مع أنّني بالكاد أخدمت الخطر الآنيّ، كان لا يزال من المفترض أنّه غير قادر على الحركة، لكن كايسيس مـدّ يده بعناد و مسح خدّي.
ما الذي تعنيه دموعي أصلًا؟
“أنا… أنا هيل خاصّتكَ. أليس هذا مُدهشًا، يا صاحب الجلالة؟”
كانت حقيقةً لفظتُها بكامل إرادتي.
هنا، في هذا المكان، تكمن الحرّيّة الحقيقيّة.
كنت أستطيع أن أتكلّم كما أشاء، و أن أصل إليه.
و كان بإمكاني، بوصفي مرشدة، أن أُعالج المستيقظ الذي وُسِمتُ به.
كان شعورًا غريبًا؛ مُريحًا و في الوقت نفسه مُرًّا قليلًا.
أمسكتُ بقوّة يدَ الرجل الذي مسح دموعي.
“جلالتكَ.”
كانت دافئة.
إنّه الدفء الذي لم أستطع الإمساك به يومًا حقًّا حين كنتُ في هيئة الدّوقة آرييل.
على الرغم من أنّ العروق القرمزيّة الداكنة التي صعدت على طول عنقه ما تزال واضحة، ما يعني أنّ ألمه مستمرّ، ابتسم كايسيس ابتسامة خفيفة و أطبق عينيه قليلًا و هو ينظر إلى اليدين المتلامستين.
لا بدّ أنّه يشعر الآن بوضوح بقوّة مرشدته.
كان قلبي يخفق بعنف.
“…لماذا.”
لم أُخـفِ شيئًا، و كانت عيناي، و أنا أستخدم القوّة، لا بدّ أنّهما تتلألآن بلونٍ ذهبيٍّ صريح.
و مع ذلك، كان لا يزال لطيفًا معي.
“لماذا لستَ متفاجئًا؟”
كلّ شيء لا بدّ أنّه يبدو غريبًا.
“و لماذا لا تُدينني؟ لقد عرفتَ كلّ شيء، أليس كذلك؟ لا بدّ أنّك تشعر به الآن.”
أن يكون خصمًا يُشبه العدوّ قد خدعكَ طوال هذا الوقت و أبقاكَ حيًّا، لا بدّ أنّه أمر عجيب.
“جلالتكَ، لقد خدعتُكَ طوال الوقت.”
أطلق زفيرًا بطيئًا عميقًا على حين فجأة، ثمّ همس بصوتٍ ناعمٍ حلو، كما لو كان يُهدّئ طفلة ملحّة.
“لا، لقد أنقذتِني.”
سخرتُ بخفّة.
“لقد خدعتُكَ متظاهرةً بأنّي لا أعرف شيئًا. هل نسيتَ رهاننا؟ كنتُ أعرف كلّ شيء، و أنا…”
“لا. أنـتِ كنـتِ دائمًا تُنقذينني.”
“…..”
“هذا لن يتغيّر.”
كان من المفترض أن تشعر بالدهشة و بالخيانة، لكن لماذا تستطيع أن تبتسم و أنتَ تنظر إلى ما أنا عليه الآن؟
“لذا، لا تبكي.”
“…أنا لا أبـكِ.”
لمست يده، التي بدت أقلّ وهنًا من ذي قبل، خدّي مرّةً أخرى.
مسح دموعي برفقٍ عابر.
انسحب نفسٌ متقطّع.
و بعيدًا عن حالة الذهول، كنتُ… كنتُ سعيدةً جدًّا.
“لماذا تبكين رغمَ أنّني أُهدّئكِ؟ هل أنا مَنٔ جعلكِ تبكين؟”
لأنّ حقيقة أنّه ينظر إليّ الآن من دون أن يفزع، و أنّني أنا أيضًا لم أُرفَض من قبله، كانت جميلةً إلى حدٍّ لا يُصدَّق.
كأنّها حلم.
“لا تبكي، يا هيل خاصّتـي.”
بقوّة جذب لطيفة اقتربت المسافة بيننا أكثر.
“…جلالتكَ.”
“نعم.”
“هل أنتَ بخير حقًّا؟”
“بخير من أيّ ناحية؟”
لو تحرّكنا قليلًا فقط، لصرنا على مسافة قبلة، كما حين تشابكت أنفاسنا بلا وعي قبل قليل.
كانت الأنفاس حارّة ، و كذلك المعصم الذي أمسك به، كأنّه يشتعل.
“هل أنا حقًّا مقبولة، أنا تحديدًا؟”
نفضتُ اليد الممسوكة، و تجرّأتُ على الإمساك بياقة الإمبراطور.
كانت انحناءة عينيه الطفيفة، و كأنّه يجد الموقف ممتعًا، مثيرة للغيظ.
كيف يمكنكَ، حتّى في مثل هذه اللحظات، أن تكون هادئا إلى هذا الحدّ؟
“أعني، هل لا بأس أن تكون سيّدة البرج السحريّ التي كنتَ تمقتها و تكرهها، هي شريكتكَ التي ظللتَ تبحث عنها؟”
* * *
لم يسبق أن رأى هيلاريا بهذا القدر من انعدام الثقة.
وسط الألم المروّع الذي بدا و كأنّه يُحطّم جسده كلّه، كان المشهد الماثل أمام عينيه لطيفًا إلى درجة اختناق الأنفاس.
‘كنـتِ أصلًا شخصًا يملك مثل هذا التعبير و هذا البريق في العينين.’
لم يكن وجه أحد أعمدة الإمبراطوريّة، بل هيلاريا على حقيقتها، كما هي.
كانت الدموع ساخنةً شفّافة، و نظرتها الأسيرة للخوف ترتجف بصدق.
و مع ذلك، و من خلال الجلد المتلامس كما لو أنّها لن تتركه أبدًا، كانت قوّة المرشدة الجبّارة تتدفّق.
كانت تضحيةً قويّة، كأنّها ستُذيب و تُزيل كلّ الألم الخانق.
‘لو واصلتِ صبّ القوّة بهذه الوتيرة، فستتعبين أنتِ أيضًا.’
لم يقرأ مثل هذا اليأس قطّ في أيّ مرشدة.
فمرشدة الإمبراطور منصبٌ مُشرّف، لكنّه في الوقت ذاته منصبٌ مُخيف، و لذلك كان كلّ مَنٔ يقترب منه يتوجّس و يتألّم.
لهذا كانت كلّ لحظات كايسيس المُرضية كمستيقظ مرتبطةً بهيلاريا.
أوّل مَنٔ قام بـ”إرشاده” و أدخله في حالةٍ راحة كانت هيلاريا.
و أوّل مَنٔ أطلق قوّته بيأسٍ لإنقاذه كانت هي أيضًا.
و أوّل مرشدة ركضت داخل البوّابة، و قاتلت، و تحركت بلا خوف وهي تقول إنّها ستنقذه، كانت هي.
و أخيرًا، أوّل مرشدة أسرت قلبه و سرقته و ارتبطت به بختم، كانت هي.
كلّ شيء حولها كان الأوّل.
كان لديه جبل من الكلمات، لكن لم يكن هناك وقت.
لا بدّ أنّ الأمر كذلك.
فجسده لم يكن قد شُفي تمامًا بعد، و لم يكن بإمكانهما مواصلة الإرشاد أكثر من ذلك.
رفع كايسيس جسده قليلًا، فوجدت هيلاريا، التي كانت فوقه شبه جالسة، نفسها فجأةً على ركبتيه، و وسّعت عينيها و هي مندهشة.
لقد بكيتِ كثيرًا.
“هيل.”
بدلًا من كلّ ذلكَ الشرح التي لا يستطيع التفوّه به الآن، راح يُداعب خدّيها المحمرّين مرارًا.
مسح دموعها، و مسّد خدّها الأملس برفق، و تلاقى نظرهما بعمق.
أحبّـكِ.
ليت هذه الكلمات تصل.
ليتها لا تشعر بالقلق.
‘كيف أمكنكِ أن تظنّي أنّي قد أُدير ظهري لكِ؟’
لقد مضى وقت طويل منذ أن توقّف انزعاجه من هيلاريا سيّدة البرج السحريّ.
و مع ذلك، كان قد جمع الأعذار كلّها على غير عادته ليستدعيها، و يُطعمها، و يُريها أشياء جميلة، ثمّ تنفّس متنهّدًا متسائلًا إن كان كلّ ذلك بلا جدوى، قبل أن يبتسم لأنّ هذا يشبه هيلاريا البسيطة نوعًا ما.
“كنتُ خائفة.”
بدت شقيّـةً و هي تُخرج الكلمات مع زفيرٍ كبير، و كان منظرها مُثيرًا للشفقة.
“كان الأمر مؤلمًا لأنّي لم أستطع الكلام.”
شدّها كايسيس إليه و ألصق جبهته بجبهتها.
“أعرف. أعرف أنّكِ كنتِ كذلك.”
و حتّى في هذه الأثناء، لم تنسَ جعل قوّة المرشدة تتدفّق بقوّة.
“حتّى في لحظات العذاب، كنتِ تُنقذينني دائمًا.”
كان شعورًا لطيفًا و دافئًا إلى حدٍّ لا يستطيع معه إخفاء تنهيدةٍ مُمتعة.
و لو كانت لقوّة المرشدة نكهةٌ و رائحة، لكانت حلوةً ناعمةً زكيّة، و قد ابتلعها كايسيس متلذّذًا، و همس و هو يلفّ ذراعيه حول خصرها كي لا تفلت منه.
“كنتُ أشعر بذلك. بأنّ لديكِ سببًا لعدم قول الحقيقة.”
راح يُحدّق في عينيها الذهبيّتين المتذبذبتين منذ قليل كأنّه يحاول إغوائهما.
“مرشدتي.”
“…جلالتكَ.”
“لستُ أحمق إلى درجة ألا أتعرف عليكِ و أنتِ أمامي مباشرةً. نحن… متّصلان.”
“…..”
“أنا أعرف ذلك.”
و أمام إصرار نظراته، اعترفت هيلاريا أخيرًا بعلاقتهما.
و مع ضحكةٍ خفيفة كنسمة، انهمرت دموعها مرّةً أخرى.
“نعم، جلالتكَ. كايسيس، لقد اعتنيتُ بكَ طوال الوقت و أنقذتكَ في النهاية. كايسيس، أنـتَ…”
“نعم.”
“…المستيقظ خاصّتـي.”
استمتع بنشوة اللحظة التي لفّ فيها الضوء الذهبيّ جسده، و اللحظة التي واجهه فيها القلب المتّصل به مباشرةً، و اللحظة التي تدفّقت فيها قوّة المرشدة عبر رابط الأرواح لتحتضنه و تُعالجه.
“نعم. أنا ملكـكِ”
“…لم أتخيّل قطّ أنّ الأمر سيمرّ بهذه السلاسة.”
“حقًّا؟”
“جلالتك، أنتَ شخص غريب فعلًا.”
ابتسمت هيلاريا ابتسامةً عريضة.
“لقد وجدنا بعضنا.”
نعم هذه هي.
هيلاريا.
“إذًا، مَنٔ الذي فاز برهاننا؟ أنـتَ أم أنا؟”
كانت مرشدته، التي لا تُخفي شيئًا.
آه، حقًّا.
لم يستطع كايسيس التحمّل.
كيف يُطلب منه أن يبقى ساكنًا أمام شريكةٍ تبتسم بهذا القدر من الجاذبيّة؟
مدّ يده و جذبها إليه. و بما أنّ تبادل القوّة قائم على أيّ حال، فهذه الطريقة أفضل.
أمام الوجه الذي اقترب، أمال رأسه بإغواء.
“هيل. ذلك الإرشاد.”
“…كيف تعرف تلك الكلمة؟”
لاحظ أنّ عينيها الذهبيّتين قد اشتدّ لونهما وهي تحدّق به بدهشة.
كان مزيج الشكّ و الذهول و الصدمة ممتعًا، لكن.
“هناك لحظات لا تتذكّرينها… لكن هذا ليس المهمّ الآن، يا هيل.”
“ما المهمّ إذًا…؟”
“إن كنـتِ ستُعالجينني.”
همس بصوتٍ منخفضٍ واثق، معتمدًا على الوجه الذي كانت تحبّـه دائمًا.
“فالقبلة أفضل.”
“آه، ما حدث قبل قليل!”
“قبّلينـي.”
“…..”
“هممم؟”
و أمام احمرار وجهها السريع، ضمّ شفتيه.
و بعد مرور ثوانٍ قليلة، شُدّت الياقة التي كانت هيلاريا لا تزال تمسك بها بخفة.
و كأنّ الكلام لم يعد ضروريًّا، اختلطت أنفاسهما.
لا، بل اتّحدا بحرارةٍ أفقدتهما القدرة على استعادة الوعي.
التعليقات لهذا الفصل " 170"