السحر الذي ادّخره قد نفد، و خيارُه الأخير، سحرُ الانتقال، فشل.
حين اهتزّت عيناه اللتان ظلّتا ثابتتين على غير عادة الأطفال، أطلق الأشخاص الذين استلّوا سيوفهم ضحكاتٍ وحشيّة.
“أيّها الأمير الصغير، أنتَ في النهاية مجرّد رهينة. كنّا سنحبسكَ بهدوء تنفيذًا لأمر ذلك السيّد، لكنّك حوّلت بوّابتنا إلى فوضى كهذه، لهذا عليكَ أن تستعدّ!”
“أتدري كم من رفاقنا سقطوا بيديك؟ لن تنال موتًا سهلًا أبدًا!”
و مع تصاعد التهديد، سرت هالةٌ مشؤومة في المكان.
كان لوياس يشعر بها أيضًا.
إنّها نيّة القتل.
‘يبدو أنّني سأموت فعلًا.’
كلّ مَنٔ وُلد من العائلة الإمبراطوريّة يستعدّ للموت منذ صغره.
أن يُقتل يومًا على يد خصمٍ سياسيّ، أو يُغتال سرًّا دون أن يشعر أحد، أو يتعرض للتسميم.
“يا صغير، لا تلمنا كثيرًا!”
لكنّ الموقف الذي يجب على الأمير التحلّي به كان واضحًا.
ألّا ينهزم.
ألّا يضعف.
ألّا يتوسّل للحياة بالدموع.
‘لن أبكي أبدًا.’
تألّق السيف أمام عينيّ لوياس المتّسعتين.
و في تلك اللحظة.
─كوااااانغ!
دوّى انفجارٌ هائل، و معه صوتٌ كأنّ المكان يتمزّق من كلّ الجهات.
“كيف تجرؤون….”
“على محاولة إيذاء أثمن طفلٍ في الإمبراطوريّة؟”
كان جسد الصبيّ الصغير على وشك أن يُقذف للخلف، لكنّ يدًا قويّة أسندته.
بل كانتا يدين.
“لوياس.”
صوتٌ يمكنه الوثوق به، لا يرتجف حتّى في أشدّ اللحظات خطورة.
“أحسنتَ الصمود.”
كانا صوتَيّ الشخصين اللذين يحبّهما الأمير الصغير أكثر من أيّ أحد في العالم.
ما إن انقشع الغبار و سكنت الضوضاء، حتّى امتلأت عينا لوياس بدموعٍ ساخنة.
عينان زرقاوان صافيتان كسماءٍ ربيعيّة، و عينان حمراوان أشدّ توهّجًا و حرارةً من أيّ نار، كانتا أمامه.
انتفخ قلبه من شدّة التأثّر.
لهذا، ركض دونَ أن يعي ما يفعل، و تعلّق بركبة أخيه الإمبراطور.
ثمّ صرخ كما لو كان ينوح.
“أخي الإمبراطور!”
انهمرت الدموع على خدّيه الأبيضين.
“معلّمتي!”
لم يُدرك أنّه نطق اسميهما بصوتٍ صافٍ، متحرّرًا من ذلك القيد الذي ضغط روحه طوال تلك السنين.
كان سعيدًا إلى هذا الحدّ.
“ميااااااو!”
أطلقت القطّة، التي تفادت الموقف بخفّة، مواءً بدا و كأنّه ضحكة.
* * *
كانت لحظةً حرجة حقًّا.
ثانية واحدة.
لو تأخّرنا ثانية واحدة فقط، لكُنّا رأينا لوياس في مشهدٍ مروّع.
كان قلبي ما يزال يخفق بعنف، لكنّ كايسيس، رغم شحوب وجهه، لم يهتزّ خشية أن يقلق شقيقه، و كذلك أنا، لم أستطع أن أزرع القلق في قلب لوياس الذي كان ينظر إلينا بارتياح.
لكن……
‘لقد تكلّم.’
لقد تكلّم حقًّا.
تلميذي اللطيف، شقيقه العزيز.
“لوياس، أنتَ.”
الأمير الصغير، الجميل كدمية، كان يمتلك صوتًا صافِيًا عذبًا.
لم أكتشف ذلك إلّا الآن.
سخنت عينيّ ، فاضطررت أن أعضّ على داخل فمي.
“آآه، أخي الإمبراطور، أخي الإمبراطور. أ- أنا…”
“……”
“أنا…. أستطيع…أستطيع الكلام!”
تجمّدت ملامح كايسيس للحظة و هو ينظر إلى لوياس، الذي احمرّ وجهه و بكى.
آه، ماذا أفعل؟
‘يا له من طفلٍ لطيف، لطيف حقًّا!’
أردت أن أهدّئه فورًا، و أن أغمره بالمديح.
أردت أن أربّت عليه من رأسه حتّى قدميه و أخبره كم كان رائعًا.
لكنّ مواء لوسي أعادني إلى رشدي.
في اللحظة التي أطلقتُ فيها سحرًا يكاد يكون الأخير لديّ، حرّك كايسيس جسده الذي بلغ حدوده القصوى.
تلاقت نظراتنا.
“……”
“……”
و في الوقت نفسه، اجتاح النارُ و الجليدُ المكان مرّة أخرى.
كانت يد كايسيس الكبيرة تغطّي عينيّ لوياس.
“آآآآه!”
“غآآآه!”
“يا إلهي!”
تعالت الصرخات من كلّ صوب.
مرّت مشاهد قاسية، و بعد وقتٍ طويل، حلّ الصمت.
كان كايسيس يبدو شاحبًا.
أردت أن أندفع و أمسكه، لكنّه لم يسمح لنفسه أن يترنّح أمام شقيقه.
حين رفع يده عن وجه الطفل، ظهر وجهٌ مغمور بالدموع.
كان لوياس يبكي و يبتسم في آنٍ واحد.
كانت ابتسامته المؤثّرة موجعة للقلب.
“أ- أنا، أستطيع أن أتكلّم….”
شدّ كايسيس شقيقه إلى صدره بقوّة، و مسح رأسه الصغير مرارًا، مطلقًا زفرةً عميقة.
هو رجل لا يُظهر ضعفه أبدًا، لكنّ كمّ الارتياح الذي شعر به الآن كان واضحًا.
و أنا كذلك.
أخفيتُ ارتخاء ساقيّ عن الطفل، و ربّـتُّ على ظهره الصغير بلطف.
و في هذه الاثناء، لاحظتُ كيف استخدم السحر الذي أعطيته له بحرص، تاركًا الخراب حوله، فارتسمت ابتسامة على وجهي.
إنّه تلميذي فعلًا.
“أحسنت الصمود.”
رفع الأمير رأسه من حضن كايسيس و هو يشهق، و نظر إليّ.
في مثل هذه اللحظة، لم يكن هناك داعٍ لأن أبدو ببرود الدّوقة.
ابتسمتُ له ابتسامةً مشرقة، أظهرتُ فيها كلّ مشاعري.
مـدّ تلميذي الصغير يده، ممسكًا بطرف ثوبي بإحكام.
“ص- صمدتُ. أنا… هل أحسنت؟”
“نعم. لقد أحسنتَ كثيرًا.”
“الآن أستطيع…. أستطيع الكلام. سأصبح ساحرًا عظيمًا مثلكِ، يا معلّمتي.”
كان يتلعثم قليلًا، لكنّ صوته كان جميلًا.
و ثقته بأنّ الكلام وحده سيجعله ساحرًا عظيمًا كانت لطيفة إلى حدّ الإضحاك.
ابتسمتُ، و في اللحظة نفسها، دوى صوت النظام المألوف و المحبّب.
[تهانينا!
تمّ تحقيق الهدف الرئيسي، أنقِذوا لوياس.
─طاقة لوياس، 80/120
─حالة الأمير الحاليّة: أخي الإمبراطور، معلّمتي!]
لم أستطع أن أفرح بحرية.
فمهمّة هانويل الفرعيّة لم تُحسم بعد.
أخفيتُ قلقي و لمستُ خدّ الطفل.
كيف سنُخرجه من هنا؟
“هيلاريا.”
عندها، فكّ كايسيس شيئًا كان معلّقًا في عنقه و نظر إليّ.
ما إن رأيتُه على السلسلة الذهبيّة الطويلة حتّى تنفّستُ الصعداء.
ابتسمت عيناه الزرقاوان.
“أظنّ أنّ وقت استخدام هذا قد حان. هل تأذنين بذلك؟”
حجر العودة.
الأمل الذي صنعته ليكون حياته الاحتياطيّة أشرق في هذه اللحظة.
و قبل أن ينتظر إجابتي، علّقه فورًا في عنق لوياس.
“لوياس، استمع إلى أخيكَ. استخدم هذا و اخرج أوّلًا.”
اتّسعت عينا لوياس حيرةً و هو ينظر إلى أخيه ثمّ إليّ.
حين أومأتُ له، تشبّث بثوبينا بكلتا يديه.
“ل- لا! لا أريد الذهاب وحدي!”
آه، يبدو أنّ تلميذي عنيد أكثر ممّا توقّعت.
نظرنا أنا و كايسيس إليه دون أن نكفّ عن الابتسام.
لم أُبعد يديه عن ثوبي، بل وضعتُ يدي فوقهما و شددتُ القبضة.
“عليكَ أن تسمع كلام معلّمتكَ.”
“ل- لكن، لا أريد الذهاب وحدي….”
“كن طفلًا مطيعًا.”
مسحتُ دموعه و نظرتُ إلى كايسيس.
كان يعبس قليلًا و كأنّه يحسب أمرًا ما.
“هل تفكّر فيمن ترسله إليه؟”
كان لحجر العودة شرطٌ واحد، و هو تحديد نقطة الوصول، و قد تكون شخصًا أو شيئًا.
“سيروين.”
“…ماذا؟”
“أرسله إلى سيروين.”
نظرته الملحّة ذكّرتني بتلك الليلة، حين كان يطالبني بألّا ألمس أحدًا غيره أثناء الإرشاد.
كتمتُ ضحكتي بسعالٍ خفيف و أكملتُ الشرح.
“إنّه شخص موثوق. و سيكون في أكثر الأماكن أمانًا. أرسل لوياس إليه.”
ظننتُ أنّ جدالًا سيقع، لكنّه لم يتردّد.
عانق لوياس عناقًا قويًّا، ثمّ فعّل الحجر.
تشقّق الحجر المتلألئ، و تبعثرت أنواره، و معها اختفى لوياس أمام أعيننا كطيفٍ من نور.
[تمّ إخراج لوياس من البوّابة.
تمّ إكمال الهدف الرئيسي و بعض الأهداف الفرعيّة.
لم يتبقَّ سوى الهدف النهائي، و سيتمّ تعديل المهمّة.
─أوقِفوا الشرير الرئيسي، هانويل!
اقتليه، و دمّري قناة الاتصال مع <الحاكم الكاذب>.
عند إكمال الهدف الرئيسي الأخير، يمكن تحقيق الاندماج النهائي لشظيّة ????
نتمنّى لكم التوفيق.]
أخيرًا.
وصلنا إلى المهمّة الرئيسيّة الأخيرة، الكاملة.
وفي تلك اللحظة.
“كح!”
بصق الرجل الذي كان يقف إلى جانبي صامدًا ، دمًا أحمر قانيًا.
التعليقات لهذا الفصل " 167"