المرأة التي دخلت معه البوّابة لإنقاذ أخيه الأصغر، مرشدته، كلّ ما يخصّها……
“لماذا دخلتَ البوّابة؟ و لماذا تخلّيتَ عنّا؟ هل حياة سموّ الأميرِ أهمَّ منّا جميعًا؟”
“تخلَّ عن كلّ شيء، و تقبّل قوّة الحاكم العظيم!”
“ألستَ أقوى المستيقظين في الإمبراطوريّة؟”
كان هذا قلقًا في أعماق قلبه.
قلقًا مُخبَّأً في قلبٍ ظن أنّه لن يهتزّ، تجاه مَنٔ تركهم خلفه.
“لا. أنتم مزيّفون.”
تقدّم كايسيس إلى الأمام.
نفض الأيدي التي كانت تمسك به ببرود، خطوةً بعد خطوة.
“لستم أنتم.”
هيلاريا تنتظره.
كان عليه أن يخرج من هنا حتمًا، و يلتحق بها و ينقذ لوياس.
في تلك اللحظة، و كأنّ البوّابة لم يُعجبها ثباتُ كايسيس الذي لا يتزعزع، اهتزّ هواؤها المريب.
“كح.”
وكما هو حالُ بوّابات الهجوم الذهنيّ، تغيّر المشهد أمام عينيه في لحظة.
وجهٌ شاحب، و عينان قاسيتان، كابوسُه المألوف.
“أيها الأمير.”
والدتـه.
“لماذا لا تُطيع الكلام؟!”
اقتربت منه بلا رحمة، و أمسكت بياقة كايسيس، ثم همست وهي تبتسم ابتسامةً شرسة.
“استسلم. أليست القوّة هي الأهمّ بالنّسبة لكَ؟ إذا تقبَّلتَ هذه القوّة ستحصل على حياةٍ هانئة. استسلم!”
لا.
طعن كايسيس راحةَ يده بالجليد.
ومع الألم الذي اجتاحه، عاد وعيه في لحظة.
“حيل تافهة كهذه.”
لم تعد ظلال الماضي قادرةً على دفع قلبه إلى القلق.
و حين نفضها و تقدَّم، تغيّرت الرؤيا مرّةً أخرى.
ظهر منظر لوياس وهو يبكي بحرقة.
و هكذا، قليلًا قليلًا.
راحت الأوهام الملتصقة بإلحاح تهزّ عقله.
كأنّه يشبه شخصًا آخر، في مكانٍ ما، يتعرّض للتلاعب بالطريقة ذاتها.
و عندما دُفع وعيُه إلى حافّة الهاوية.
“جلالتكَ.”
وصل إلى مسامعه صوت الشخص الذي اتّخذه دليلًا لعقله.
و أمام عينيّ كايسيس، اللتين كانتا ترمشان ببطء، ظهرت شخصيّة بشعر أحمر و مدّت يدها.
“أنا هنا، جلالتكَ.”
عينان ذهبيّتان تحدّقان به بلا رمش، ملامح غريبة لا تنتمي لأهل الإمبراطوريّة، و عينان مستديرتان تشعّان بالذهب.
“أنا هيل خاصتكَ.”
كانت مرشدته التي طالما بحث عنها، تبتسم بلطفٍ و هي تمدّ يدها إليه.
كأنّها تدعوه للمجيء.
و كأنّ كلّ الألم سينتهي إن فعل ذلكَ.
* * *
يد كبير، يد تبعث على الاطمئنان.
شعور مروّع بالراحة، و كأنّ كلّ شيء سيغدو بخير ما إن تمسك بتلك اليد، ابتلع رأسها.
“أحسنتِ.”
وفي اللحظة التي همّـت فيها بأن تسلّم كلّ شيء ببطء لتلك اليد.
“هكذا.”
فتحتُ عينيها على اتّساعهما.
“هل ظننتَ أنّني سأقع في الفخّ؟”
فوووش—
انتشرت نيران حمراء داكنة بحرارة من اليد التي كانت على وشك أن تلامسها.
[يتمّ استخدامُ السحر، بخصمِ عدد المرّات.]
هووف، سخن الهواء.
“آه!”
تراجعت الصورة أمامي على عجل، و نظرتُ بحدّة إلى ذاك الذي تجرّأ على اتّخاذ هيئة كايسيس.
“أنـتَ، لا مجال للمقارنة.”
كانت عينا الرجل الذي يحدّق بي في الوهم الضبابي.
‘فضّيّتان.’
لم تكونا تلكَ العينين الزرقاوين العميقتين اللتين تُثيران الإعجاب من شدّة صفائهما، عينين كالجواهر.
“لسـتَ هو. اختـفِ.”
اهتزّ الوهم الذي كان متماسكًا بوضوح، و بدأ شكله يتغيّر.
[مرشّح ختمكِ موجود أمامك.]
ضغطَ اختناق على قلبي، كأنّ عشرة أعوام، بل مئة عام قد مرّت.
صرختُ و كأنّني أبصق دمًا.
“توقف عن هذه الحيل، هانويل!”
في تلك اللحظة، انفجر ضوء ذهبيّ من جسدي.
[يتمّ استخدامُ قوّة جزء من ???? . تتمّ مقاومة القوّة المزيفة.]
و في الوقت نفسه، انشقّ الوهم.
كأنّني كنتُ محاطةً بقشرة صلبة، بدأ الوعي الذي كان ضبابيًّا يصفو شيئًا فشيئًا.
اختفى الوجه المألوف، و ظهر أمامي رجل بشعر أزرق سماويّ، و عينين فضّيّتين، لا يستطيع إخفاء تعبيره المنزعج و كأنّ كرامته قد جُرحت.
“الدّوقة.”
الكاردينال المزيف. هانويل.
كان منظره مثيرًا للاهتمام وهو يتخلّى عن ابتسامته اللطيفة، كاشفًا عن تعبيرٍ مشوَّهٍ على سجيّته.
“كيف تمكّنتِ من الخروج؟ كان هذا المكان مخصَّصًا لكِ وحدكِ، فكيف كسرتِ الوهم بهذه السرعة؟”
مسحتُ شفتيّ بعنف، و قد احمرّتا من شدّة عضّي عليهما.
كان المشهد قد تغيّـر.
منظرٌ يشبه كهفًا مظلمًا، و عدوّ يحدّق بي باشمئزازٍ أمامي.
كيف خرجتُ؟
قهقهتُ بسخرية.
“لأنّه رخيص.”
“ماذا… قلـتِ؟”
كان تعبير وجهه المتشوّه من عدم تصديقه لما قلتُ واضحًا جدًّا.
نعم، لهذا الشخص، كان ذلك الوجه المحاصر على حافّة الهاوية أنسب بكثير من ابتسامته الوقحة المتكلّفة التي يضعها دائمًا.
“تزوير فاضح. مَـنْ الذي تجرؤ على تقليده؟”
“أيتها الدّوقة.”
“كيف تجرؤ على مقارنته بشخص آخر؟ “
“هيلاريا!”
“مَـنْ تظنّ نفسكَ لتطمع فيه؟”
كانت العينان اللتان تحدّقان بي مليئتين بالهوس، و الحماسة، و الرغبة، و الجنون.
“في هذا العالم، لا يوجد سوى كايسيس واحد.”
و مع ذلك، كانت هناك أيضًا عقدة نقص.
“و أنـتَ لا ترقى حتّى إلى ظلّه. هل فهمت؟”
كان واضحًا.
الشفاه المرتجفة.
“أيتها الدّوقة ، لقد تصرّفتُ معكِ بلطف. لكن هذا التصرّف وقح.”
كان صراعًا يائسًا ممّن لا يريد الاعتراف بأنّ متاهةَ الوهم قد تحطّمت على يديّ.
“تختطفُ تلميذي ثم تتحدّث عن الأدب؟ هذا يليق بكَ، أيّها المجنون.”
“هاه… هيلاريا، أنتِ تُصعّبين الأمر هكذا. نصفكِ الآخر لم يخرج بعد من متاهتي. ألستِ قلقة على حياته؟ بحركة إصبعٍ واحدة يمكنني قتله.”
“…..”
كان واثقًا أيضًا.
أنّ كايسيس سيكون مختلفًا.
“هل تثقين به، يا صاحبة السموّ؟”
“…….”
“تظنّين أنّه يملك عقلًا قويًّا مثلكِ؟ لا. ليس كذلك. ذلك الوحش ذو عقل هشّ.”
رأيتُ الثقة تعود إلى العينين الفضّيّتين اللتين فقدتا اتّزانهما للحظة.
“الإمبراطور، على عكسكِ، غارق بعمق. فالوحش الأقوى في العالم ليس بالضرورة قويّ العقل.”
“…..”
“تلميذكِ، و مستيقظكِ، كلاهما في قبضتي. متاهةُ الوهم لا يمكن الخروج منها إلّا إذا كسرها الاثنان معًا في الوقت نفسه. فماذا ستفعلين؟ ستتوسّلين إليّ لأُنقذه؟ أم أنكِ…”
و كأنّه فسّر صمتي على هواه، همس هانويل بابتسامةٍ ناعمة.
“سوف تستسلمين؟ أخبريني، يا هيلاريا. إن وافقتِ فقط، يمكننا أن نصبح في صفٍّ واحد.”
و بعبارة أدقّ، كان يهذي بهذا الهراء.
‘قال إنّها متاهةُ وهم لا تُكسر إلّا معًا.’
إذًا، ما الذي علي فعله هو.
“أستطيع أن أشعر بذلك. بخيط القدر الذي يربط بيني و بينكِ.”
يجب أن أُبقي ذهني صافيًا، و أنتظر بهدوء أن يكسر مستيقظي الوهم و يظهر.
“إذا اتّخذتِ قراركِ فقط، سيتغيّر الكثير. لا تثقي بقوّةٍ مزيفة كقوّة سيروين، و انظري إليّ.”
يكفي أن أُبقي ذلك المجنون المهووس بي مشغولًا.
“لا تمسكي بيد الإمبراطور، بل بيدي أنا. سأجعلكِ سعيدة. لن تضطري للقلق، و لا لإخفاء هويّتكِ الحقيقيّة. كمرشدتي، و كوعاءٍ لذلك السيّد، كوني إلى جانبي، هيلاريا.”
كان من الصعب تحمّل سماع هذا الهراء.
قهقهتُ باستهزاء.
“وفّـر هراءكَ السخيف.”
“هيلاريا؟”
فوووش،
ظهر رمح ناريّ واضح أمام عينيّ.
و عرضَ علي النظام أرقاما بشكلٍ باهت.
حتّى تنفد تلك الأرقام.
[يتمّ تعزيز الاتصال مع صاحبِ أقوى ختم.]
“سأريكَ سحرَ سيّدة السحرة.”
سيأتي كايسيس إليّ حتمًا.
[أنـتِ…. مَنٔ ستستدعينه.]
* * *
خفق قلبه بعنف.
المرأة التي تفهمه بالكامل. الثمينة و المحبوبة.
المرأةُ التي ارتدت قناع ‘هيل’، و ظهرت أمامه، و اقتحمت قدره.
هيل.
“جلالتكَ، سأجعلك مرتاحًا. انسَ كلّ شيء، و استسلم لهذه القوّة.”
في اللحظة التي لامست فيها يد المرأة البيضاء كتفه.
“أنـتِ.”
و في اللحظة التي انتشرت فيها تلك القوّة الضبابيّة، أمسك كايسيس معصمها بقوّة.
“تمثيلكِ.”
تلألأ بوضوح لون مختلف في العينين الزرقاوين اللتين كانتا تنتشران كضباب.
“سيّئ بشكلٍ مقزّز.”
تمتم و هو يبتسم ابتسامة شرسة.
“أنـتِ لا تصلين حتّى إلى كعبِ قدم هيل. ليلييتا رادايك.”
التعليقات لهذا الفصل " 163"