و بما أنّ حالته لم تستقر بعد بالكامل، فلا بدّ أنّه كان يعاني ألمًا شديدًا.
“إنه شعور غريب و محيّر.”
“ما الذي تجدينه غريبًا؟”
كان الأمر مؤسفًا، لكن لم يكن بالإمكان خفض المؤشّر أكثر بقبلة فقط.
كان الأمر سيتطلّب ما هو اكثر من ذلك.
لكن لم يكن هناك وقت.
لم أستطع أن أقول ذلك، فاكتفيت بتحريك شفتيّ بتردّد، ثم انتهى بي الأمر إلى الابتسام و أنا أغيّر الموضوع.
“……كنتُ أتخيّل دائمًا أنّ هذا اللحظة، إن أتت، ستكون الأسوأ على الإطلاق، لكن في كلّ تلكَ التخيلات لم تكن هناك مرّة واحدة قد فكرتُ فيها أنكَ ستتجاوز الأمر بلا اكتراث.”
ليت هذا الوقت يدوم إلى الأبد.
لو استمرّ هذا السلام بلا نهاية، كم سيكون رائعًا.
“هيلاريا.”
“……نعم، جلالتكَ.”
مدّ يده و لمس برفق زاوية عيني.
و مع اقتراب انتهاء الإرشاد تدريجيًا، لا بدّ أنّ لون عينيّ كان يعود إلى لونه الأحمر الأصلي.
“تغيّر لون العينين هكذا، أليس غريبًا فعلًا؟”
تمتمتُ مبتسمة بخجل، فانفجر ضاحكًا.
“حتى انـتِ تخجلين أيضًا؟”
“لا تسخر منّي.”
“كح.”
“جلالتكَ!”
عندما عقدتُ حاجبيّ بشدّة أمام مزاح كايسيس المعتاد، نهض قليلًا، ثم قرّب شفتيه من أذني و همس.
“غريب؟ لا. سواء كانت ذهبيّة أم حمراء، فكلاهما غامض و جميل.”
آه، هل كان يجب أن يقولها بهذه الطريقة…؟
حين أظهرتُ انزعاجي و بدأت أفرك أذني بقوّة، ضحك مجددًا.
‘أيّها الكاذب.’
حتى وإن لم أكن مستيقظة، فإنّ القيم لوحدها كانت كافية لتقول كلّ شيء.
حتى في هذه اللحظات التي يضحك و يمزح فيها، لا بدّ أنّه كان يشعر بالألم.
القيمة التي انخفضت بالكاد إلى ضوء التحذير البرتقالي كانت تحذّر من أنّه ليس في حالة تسمح له باستخدام قدراته بشكلٍ كامل.
كنت أعرف ذلك غريزيًا.
و أعرف السّبب أيضًا.
‘لأنني لستُ موسومة بالكامل.’
اتباعًا لأوامر النظام، كنتُ قد تقاسمتُ ختمًا او وسمّا ناقصًا مع أردييل، و ديكاردو، و كايسيس، و كذلك هانويل.
و لهذا، لا أستطيع أن أوجّهه بالكامل بعد أن تجاوز خطرًا كبيرًا واحدًا.
‘و لو أردتُ إرشادًا أكثر من هذا، فبالتأكيد سيكون كما في ذلك الوقت.’
كما حدث عندما عالجتُ كايسيس، الذي كان على وشك الانفجار، بعد فترة قصيرة من استحواذي على هذا الجسد.
و هنا، ذلك مستحيل.
و كان عليّ أن أتحرّك الآن.
إن لم أتعامل مع هانويل ضمن الوقت المتبقّي، فستفشل المهمّة الرئيسيّة.
و ماذا سيحدث بعدها؟
إن انتهى الأمر بموتي فقط، فسيكون ذلك رحمة.
بينما كانت المخاوف تتلبّد كسحبٍ سوداء في رأسي، لمس خدي برفق.
رفعتُ بصري بفزع، فرأيتُه يحدّق بي بتعبيرٍ جاد.
“ما الأمر؟”
“…….”
“أعلم أنّكِ لا تتحدّثين كثيرًا.”
“……”
“لكنني كنتُ أريد دائمًا أن أحمل العبء معكِ. حين كنتُ أتساءل إن كان هناك أمر أستطيع مساعدتكِ فيه، كنتِ بدل أن تطلبي، تنظرين إلى الفراغ هكذا. ثم تتحرّكين على مضض و كأنكِ مُكرهة، أو تتألّمين. هل هناك شيء يقيّدكِ حتّى الآن؟”
حين نظرتُ إلى عينيه اللتين واجهتاني بصمت، شعرتُ بدفءٍ يغمر قلبي.
كان يفكّر بي دائمًا.
و كان يعرف، و مع ذلك غضّ الطرف عن الكثير من الأمور.
ربما ظنّ أنّ عقلي اضطرب، أو أنّني أصبتُ بفقدان الذاكرة؟
لذلك كان يحذر مني في البداية، ثم في لحظةٍ ما بدأ يراني كما أنا.
لا كدوقة آرييل التي كان يعرفها، بل كـ”أنا” الحالية.
أمام شخصٍ كهذا، لم أعـد أرغب في الاختباء.
“هناك مشكلة.”
“ما هي؟”
“أنـتَ تشعر بها بالفعل. جسدكَ الآن ليس طبيعيًا. لقد فاتني الوقت الذي كان خطيرًا عليكَ. و لهذا، لا أستطيع علاجك علاجًا كاملًا هنا. و السبب هو….”
عضضتُ شفتي و اعترفت.
“السبب هو أنا. ختمنا غير مكتمل. و لهذا….”
على الرغم من اقتراب نسبة التوافق من المئة، لم يعد بالإمكان خفض المؤشّر أكثر عبر مجرّد تلامس الشفاه.
و بينما كنتُ على وشك إكمال الشرح، قال الرجل مبتسمًا ابتسامة خفيفة.
“أعلم. أعلم أنّكِ عقدتِ وسمًا مع غيري أيضًا.”
“……!”
ماذا؟
هل يعرف هذا أيضًا؟
إلى أيّ حدّ يعرف بالضبط ؟
حدّقتُ فيه فاغرة فمي بدهشة و ذهول، فضرب بطرف إصبعه شفتي مازحًا، و كأنّه يطلب منّي إغلاقهما.
“نعم، ها هي الجشعة التي تجرّأت على اتخاذ الإمبراطور مستيقِظًا لها، ثم ربطت آخرين أيضًا.”
ارتبكتُ بشدّة.
ما الذي يقوله هذا الرجل الآن؟
“انتظر لحظة. إن كنتَ تعرف كلّ شيء، فلا تمزح و فسّر الأمر بوضوح……”
“لكن، هيلاريا. من الآن فصاعدًا، لا.”
“…….”
في تلك اللحظة، تحوّل كايسيس، الذي كان هادئًا على نحوٍ غريب طوال الوقت، إلى نظرة باردة قليلًا.
كان صوته الحازم كأنّه يقبض على قلبي.
صوت مستيقِظٍ غارق في الحرارة، كأنّه يطلب أن يُنظر إليه وحده.
“بما أنّني عرفتُ مَـنٔ أنـتِ، فلا مجال لذلك بعد الآن.”
كان هذا تحذيرًا بألّا أتجرّأ على ملامسة مستيقِظٍ آخر و هو موجود.
“عندما نخرج سالمين، سأجعلكِ تقطعين رابطتكِ مع البقيّة جميعًا، فلا تقلقي. عليكِ أن توجّهيني أنا فقط.”
“هل هذا…. ما تريده؟”
“أريده.”
أحرقتني رغبة التملّك الواضحة في أطراف أصابعي.
“انظري إليّ وحدي، و تحمّلي مسؤوليتي وحدي.”
لم يكن شعورًا سيئًا.
و بشكلٍ مخجل، شعرتُ بالرضا.
“هذه الرغبة ليست لأنّكِ مرشدتي و أنا مستيقظكِ فقط. أنـتِ تعرفين ذلك، أليس كذلك، هيلاريا.”
“…كايسيس.”
“نعم.”
حين أدركتُ أنّه يرغب في أن أكون له وحده كما أرغب أنا في أسره ليكون ملكي، ألصق جبهته بجبهتي و همس بصوتٍ يشبه الزفير.
“أحبّـكِ.”
مع صوته الناعم، سخنت عيناي.
كان قلبي يخفق بجنون.
ابتسم. أحلى من أيّ وقتٍ مضى، بشكلٍ ناعم كالشوكولاتة.
“أنا أحبّـكِ، هيلاريا.”
“……”
“و أنـتِ؟”
كان الوقت ينفذ منا و هذا ما كان يخيفني.
“…أنا أيضًا، أحبّـكَ. ليس لأنكَ مستيقظي، بل لأنكَ الشخص الذي شاركني لياليّ الصعبة. الشخص الذي أستطيع أن أستعدّ للموت معه. أحبّـكَ لدرجة أنّني أودّ البكاء.”
النظام، الذي لا يراه أحد سواي، كان يطلق تحذيرًا.
[لم يتبقّ وقتٌ طويل.
تمّ الوصول إلى مستوى الاستقرار الأوّلي.
تحرّكي فورًا.
إن أردتِ الوصول إلى مكان هانويل، تحقّقي من موقع الخريطة.
يجب إيقافه!]
أعلم.
أعلم ذلك.
“هذا يكفي.”
“كايسيس.”
تركَني.
ابتسم و هو يغمز بعينٍ واحدة، و قال بلا تردّد.
“ليس لدينا وقت، أليس كذلك؟”
“……نعم.”
“حسنًا. ذلك الرجل هو سيّد هذا المكان. قد يكون يراقب كلّ شيء.”
هانويل.
“و هو ينتظر مجيئكِ بجرأة ، يا هيل.”
كان كايسيس قد أدرك أنّ عدوّنا لا يزال حيًّا، و أنّه يجب علينا إنهاء هذه البوّابة.
عندها فقط يمكننا الخروج بأمان.
حماية الجميع في الخارج، و حماية وقتنا، و أيامنا القادمة.
“انهضي، هيل.”
دون الحاجة إلى الكثير من الكلمات، قرّر كايسيس بسرعة كعادته في فهم المواقف.
نهض و مـدّ يده إليّ.
تحرّكت شفتي.
أردتُ أن أقول له إنّه لم يكتمل بعد، و أن عليه أن يستريح هنا بينما أتعامل أنا مع هانويل.
لكن.
‘لم يتبقّ لي الكثير من فرص استخدام السحر أيضًا.’
كنتُ بحاجة إليه.
عضضتُ شفتي بقوّة و أمسكتُ يده و نهضت.
بلا شكّ، كان الوضع غير مواتٍ.
و قد نضطرّ إلى افتراض الأسوأ.
لكن لماذا؟
‘هل لأنّه أنـتَ، كايسيس.’
بطل هذا العالم.
شخص يلمع ببريقٍ ساطع.
والشخص الذي أحبّه وأريد أن أبقى معه إلى الأبد.
‘معـكَ.’
إن كنتُ مع هذا الرجل، فربّما أستطيع أنا أيضًا الوصول إلى نهايةٍ سعيدة.
* * *
ابتسم هانويل و هو يبتلع قسرًا الدمّ ذي الرائحة الزنخة.
كان يشعر بوضوحٍ تام و كأنّ طاقات هذه البوّابة كلّها في كفّ يده.
“يا جلالة الإمبراطور، لقد نجوتَ بعناد.”
كان هناك وهجان قويّان، أحدهما بارد، و الآخر حار.
كايسيس، و هيلاريا.
الشخصان اللذان قادهما سيصلان إلى هنا.
“ليقتلاني.”
لكنّه لم يكن ليُقتل بسهولة.
كم من الأشياء تجاهلها و انتظر من أجل أن يحظى بمتعة هذه اللحظة.
كان هناك حجر يطنّ بضجيج.
و فوق حجرٍ عريض يشبه مذبح صلاة، كان هناك نقش مرسوم بدمٍ لزج لم يجفّ بعد.
حين يُقدَّم القربان الذي يريده حاكمه العظيم هناك.
هيلاريا.
حين يُقدَّم الجزء الذي اختاره حاكم هذا العالم.
“سينتهي هذا العالم.”
سيهبط حاكمهم العظيم، ليسيطر على هذا المكان بالكامل، و يمنحهم مجدًا عظيمًا.
لكن لماذا؟
لماذا لم يعد هذا الخيار يلمع بسحرٍ أخّاذ كما في السابق؟
هانويل، نافذة التواصل الوحيدة المتبقّية مع الحاكم العظيم، أعاد التفكير في ذلك و ابتسم ببطء.
حتّى النهاية ، أراد أن تكون تلك المرأة أمام عينيه .
بدل أن تسقط قربانًا فوق ذلك الرسم، معـه هو……
“ماذا أفعل، أيّها الحاكم.”
لم أعـد أريد أن أتركها.
في عينيه الفضّيتين اللتين كانتا تلمعان بخفوت، استقرّ عنادٌ مريب.
التعليقات لهذا الفصل " 171"