمّ أخيرًا، تحطّم بالكامل.
“أيًّا كانت النّهاية التي تختارانها، فستكون جحيمًا عليكما.”
إلى أن اختفى تمامًا.
بعد ذلك، انهار النّقش الذي كان عند قدمي هانويل، حيث كانت دماء لزجة تنسكب، مُصدِرًا صوت دويٍّ مدوٍّ.
─دينغ!
و في اللّحظة نفسها، و من دون أن أتمكّن حتّى من الالتفات إلى الخلف، بدأت إنذارات النّظام المتراكمة تنهمر بجنون.
لم تكن تتقطّع أو تتحطّم كما قبل، بل و كأنّها تريد ترك أكبر قدر ممكن من التّحذيرات، فاستولت على مجال رؤيتي بسرعةٍ هائلة.
[تهانينا! لقد أتممتِ جميع المهمّات الرّئيسيّة.
بإنهاء القضاء النّهائيّ على هانويل، وعاء الحاكم الملوّث، تمّ منع تدخّل حاكم العالم الآخر.]
[تمّ قطع الاتّصال بالرّابط ذي الختم النّصفيّ، هانويل!]
[الوقت المتبقّي: 00:01:11]
[كمكافأةٍ على التّعامل مع الشّرّير الرّئيسيّ، تحقّقت الشّروط المسبقة للاندماج الكامل لقطعة ???? .
تمّت إزالة القيود.
قطعة ???? هي الاستقرار المطلق اللازم لاستقراركِ في هذا العالم.
و هي تعادل الاحتماليّة التي دفعها الشّخصيّة الرّئيسيّة من أجلكِ.
يتمّ تعيين موقعكِ.
تتعزّز قوّة تأثير “هيل”!
تحصلين على مكانة الشّريكة لأقوى كائن في محور هذا الخطّ الزّمنيّ، منقذ البشر “كايسيس”.
يمتصّ جسد “هيلاريا” أهليّة “البطلة” التي كانت متفرّقة!
أنتِ الآن عضوٌ كامل في هذا العالم. يتّحد الجسد و الرّوح، و تزول جميع القيود.]
و بينما كنتُ أستوعب كلّ شيء و أنا أتابع محتوى النّظام الذي مرّ أمام عيني بسرعة، لمع الإنذار بلونٍ أحمر قانٍ و أطلق صفّاراته.
[تحذير!
البوّابة بدأت بالانهيار.]
[تجاوزت قيمة كايسيس الحدّ الأقصى.
لا يمكنكِ الإرشاد.
لا يمكنكِ الإرشاد!
الاتّصال الكامل مطلوب.
يجب قطع الأختام المتفرّقة.
ختم المستيقظ لا يمكن قطعه إلّا بالموت.
اهربي.
اخرجي عبر المخرج!
كايسيس على وشك الهياج.]
“…..”
في تلك اللّحظة التي لم أستطع فيها الالتفات، كان ذلك بمثابة تلقّي تأكيدٍ قاطع على الواقع الذي اقتحمنا.
اغرورقت عيناي بالدّموع.
‘لا أريد.’
بام.
سُمع صوت سقوط شخصٍ ما.
‘معًـا. لقد قرّرنا أن نخرج معًـا.’
عندما استعدتُ وعيي، كنتُ أركض دون أن أدرك حتّى أنّ الدّموع تنهمر بلا توقّف.
“كايسيس!”
اندفعتُ و احتضنته، محدّقةً في الرّجل الذي كان ينزف دمًا داكنًا يسيل بغزارة.
“كا، كايسيس.”
“آغغغ.”
“هل، هل تراني؟”
عندما نكون خائفين إلى هذا الحدّ، لا تخرج الكلمات كما ينبغي.
“لا، لا بأس، سيكون كلّ شيءٍ على ما يرام.”
“هـ، هيل.”
“أنا هنا. أنا معـكَ، أنا شريكتكَ. سأحلّ الأمر. سأعالجكَ. فعلتُ ذلك قبل ساعات، و يمكنني أن أفعل، أفعلها هذه المرّة أيضًا.….”
مرّرتُ يدي على خدّه الشّاحب بلا وعي.
الآن أستطيع الكلام.
أستطيع أن أخبركَ بكلّ شيء، من دون أيّ أسرار، من دون إخفاء أي شيء.
لن أهرب منكَ بعد الآن، و لن أبالي بنظرات الآخرين، و سأرشدكَ بلا قيود.
“أنا، أنا…….”
أستطيع إنقاذك.
أستطيع البقاء إلى جانبكَ كما أنا، بصفتي الدّوقة آرييل.
“لا، لا تفعل. كايسيس، انظر إليّ. تماسـك، رجاءً. حسنًا؟ لا تُغمض عينيكَ. انظر إليّ!”
لم أكن أجهل نهاية المستيقظين.
كنتُ أعرف، من خلال عددٍ لا يُحصى من الموادّ التّدريبيّة في حياتي السّابقة، كم يعانون و يتحطّمون حين لا يتلقّون إرشادًا صحيحًا، و قد رأيتُ بأمّ عيني في المركز كيف مات عددٌ منهم بتلك الطّريقة البائسة.
لكن تلكَ النّهاية لم تطرق باب شخصٍ يخصّني من قبل.
لم يكن لديّ مستيقظ مقرّب، و لم أتخيّل يومًا أن أفقد شخصًا مرتبطًا بي.
“لا، كايسيس!”
ارتفعت عروقٌ داكنة على خدّه الأبيض النّاعم.
لا، لا.
‘عندما يتجاوز الحدّ.’
لا يمكن حلّ الأمر.
لا يمكن إنقاذه.
“هـ، هيللا، ريا.”
“لا، أرجوك.”
“أنـتِ تعرفين. أنا، لا أستطيع الخروج. إن خرجتُ و أنا في حالة هياج.”
اندفع الدّم فجأةً من بين شفتي كايسيس.
“لن أستطيع الحماية.”
لا، هذا غير صحيح.
“لذلك، هيل، أنـتِ.”
“لا، لا تقل شيئًا، أرجوك.”
شعرتُ و كأنّ حياته تتسرّب، فمسحتُ الدّم بجنون.
و لو لم تُمسك يده بي و كأنّه يمنعني، لتماديتُ أكثر.
“انظري، إليّ. انظري إليّ.”
“……”
“هيل، انظري إليّ!”
لا، لا تقل شيئًا.
هززتُ رأسي بجنون و انهمرت دموعي.
كايسيس يحتضر.
كنتُ أؤمن أنّـكَ، في أيّ وقتٍ و أيّ لحظة، لن تسقط أبـدًا، لكن إيماني تحطّم إلى شظايا.
“اخرجي، اذهبي.”
كانت يده التي تُمسكني ترتجف بعنف، ثمّ أشار إلى فضاءٍ ما خلفي.
المكان الذي اختفى فيه هانويل.
“أسرعي. أنـتِ، يجب أن تعيشي…..”
المكان الذي كان يحمل ذلك النّقش المرعب.
“أسرعي، هيل. قبل، فوات الأوان.”
كان هناك وهجٌ ساطع معلّق في ذلك الموضع.
‘مخرج البوّابة.’
ظهر المخرج وفقًا لإرشادات النّظام.
“اخرجي، هيل.”
نعم، لو خرجتُ من هناك، لكنتُ نجوتُ.
“أسرعي، اذهبي!”
إذا هاج مستيقظ من رتبة SSS، فلن يتمكّن أحد من الخروج.
‘و حتّى لو خرجتُ، لا أعرف طريقة قطع الختم النّصفيّ.’
يُقال إنّه يكفي أن يموت أحد المرتبطين بالختم، المستيقظ أو المرشد، لكن ذلك لا ينطبق على قطع اتّصالي بأردييل و ديكاردو.
“لا أريد.”
إذًا، هل.
“تريدني أن أترككَ و أخرج؟”
“……هيل. أرجوك.”
“قلتُ إنّني لا أريد.”
يا له من رجل أحمق.
لو كنتُ أنا المستيقظة الهائجة، و كان هو المرشد، لما اختار يومًا أن يتركني و يهرب.
“لا تجعلني أضحك.”
كانت دموعي لا تتوقّف، وطعم الملح يملأ شفتيّ، لكنّني ابتسمتُ بخفّةٍ و أنزلتُ رأسي.
“لن أخرج أبدًا. لن أخرج. لن أذهب إلى أيّ مكانٍ من دونكَ.”
قبّلتُ شفتي الرّجل النّازف المحتضر.
سكبتُ كلّ طاقة الإرشاد التي لا جدوى منها، و احتككتُ بشفتيه.
حبستُ أنفاسي، و بحثتُ عن دفء التّلامس.
لم يكن لذلك أيّ فائدة، بل امتلأ فمي برائحة الدّم، لكنّني كنتُ راضية.
“أحبّـكَ. أنا أحبّـكَ، كايسيس. انا أحبّـكَ لدرجة الموت.”
“……هيل، لاريا.”
“أنا أحبّـكَ حقًّا. و لهذا لا أستطيع الخروج. مَنٔ يترك الشخص الذي يحبّـه و يهرب وحده؟ و فوق ذلك، أنـتَ المستيقظ خاصّتـي.”
“…….”
“كيف تطلب منّي فعل شيء قاسٍ كهذا، أن أتخلّى عن المستيقظ المرتبط بي و أهرب؟ ذلكَ شيء لا أستطيع قبوله.”
نظرتُ بعمقٍ إلى عينيه الزّرقاوين المرتجفتين و ابتسمتُ.
أسندتُ جبيني إلى جبينه و قبّلته مرّةً أخرى.
هو لا يستطيع أن يرسلني بعيدًا.
“لا أستطيع خسارتكَ، يا جلالة الإمبراطور.”
لم يكن ذلك ممكنًا.
“أن أخرج وحدي؟ أن أعيش لوحدي؟ فقط أخبرني أن أموت إذًا.”
أمسكتُ بيده بقوّةٍ و ألصقتُ جبيني بجبينه.
نقلتُ له ما تبقّى من قوّتي، متمنّيةً أن يخفّ ألمه و لو قليلًا.
تجاهلتُ قبضته التي اشتدّت و كأنّه ينهاني، و أصررتُ بعناد.
“في الحقيقة، أنا. مـتُّ مرّةً من قبل. أعرف ذلك الخوف و الألم الرّهيبين. و مع ذلك، حين أفكّر في فقدانـكَ و العيش وحدي، يكون ذلك أكثر رعبًا.”
ربّما لم يفهم شيئًا ممّا أقول، لكنّه، حتّى وسط الألم، لم يُبعد نظره عنّي لحظةً واحدة، بل ركّز عليّ وحدي.
و لهذا استطعتُ أن أبتسم.
رفعتُ رأسي، و نظرتُ إلى حبيبي الذي بدا وسيمًا و متألّقًا كتخفة منحوتة، و ابتسمتُ.
“لنكـن معًـا.”
“……هيل.”
الشّخص الذي يضع حياته رهنًا لحماية الإمبراطوريّة، إمبراطورها، لن يهرب أبدًا عبر المخرج و هو في حالة هياج.
“أنـتَ مَـنْ جعلني، أنا التي عشـتُ وحيدةً طوال حياتي، أعرف الدّفء و الحبّ. لذا تحمّل المسؤوليّة.”
لم يبـقَ لي في النّهاية سوى طريقةٍ واحدة.
“أن نبقى معًـا حتّى النّهاية. حتّى لو كانت تلكَ النّهاية هي الموت، فلا بأس.”
رأيتُ نظرة كايسيس التي كانت تتجمّد لدرجة العجز عن الكلام، تلتوي بالألم.
‘آه.’
لم أكـن خائفة.
حقًّا لم أكـن خائفة، لكنّ صدري كان ينهار.
“كايسيس، أرجوك.”
ذلك الرّجل الصّلب و القويّ كان يبكي.
“……لا تبـكِ.”
كان يبكي بسببي، فتمزّق قلبي ألمًا.
كان يتوسّل إليّ أن أخرج وحدي، أن أعيش، لكنّ ذلك أمـرٌ لا يمكنني قبوله أبدًا في هذه اللّحظة.
وحين كنّا نغرق في الحزن، و للموت يلوح أمام أعيننا ، حدث ذلك.
التعليقات لهذا الفصل " 174"