“جلالتكَ، لا يمكننا فرز جميع مَنٔ تناولوا الجرعات، و قد تبيّن أنّه إذا أمكنهم الاقتراب من الكاردينال للصّلاة، فإنّ عامّة سكّان العاصمة أيضًا كان بإمكانهم التعرّض لها بلا صعوبة.”
كان الجميع في حالة من الاضطراب لدرجة أنّهم لم يلاحظوا حتّى دخولي من الباب.
بالطّبع، باستثناء شخصٍ واحد.
الرّجل الواقف وحده بثباتٍ وسط الجنون المتفشّي كان الاستثناء.
تجاوزتُ أولئك الّذين كانوا يصرخون متوسّلين النّجدة، و توجّهتُ مباشرةً نحوه.
الشّخص الّذي كان أشبه بالدّعامة النّفسيّة، المعتاد على تعلّق الآخرين به و يأسهم الدّائم.
توجّهتُ إلى كايسيس، الّذي كان عليه دائمًا أن يصمد ويتحمّل لأنّه الأقوى.
“جلالة الإمبراطور.”
كان نظره الأزرق الجليديّ يبدو كما هو دائمًا، لكنّني استطعتُ أن ألحظ ذلك.
‘أنـتَ قلـق.’
و أمام عينيه الهادئتين كبحيرةٍ ساكنة، قلتُ بحزمٍ:
“علينا أن نجد لوِياس.”
“…..”
ساد الصّمت فجأة في المكان الصّاخب.
يبدو أنّهم أدركوا أخيرًا أنّ الرّجل الواقف أمامهم ليس فقط منقذهم، بل هو أيضًا رجل فقـدَ أخاه الأصغر.
و حين حدّقتُ فيهم بنظرةٍ حادّة كالصّقيع، رأيتُ بعضهم يُخفض رأسه خجلًا.
أطلقتُ ضحكةً ساخرة و أنا أنفض تلك النّظرات الّتي كانت تتشبّث بكايسيس كالعَلَق.
“أليس كذلك يا رفاق؟ لماذا تصرخون من أجل حياتكم وحدكم، لم يذكر أيٌّ منكم الأمير الصّغير المختطَف حتّى؟”
لكلّ أمرٍ أولويّاته.
“إن كنتم لا ترغبون في الموت.”
ما دام هانويل يريد منّي و من كايسيس دخول البوّابة، فلن ينفجر مَنٔ تناولوا العقاقير فجأة كقنابل.
“اصمتوا و اتّبعوا أوامر السّحرة.”
أومأتُ للسّحرة الّذين أبلوا بلاءً حسنًا، ثمّ حذّرتُ من على الدّائرة السّحريّة بنظرةٍ صارمة.
“لا تتحرّكوا من فوق الدّائرة السّحريّة، وبالأخصّ عائلة المرشدات، أنتم تعرفون ذلك جيّدًا.”
“م، ماذا تقصدين بهذا؟”
“ألستم تعلمون؟”
هل يُعقل أنّهم لم يشكّوا يومًا في هانويل؟
مستحيل.
ربّما في البداية، لكن ليس بعد ذلك.
ألم يكن سيّد تلك العائلة هو مَنٔ أجبر إيزوليت على تناول العقار؟
“ستُحاسَب كلّ عائلة على جرائمها و ستعاقَب بعد انتهاء كلّ شيء، لهذا انتظروا”
و بالطّبع، لم يرضخوا بسهولة.
“نحن، لم نكن نعلم شيئًا!”
“ألم تقف أناييل إلى جانبكِ؟ إذًا أيّتها الدّوقة، ليس لكِ الحقّ في أن….”
“اصمتوا جميعًا!”
في تلك اللّحظة، نهضت أناييل فجأة من مكانها و صرخت بأعلى صوتها.
و حين عـمّ الصّمت مرّةً أخرى، أدارت رأسها نحوي بعنف.
اقتربت منّي أناييل بعينين محمرّتين من شدّة حبس الدّموع، و أمسكت بيدي بقوّة.
“سعادة الدّوقة.”
بنفس النّظرة التي نظرت إليّ بها حين توسّلت من أجل حياتها داخل الكهف.
“إيزوليت أختي ماتت، هم مَنٔ قتلوها، لذلك….لا حاجة لكِ لسماع كلامهم، ركّزي على أمرٍ واحد فقط، أرجوكِ، أنقذي صاحب السّموّ الأمير، لا بدّ من إنقاذه.”
و كأنّها ترجوني ألّا أضيّع الوقت على الأشياء التافهة، فارتخت عضلات وجهي المتجمّدة.
أناييل كانت تعرف ما لا يعرفه أولئك.
و في لحظة ، ظهر أمامي نافذة إشعار النّظام الّتي لا أراها سواي.
[المهمّة الرّئيسيّة الأخيرة، دعوة العقل المدبّر تبدأ الآن.
بعد دخول البوّابة، أنقذي الأمير المختطَف لوِياس.
─ صحّة لوِياس: 120/120
─ الحالة الحاليّة للأمير: أين أنا؟
اقضي على أتباع القوّة المنحرفة.
<الأهداف الفرعيّة>
─ ليلييتا 0/1
─ هانويل 0/1
بعد الإتمام النّهائيّ، استرجاع قطعة ????
عند النّجاح: استقرار الرّوح
عند الفشل: نفي الرّوح]
أخيرًا، ظهرت المهمّة الأخيرة.
و بـدا أنّ لوِياس بخير.
نعم، أنا أصدّقكِ يا لوسي.
أخذتُ نفسًا عميقًا و نظّمت أفكاري، ثمّ نظرتُ إلى كايسيس مرّةً أخرى.
الرّجل الّذي كان متجمّدًا كالجليد فتح فمه أخيرًا بعد صمتٍ طويل.
“دوقة.”
كان صوته منخفضًا و ثقيلًا.
شعرتُ بوخزٍ في صدري.
“نعم، جلالتكَ.”
بدت عيناه الزّرقاوان و كأنّهما ميتتان على غير عادته.
“لا أحد يعلم ما الّذي ينتظرنا في الداخل.”
“أعلم.”
و اأنّ الرجل الذي لا يهتزّ عادةً كان يهتزّ الآن، كان عليّ أنا أن أبقى ثابتة.
“ما يريدونه هو أنـتِ و أنا فقط، قد يكون في الداخل وحش مرعب، أو سجن لا يمكن الخروج منه.”
“أعلم ذلك أيضًا.”
“و لوياس….”
لم يستطع كايسيس إكمال جملته، فأكملتُ أنا.
“لن يكون قد أُصيب بأذى.”
“…..”
“أقسم باسمي.”
رمش بعينيه الزّرقاوين ببطء.
بسببِ ذلك التّردّد الطّفيف، تحدثتُ بثقةٍ كأنّني أقطع ألمه.
“هل أنـتِ واثقة؟”
“نعم، هانويل، ذلك المجنون، كان يريد كسب ودّي.”
نظرتُ في عينيه طويلًا و ابتسمتُ ببرودة.
“وهو يعلم أنّ إيذاء تلميذي يعني نهاية كلّ شيء.”
شدّدتُ على كلماتي و أنا أُفرغ غضبي.
“لن يجرؤ على ذلك.”
كنتُ أؤمن بالنّظام، و بـلوسي الّتي كانت تعتبر لوِياس صديقها و تعتزّ به.
قطّتي السّمينة ستبذل كلّ قوّتها لحماية ذلك الطّفل، و تلميذي الذي يبدو ضعيفًا هو في الحقيقة أشجع طفلٍ في هذا العالم.
لقد خُطف وهو يحمل أداةً سحريّةً قادرة على تدمير قلعةٍ كاملة، لذلك سيكون بخير.
“ثـق بي، جلالتكَ.”
تلألقت مشاعر جديدة في عينيه الزّرقاوين.
تشقق الجليد ثمّ عاد أصلب من ذي قبل وهو يحدّق بي.
لكن لم يكن الجميع متّفقًا معنا.
“لا يجوز، جلالتكَ.”
فُتح الباب على عجل، و دخل أولئك الّذين لم يكونوا في قاعة الوليمة، أعمدة الإمبراطوريّة.
كانت وجوههم شاحبة مزرقة، و ارتفعت أصواتهم بانفعال.
“أقوى دعامتين في الإمبراطوريّة هما جلالتكَ و سموّ الدّوقة، ماذا سيحدث إن سقط الاثنان؟”
“ألم تفكّرا أنّ هذا بالضّبط ما يريدونه؟”
“نعم، لنبحث عن تلكَ المرأة هيل أوّلًا، ألن يكون أكثر أمانًا إن دخلتَ و معكَ المرشدة المختفية؟”
حتّى كايل، الّذي يُعرف بذراع الإمبراطور اليمنى، كان ينظر بوجهٍ متجهّم.
ومن تعابيره، كان واضحًا أنّه يعارض دخولنا نحن الاثنان.
ضاق صدري.
ليس لدينا وقت لهذا.
لكنّني كنتُ أفهم قلقهم أيضًا.
كنتُ على وشك أن أقرّر الخروج بالقوّة إن لم يستطع كايسيس ذلك.
و في تلك اللّحظة، تقدّم شخصٌ لم أتوقّعه.
“لا، يجب أن تذهب سيّدتي بنفسها.”
كان أردييل، أصغر سحرتي الّذي لم يكن يفعل شيئًا سوى الابتسام بلطف من قبل.
نظر إليّ نظرةً سريعة، و في عينيه تردّد طفيف.
لكنّه سرعان ما حدّق في النّبلاء بنظرةٍ حادّة و حازمة.
“لا أحد يستطيع منع سيّدتي إن أرادت ذلك، هل نسيتم ما الّذي طلبوه؟ إن لم نلبِّ طلبهم، فما الذي سيحدث؟ و إن سقط أقوى شخصين، فلن يستطيع أحد إيقافهم!”
“أنتَ مجرّد ساحرٍ صغير، ابتعد عن هذا الموقف الخطير!”
و في تلك اللّحظة—
امتدّت سيقان النّباتات لتلتفّ حول جدران القاعة و تغلقها تمامًا.
تقدّم رجل آخر أمام النّبلاء المصدومين، الفارس ديكاردو، و قال بصوتٍ بارد:
“لن يخرج أحد، و لن يدخل أحد، آراؤكم لا تهمّ، إن أراد جلالته و سموّ الدّوقة…”
توجّه نظره الصّلب كالصّخر نحوي و نحو كايسيس.
“فلا أحد يستطيع منع ذلك.”
لماذا شعرتُ أنّ في تلك العيون، في نظرات ديكاردو و أردييل نحوي، سرًّا لم أبـح به بعد؟
لم نتبادل الكلمات، لكن حين رأيتُهما يومئان برأسيهما، ابتسمتُ دون وعي.
لا بدّ أنّ لديهما الكثير من الأسئلة، لكنّهما سينتظران.
“إذًا، سيّدتي، عدوي سالمة و قومي بتحيتي عند عودتكِ.”
“أرجو أن تعودا أحياء معًا، جلالتكَ، سموّ الدّوقة.”
كنتُ أعلم ذلك.
التقت عيناي بعينيّ كايسيس.
“هيلاريا.”
“لنذهب.”
و في الوقت نفسه، ألقينا بأنفسنا دون تردّد داخل تلك البوّابة المشؤومة الّتي كانت لا تزال مفتوحة على مصرعيها.
التعليقات لهذا الفصل " 160"