و رأيتُ نبلاء عائلة المرشدات وهم يشيرون إليها بأصابعهم.
انحنت أناييل برأسها بصمت، ثمّ انفجرت صارخةً بعنف.
“أنتم مَنٔ قتلتم أختي!”
أعدتُ نظري إلى هانويل.
كان ينظر إلينا بعينين ممتلئتين بنشوةٍ كأنّ هذا المشهد يثير سعادته حدّ الموت.
‘نظرة متغطرسة.’
الآن فهمت.
منذُ البداية، كان يعلم كلّ شيء. هو فقط تظاهر بالجهل بينما يراقب ما يحدث.
كان يريد أن يرى كيف سنردّ أنا و كايسيس.
كمتفرّجٍ متعالٍ يحدّق من فوق رقعة شطرنج.
بالنّسبة له، كان ألم الآخرين و صراخهم متعةً خالصة.
‘لم يكن ينوي إنقاذ إيزوليت أو النبلاء أصلًا. أو ربّما…أراد استخدامهم كرهائن.’
أخذ النبلاء العاجزون عن الخروج من الدائرة السحريّة يتلوّون بجنون و يضغطون على أعناقهم بأيدي مرتجفة بينما يتفجّر الزبد من أفواههم، و قد تعالت اصوات صرخاتهم.
كانوا غارقين في الذعر.
“لا، لا! جلالة الإمبراطور، أرجوك أنقذنا! أنقذنا!”
“لقد أخطأنا، أخطأنا! لقد تآمرنا و تسبّبنا بهذه الفوضى، فقط دعنا نعيش!”
“جلالة الإمبراطور قادر على كلّ شيء، أليس كذلك؟ لا تتخلَّ عنّا!”
هل كان يريد أن يسمعهم يتوسّلون هكذا؟
“ما رأيكَ، يا جلالة الإمبراطور؟ هل تتمنّى أن يجنّ هؤلاء المساكين جميعًا و يموتوا؟”
كدتُ أمدّ يدي لأمسك بطرف ثوب الرجل الواقف أمامي.
لم أكن أرى سوى ظهره، فلم أعرف أيّ تعبيرٍ يعلو وجهه الآن.
كنتُ أريد أن أقول له إنّني الدّوقة آرييل، وإنّ هذه الكارثة ليست مسؤوليّتكَ وحدكَ.
لكن هانويل، ذلك الوغد، كان يعرف هويّتي، و لو تفوّه بكلمةٍ واحدة.
[حتّى اكتمال قطعة ????……
لم يتبقَّ وقتٌ طويل!
لكن ليس الآن بعد.
احذري أن يُذكر أمر هويّتكِ على لسان هانويل.]
و بينما كنتُ أعضّ على شفتي، ضحك كايسيس.
ضحكة حادّة.
بينما كان البرد ينتشر عند قدميه، رأيتُ الأرض تتجمّد وكأنّها تتشقّق.
توقّفت تلك القوّة مباشرةً أمام أنف هانويل.
صرير.
ثمّ، في لحظةٍ واحدة، أحاطت به عشرات الرماح الجليديّة كأنّها تقوم بتهديده.
حتّى من موقعي، شعرتُ ببرودةٍ لاذعة تخترق الجلد.
همس كايسيس بكسل.
“أنتَ تمسك بأرواحهم و تهدّدني، لكن إن حرّكتُ إصبعًا واحدًا، فلن يكون قطع أطرافكَ أمرًا صعبًا.”
تدحرجت قطرة دم من عنق هانويل حيث وخزه طرف رمحٍ جليدي.
حقًّا، في لحظةٍ واحدة فقط.
لو حرّك إصبعه، لسقط رأس هانويل.
و مع ذلك، لم يظهر على هانويل أدنى خوف، رغم أنّ حدّ السيف كان يخيّم على عنقه.
بل ضيّق عينيه مبتسمًا، مستفزًّا كايسيس.
“نعم، إن استخدمتَ قوّتكَ فسأموت.”
“و مع ذلك تتحدّث بلا خوف؟”
“و هل تظنّ أنّ موتي سيقضي على مَنٔ يتبعونني؟ أو أنّ هؤلاء الرهائن سينجون؟”
“….”
“بل في اللحظة التي أموت فيها، سيفجّرون كلّ من شرب العقار. و ستفتح البوابات أفواهها في أرجاء الإمبراطوريّة. آه، هل هذا ما ترغب به؟”
“لقد استعددتَ جيّدًا، أيّها الكاردينال.”
“و أنتَ أيضًا متّزن على نحوٍ مدهش، يا جلالة الإمبراطور. رائع! هاهاها، لو انهرتَ بسهولة لكنتُ شعرتُ بخيبة الأمل حقًّا.”
تابع هانويل، و هو يضحك ضحكةً مشوّهة.
“لكن، يا جلالة الإمبراطور. يبدو أنّك نسيتَ الهديّة التي أعددتُها عند البوّابة. برأيك، كيف وضعتها هناك؟”
هديّة البوّابة.
توقّف كلّ مني أنا و كايسيس.
جثّة المستيقظ التي انفجرت عند البوّابة، وهذا الرجل أمامنا كان يمتلك القدرة على استدعاء البوّابات.
كونه لا يسيء استخدامها لا يعني سوى أنّنا افترضنا وجود قيود و حدود.
لكن الآن، إن استطاع استدعاء بوّابة داخل القصر الإمبراطوري؟
“ما الذي تريده؟”
“ألا تعرف حقًّا؟”
“….أرواحنا؟ روح شخصٍ ما مع روح الإمبراطور؟”
“سريع البديهة كعادتكَ! أريد شخصين. ولهذا السبب أعددتُ هذه الدعوة. لدعوة أقوى شخصين في الإمبراطوريّة. لكن للأسف….”
استقرّت عيناه الزرقاوان الفاتحتان عليّ أنا التي أقف خلف كايسيس.
“أحدهما لم يحضر.”
في تلك اللحظة، اخترق رمحٌ جليدي كتف هانويل.
حدث كلّ شيء في غمضة عين.
بصوتٍ مكتوم، تساقط الدم.
توقّف هانويل عن الكلام، و ردّ كايسيس بحدّة.
“أحلامكَ ساذجة.”
“يبدو أنّ حياة رعيّتكَ ليست ثمينة لديكَ.”
“أنتَ لا تنوِ قتلي؟ أليس كذلك؟ لو أردتَ ذلك، لكنتَ حوّلت الجميع إلى جثث منذ البداية. كفّ عن الثرثرة و اطلب ما تريده بوضوح.”
“…..”
أصبح تعبير هانويل باردًا فجأة، كأنّ حماسه انطفأ.
بينما أرى تقلّب مزاجه المفاجئ، ابتلعتُ ريقي.
‘لن يتراجع هكذا. سيفعل شيئًا ما.’
لو أرسلتُ إشارةً إلى سيروين، لاستفاق من تظاهره بالإغماء و اقترب مستخدمًا قدرته.
ثمّ، كنتُ سأختفي قليلًا، و أنتقل مكانيًا إلى موقعٍ مناسب، و أعود بهيئة الدّوقة آرييل مع السحرة.
‘هل نهاجمه بكلّ ما لدينا و نقبض عليه و على ليلييتا؟’
و بينما كنتُ أحسب عدد التعاويذ المتبقّية، مدّ هانويل يده كنتَ ينشد، و همس.
“لكن، يا جلالة الإمبراطور، ألا تملك أيّ نقطة ضعف؟”
كان نذير شؤم.
نقطة ضعفه، و نقطة ضعفي أنا.
‘لوياس!’
لكنّني وضعتُ على لوياس أقوى تعويذة حماية استطعتُ تفعيلها.
لم يكن من السهل على أحدٍ الاقتراب منه.
و مع ذلك، لماذا أشعر بكلّ هذا القلق؟
و بينما كنتُ أستدير بلهفة، نُطق اسمٌ ما.
“ليلييتا رادايك.”
سقط قلبي بعنف.
لم يكن سماع ذلك الاسم أمرًا حسنًا أبدًا.
بعدها، حدث كلّ شيء في لحظات.
بابتسامةٍ لطيفة، نطق هانويل الاسم، فرأيتُ شخصًا ذا شعرٍ أشقر مائل إلى الحمرة يقترب من لوياس.
كانت المرأة شاحبة، مغطّاة بالدماء.
يدها التي أخفت بها سلاحًا كانت غارقةً بالدم، و نظرتها إليّ مسمومة بالحقد.
“تلك المرأة قطعة شطرنج ممتازة. وجودٌ خارج القواعد، يسهل استخدامه. مثل هذا تمامًا….”
طقطقة.
نقر هانويل بأصابعه.
ثمّ.
شيء أسود.
شيء مروّع.
شيء لا يمكن وصفه، خرج عن قوانين العالم، و انتشر كسحابةٍ قاتمة ملأَت المكان.
‘آه.’
لم أستطع فعل لا أنا و لا كايسيس التحرّك.
كان الشعور و كأنّ يدًا عملاقة تسحق قلوبنا وأجسادنا.
[تحذير، تحذير!
الحاكم القذر، تماسّ مع القوّة— صرير، تلوّث—]
آه.
أصبحت رؤيتي ضبابية.
“حين تتلطّخ يدها بالدم، يمكننا طيّ الفضاء و خلق لحظةٍ أستخدم فيها قوّتي، أو تحطيم سحر أقوى ساحرٍ عظيم. تحدث معجزة كهذه.”
لا، لا.
“هكذا.”
لمست يدها الملطّخة بالدم كتف تلميذي الصغير العاجز عن الحركة.
و في اللحظة نفسها، انفتح خلفهما فم بوّابة سوداء حمراء، كأنّ وحشًا زاحفًا عملاقًا يفتح فكيه.
لا، لوياس.
“سنلعب لعبةً واحدة، يا جلالة الإمبراطور. و معكِ أيضًا…… أيتها الدّوقة آرييل التي ستصلين قريبًا. أقوى شخصين في الإمبراطوريّة، يقفزان إلى البوّابة بعد أن تُمسّ نقطة ضعفيكما. أليس مشهدًا رائعًا؟”
كانت تلك كلماته الأخيرة.
قفزت ليلييتا، حاملةً لوياس المغمى عليه، داخل البوّابة.
و نظرتها الأخيرة إليّ كانت مفعمةً بالضغينة.
“سأنتظر هناك.”
ثمّ انحنى هانويل بانسيابيّة، كأنّه يسخر منّا، و اختفى هو الآخر داخل البوّابة.
بعد ذلك، سمعتُ.
“مياو….”
كأنّه صوت قطّة.
و فجأةً، و مع زوال القوّة التي كانت تكبحنا، اشتعلت القاعة بالنيران كما لو كان ذلك مُعدًّا مسبقًا.
و حين امتلأ المكان بالدخان.
‘الآن!’
تحرّكتُ.
أمسكتُ بيد سيروين، الذي شقّ الفضاء مندفعًا نحوي.
و بينما كنتُ أفرغ طاقة الإرشاد دفعةً واحدة، انتقلنا إلى برج السحر.
لقد حان الوقت، لم تعـد المرشدة المزيفة، هيل، كافية.
بل الدّوقة آرييل.
“كح!”
تلوّى الفضاء بفعل قدرة سيروين، و سقطنا في ممرّ البرج كأنّنا قُذفنا.
تحرّكتُ بسرعة.
“سيروين، استفق.”
“كخ… يا عزيزتي، لمس قوّتكِ لي… راحة حقيقيّة.”
“أيّها المجنون، هل هذا وقت إطلاق نكتة كهذه؟”
صببتُ طاقة الإرشاد في سيروين بلا تردّد.
و شُفيت جراحه المتشقّقة أمام عينيّ.
في تلك اللحظة، أمسك بمعصمي بقوّة.
تلاقت عيناي مع عينيه خضراوين واضحتين.
“عزيزتي، اذهبي.”
غمز الرجل، بينما آثار الجراح كانت لا تزال على وجهه.
“سأموت قلقًا إن تأخّرتِ. اذهبي إلى المكان الذي يجب أن تكوني فيه. أنا بخير. عليكِ إعادته.”
كانت يده الممسكة بمعصمي حارّة.
و للمرّة الأخيرة ، أفرغتُ فيه طاقة الإرشاد، و همست.
التعليقات لهذا الفصل " 159"