على عكس حالتي النفسيّة المذهولة، كان هانويل واثقًا بنفسه عندما التقت أعيننا.
“نعم!”
ذلك الصوت اليائس الذي صاح به و هو يفرد كتفيه جعلني أطلق ضحكةً جافّة.
هذا الرجل لديه مشكلة في رأسه.
أو لعلّه طفل لم يكتمل نضجه بعد، عاجز عن الإحساس بالمشاعر على نحوٍ سليم.
“مضحكٌ حقًّا. لم يكن ذلك من أجلي، بل من أجل متعتكَ و فضولكَ.”
“أنتِ متعتي و موضع اهتمامي. وما الخطأ في ذلك؟ ما زال بإمكاني أن أتغيّر. من أجلكِ سأفعل أيّ شيء….”
“كفى! لا تستخدمْني ذريعةً لتبرير أعذاركَ، أيّها المنافق الجبان.”
عندما صرختُ غاضبة، وضع كايسيس، الواقف إلى جانبي، ذقنه فوق رأسي كأنّه يمزح.
ثمّ ضغط بخفّة و همس بصوتٍ منخفض.
“ما رأيكِ أن نمزّق ذلك الفم الذي لا يفعل سوى التفوّه بالهراء، يا هيلاريا؟”
يبدو أنّ هذا الاستفزاز قد أصاب هدفه، إذ إنّ هانويل، الذي كان يتظاهر بالشفقة، حدّق في كايسيس بعينين ملوّثتين بالحقد، ثمّ صرّ على أسنانه و تمتم.
“كنتُ أحبّ حزمكَ، لكنّكَ الآن لستَ ممتعًا.”
و في تلك الأثناء، بدأت الأجواء من حولنا تزداد سخونةً تدريجيًّا.
كان ذلك لأنّ سحرًا لم أتمكّن من استخدامه استخدامًا كاملًا و لو مرّةً واحدة من قبل، سحر هيلاريا النهائيّ، كان يتفعّل الآن بقوّةٍ هائلة.
‘بما أنّ هذا المكان بوّابة، فلن ينهار.’
طالما أنّ ذلك الرجل ما زال حيًّا.
فوق راحة يدي المفتوحة، بدأ الفضاء العلويّ الذي لم يكن يُرى فيه سوى السواد يتغيّر.
كروووووو─
“ألم يأمر جلالته بأن تُغلق ذلك الفم الثرثار عديم الجدوى؟”
ربّما كانت القوّة أقلّ من الأصل، لكنّها ستظلّ كافية لإحداث تأثيرٍ حاسم.
“خُـذ هذا.”
─كوووررررغ.
زأرت السماء.
[الكارثة العظيمة.
سحرٌ يحتوي قوّة الطبيعة.
بإيماءةٍ واحدة من يدكِ، يمكنكِ إسقاط الجبال، و تجفيف الأنهار، و تدمير الأرض.
القوّة مُخفَّضة.
القوّة، مُخفَّضة.
يتمّ التفعيل بنسبة 40% من القوّة الأصليّة.]
اندفعت المانا من جسدي بجنون.
‘آه.’
شعرتُ بأنّ حالتي الجسديّة، السيّئة أصلًا بسبب الإرشاد المتواصل و استخدام السحر، تسوء أكثر.
و مع ذلك، كنتُ عازمةً على رؤية ذلك الوغد يسقط لا محالة.
و لحسن الحظّ، لم أكن أقاتل وحدي.
“أيتها الساحرة العظيمة. إنها قوّة مخيفة فعلًا، لكن هل من الحكمة الاندفاع وحدكِ هكذا؟”
شعرتُ بسندٍ صلبٍ خلف ظهري.
دفء جسد.
و قوّةٍ جارفةٍ تعصف بالمكان.
امتزج مطر الجليد بألسنة الكارثة المتساقطة من السماء.
“….كايسيس.”
“معًـا، حتّى النهاية.”
“مهما كانت النتيجة.”
“حسنًا.”
[تحذير!
بعد فشل الاستمالة، وعاء الحاكم المزيف يغضب.
قوّة العدوّ تتأثّر بشدّة بالحالة الذهنيّة.
استعدّوا لهجومٍ قويّ.]
و كما أنذر النظام، بدأت طاقةٌ مرعبة تتفجّر من جسد هانويل.
─كواااانغ!
حدث تصادم عنيف اختلطت فيه السماء بالأرض.
و انطلقت معركةٌ ضارية دون أيّ مجال لالتقاط الأنفاس.
* * *
‘أشعر بالدوار.’
كم بقي من الوقت؟
‘و عدد المرّات المتبقّية لاستخدام السحر أيضًا….’
لم يعد لديّ أيّ سحرٍ أستطيع استخدامه.
كانت قوّةً مرعبة بحقّ.
في اللّحظة التي خارت فيها قواي، قبضت يد قويّة على ذراعي.
كان كايسيس.
و حاله لم يكن أفضل بكثير.
“كح.”
“هيلاريا.”
“كيف حالكَ؟”
“لا تقلقي. أنا بخير.”
لا، لم يكن بخير.
نافذة التحذير في النظام كانت قد تحوّلت إلى اللون الأحمر، بينما تومض بلا توقّف.
أمّا هانويل.
“أنتما حقًّا عنيدان.”
كان يحدّق بنا بدقّة، حتّى وهو يتقيّأ دمًا أسود قاتمًا.
هل لأنّها قوّة حاكم من عالمٍ آخر؟
‘ما زال صامدًا؟’
كان مشهد النار و الجليد المنهمرين من السماء مروّعًا حتّى في عينيّ، و مع ذلك لم نتمكّن من إسقاط هانويل رغم وابل الهجمات العنيف.
مع أنّنا جميعًا، أنا و كايسيس و هانويل، كنّا في حالةٍ يرثى لها.
‘إن استمرّ الأمر هكذا.’
سينتهي بنا الحال جميعًا إلى الموت.
[الوقت المتبقّي: 00:32:12]
لم يتبقَّ وقتٌ يُذكر حقًّا.
* * *
كان كايسيس يكبت غضبه المتفجّر وهو يرى هيلاريا تتقيّأ الدم.
عقله البارد كان يحذّره من أنّ الأمور تسير في اتّجاهٍ سيّئ.
‘حجر العودة.’
لم يندم على استخدامه مع لوياس.
لكنّه تمنّى لو أنّ معجزةً كهذه يمكن أن تتكرّر مرّةً أخرى.
كان كايسيس واثقًا من قدرته على إنهاء هانويل، ذلك الشرير.
غير أنّه لم يستطع الجزم إن كان سيخرج حيًّا من ذلك.
لو هاجم و هو عازم على الموت معه، لتمكّن من إيذاء عدوٍّ تجاوز حدود البشر.
لكن لو أطلق قوّته بهذه الطريقة، فمن المؤكّد أنّ هيلاريا ستُصاب أيضًا.
‘ذلك الرجل لم يعد لا إنسانًا و لا وحشًا.’
كان يعلم ذلك بغريزته.
هانويل امتصّ قوّةً لا ينبغي له قبولها.
و هو عالق بتلك الدائرة السحريّة التي تبدو و كأنّها تنفث دمًا، غير قادر على مغادرة هذه البوّابة حتّى يموت.
و مع ذلك، كان يبتسم لهيلاريا و يتفوّه بتلك الكلمات المعسولة، و هو ما لم يكن مضحكًا على الإطلاق.
‘تعلّق ، جشع ، و في النهاية يريدها إلى جانبه فحسب.’
كان تذمّرًا خسيسًا، يطالبها بالبقاء في هذه البوّابة ككائنٍ لا هو إنسان و لا وحش و لا شيء.
‘و فوق ذلك، حتّى مثل هذا الشيء يحظى بشعبيّة…..’
الأمر الأكثر رعبًا أنّه حتّى كايسيس، وهو مستيقظ من خارج التصنيف، كاد أن يتزعزع ذهنيًّا قليلًا تحت تأثير صوت هانويل.
بينما هيلاريا، بسخريتها، أطلقت سحرها فورًا دون تردّد.
أليس ذلكَ مذهلًا؟
إلى حدّ أنّه جعله يفكّر بأنّه يجب إنقاذها مهما كان الثمن.
أطلق كايسيس أنفاسه ببطء.
العينان الحمراوان، اللتان لم تفقدا الأمل حتّى الآن، كانتا جميلتين.
تذكّر لحظات الماضي، حين كانت تكافح بيأسٍ لإنقاذه.
لذلك حاول ألّا يتجاوز الحدّ الأقصى الذي كبتـه طويلًا…
‘سيكون هذا الهجوم الأخير.’
سيتجاوز حدّ الانفلات.
و مع ذلك.
‘هيل، أريد أن أنقـذكِ.’
لهذا، لم يكن هناك خوف.
* * *
في خضمّ المواجهة المحتدمة، خفَتت نظرة هانويل فجأةً، فطأطأ رأسه ثمّ رفعه محدّقًا بي.
“ألا يمكنكِ أن تشفقي عليّ حقًّا؟”
لم يكن يبدو مجنونًا إلى هذا الحدّ في الأصل، لكنّ الختم حقًّا ليس أمرًا يُبرم باستخفاف.
كنتُ أدرك بوضوح، من خلال هذه المعركة، أنّني أصبحت نقطة ضعفه.
كانت تلك القوّة و هانويل متّصلين ذهنيًّا.
و مجرّد وجودي أمامه كان يحرّك اضطرابه الذهنيّ.
بسبب الختم الناقص.
‘لوسي، أيتها القطّة الماكرة.’
لهذا، أدخل النظام هانويل قسرًا ضمن طرف الارتباط الجزئي.
مع أنّه كان هناك تفسير يقول إنّ ذلك ضروريّ للحفاظ على وجودي.
“مملّ. أنـتِ مملّة حين لا تنظرين إليّ.”
هل كان ذلك فراغًا خاطفًا؟
في اللحظة التي حرّكتُ فيها شفتيّ لأردّ، شقّ هواءٌ باردٌ الأجواء.
رغم أنّنا كنّا جميعًا مرهقين إلى حدٍّ يثير الدهشة لأنّنا ما زلنا واقفين، انطلقت برودةٌ هائلة، كأنّها جاءت من العدم.
عمودٌ جليديّ هائل، قادر على تجميد الأرض و الهواء، اندفع ليصيب هانويل مباشرةً.
ثمّ.
بووخ─
“آه.”
اخترقـه.
‘هل نجح الهجوم؟’
على عكس توقّعي بأنّه سيصمد، تلقّى هانويل الضربة بسهولة.
كأنّه، كما قال قبل قليل إنّ الأمر مملّ، قد سئم هذه المواجهة و ترك الهجوم يصيبه.
“يا سموّ الدّوقة.”
“…….”
“إن لم تنسي هذه اللحظة أبدًا.”
بينما كام يتقيّأ دمًا أسود، كان نظر هانويل موجّهًا نحوي، لا نحو كايسيس الذي هاجمه.
“فذلك لا بأس به.”
هل من الآمن أن يستخدم كايسيس تلك القوّة؟
كبتُّ قلقي و أنا أراقب النقش عند قدمي هانويل يضعف تدريجيًّا.
لا شكّ أنّ هذه كلماته الأخيرة.
‘و مع ذلك، لا أنوي أن أريحه.’
اقتربتُ منه بوجهٍ بارد و نظرةٍ قاسية.
و عندما تقلّصت المسافة، أزعجتني عيناه اللتان تلألأتا فرحًا.
“لا.”
حدّقتُ مباشرةً في عينيه اللتين كان الاحمرار يزول عنهما عائدتين إلى الفضّيّ.
“من هذه اللحظة فصاعدًا، لن أفكّر بـكَ و لو بمقدار ذرة.”
في تلك اللحظة، رنّ التنبيه المنتظر.
[تـمّ بنجاح القضاء على هانويل!]
“حقًّا، أنـتِ قاسية حتّى النهاية.”
[الوقت المتبقّي: 00:02:11]
“لكن، يا سموّ الدّوقة.”
ابتسم الرجل المتفتّت إلى غبارٍ ابتسامةً باردة.
“كيف ستكون حالة مستيقظكِ الثمين؟”
و أشار بعينيه بخبثٍ إلى شخصٍ يقف خلفي بهدوء.
“سيدخل في حالة انفجار قريبًا.”
كأنّها لعنة أخيرة.
“هل ستتمكّنين من إخراج ذلكَ الوحش سالمًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 173"