مع كلمات كايسيس، بدا و كأنّ شيئًا ما قد تغيّر في الهواء.
انتزعت ليلييتا معصمها الذي كنتُ أمسك به بعنف، و تراجعت خطوة إلى الخلف.
وفي اللحظة التي حدّق فيها النبلاء، غير القادرين على فهم الموقف، نحوي بأعين متّسعة، رمقتني ليلييتا بنظرةٍ شرسة.
“أنـتِ. إلى أيّ حدّ تنوين الاستمرار في إعاقتي؟”
في تلك الأثناء، كان إشعار النظام يرنّ أمام عينيّ.
[يفقد تابع القوّة المزيفة أهلّيته الأخيرة.
تزول التأثيرات الكاذبة.
تهانينا!
بفضل اختيار الإمبراطور، تمّ إنجاز مهمّة مرشدة الإمبراطور.
تتعزّز التأثيرات.
المرشدة، هيل، تُثبت أنّها الحقيقية و تُحقّق الأهلية.]
لكنّ الأمر لم ينتهِ عند هذا الحدّ.
[اكشفوا حقيقة المزيّفة، ليلييتا.
أثبتي ما فعلته بنبلاء قاعة المأدبة، و خذي الأدلّة و الشهود.
يجب جرّ الكيانات المخفيّة إلى خشبة المسرح.]
“أخبرتكِ منذُ البداية. أنتِ مزيفة. كاذبة تظاهرتِ بأنّكِ مرشدة جلالة الإمبراطور و اقتربتِ منه. أليس كذلك، يا جلالة الإمبراطور؟”
ابتسم كايسيس بهدوء.
و في اللحظة نفسها، بدا أولئك الذين دعموا ليلييتا رادايك و كأنّ ستارًا كان يحجب أعينهم قد انزاح، فراحوا يتخبّطون بعلامات ارتباكٍ شديد.
“ربّما تودّين النجاة بنفسكِ و الخروج بسلام…”
ابتسمتُ بسخرية خفيفة.
“لكن يبدو أنّ ذلك غير ممكن.”
“ماذا؟”
في اللحظة التي عقدت فيها ليلييتا حاجبيها بحدّة، امتلأ أحد جدران قاعة المأدبة بصورةٍ معروضة.
و انصبّت أنظار الجميع دفعةً واحدة نحوها.
لقد كان تسجيل الأدلّة الذي جمعه لوياس مخاطِرًا بحياته.
“ما، ما هذا؟ أليست تلك صورة الكاردينال هانويل و الآنسة ليلييتا؟”
“ذلك من عائلة المرشدات، العقار الذي تناولناه….”
مع همهماتٍ متصاعدة، شحبَت وجوه النبلاء.
“لا، لا يمكن….”
لقد أدركوا الرابط المشترك بينهم ، كونهم جميعًا حضروا اليوم الأخير من المأدبة.
حين ألقيتُ نظرةً جانبيّة، رأيتُ تلميذي الصغير يهزّ كتفيه مبتسمًا ابتسامةً عريضة لأخيه الإمبراطور.
نعم، أحسنت. أحسنتَ فعلًا.
‘و أنـتِ يا ليلييتا. لقد وقعتِ في الفخّ.’
عدَدتُ في داخلي و أنا أراقب وجه ليلييتا الذي ازداد شحوبًا.
واحد، اثنان، ثلاثة.
طَقّ.
و مع صوت الكعب، تقدّم شخصٌ ما كان يخفي نفسه حتّى الآن.
على وجهها البريء، ظهرت عزيمة صلبة لم تُرَ فيها من قبل.
أناييل.
“أ، أنا. أنا من عائلة المرشدات، أناييل. و أنا… جئتُ لأعترف هنا، في هذا المكان، بأخطاء الآنسة إيزوليت و عائلة المرشدات.”
اتّجهت عيناها الواضحتان نحو المرأة التي كانت الأكثر ازرقاقًا و شحوبًا بين الجميع، إيزوليت.
كانت إيزوليت تحدّق فيها إمّا غير مصدّقة لخيانتها، أو مستسلمة للأمر.
و مع تلقّي تلك النظرة، ازداد وجه أناييل شحوبًا، لكنّها لم تتراجع.
“لقد انخدعت عائلة المرشدات بعقيدة الكاردينال هانويل، و تناولوا عقارًا يُقال إنّه يُعزّز قوّة المرشدين و المستيقظين.”
جمعت أناييل شجاعتها، و فضحت كلّ ما جرى، واضعةً اسمها على المحكّ.
“وكذلك….تواطأت الآنسة إيزوليت مع أطرافٍ ما، و تدخّلت لتوريط جلالة الإمبراطور و الدّوقة آرييل أيضًا في حادثة انفجار البوّابة. و في النهاية، فإنّ كلّ هذه الأمور…”
أشارت أطراف أصابع أناييل البيضاء إلى شخصٍ ما.
“أشهد أنّ لها صلةً بليلييتا، تلكَ المرأة.”
كان الأمر أشبه بانتهاء مسرحيّة.
شهدتُ اختفاء المودّة التي كانت تُحيط بليلييتا، كأنّها سراب أو كذبة.
و أخيرًا، تقدّم الإمبراطور، صاحب هذا المكان، كايسيس، الذي كان يراقب كلّ شيء.
“اتّضح أنّكِ أنتِ مَنٔ كانت تكذب، ليلييتا رادايك.”
“…..”
“من أين أتيتِ، و مَنٔ تكونين؟”
“…..”
ظلّت ليلييتا صامتة حتّى النهاية.
و عندما أشار كايسيس بيده، سحب الفرسان المستيقظين، الذين كانوا متنكرين كضيوف في المأدبة، سيوفهم دفعةً واحدة.
“لا تتحرّكي.”
“ليلييتا رادايك، سيتمّ اعتقالكِ كمشتبهٍ بها في حادثة انفجار البوّابة.”
لكنّني كنتُ أعلم.
أنّ الأمر لن ينتهي بهذه السهولة.
‘ما الذي حدث لسيروين الآن؟’
لقد أمسك بهانويل من قدمه، لكنّه لن يتمكّن من منعه حتّى النهاية.
ذلك الرجل سيأتي إلى هنا حتمًا. ثمّ…
‘هل ينوي استهدافي أنا و الإمبراطور؟’
و ليلييتا تلك، لم تكن نظرتها كنظرات شخصٍ استسلم.
عيناها اللامعتان، المغمورتان بالجنون، جالتا بنا و بكلّ مَنٔ في القاعة.
ثمّ فجأةً، ابتسمت ابتسامةً مريبة و صرخت بقسوة.
“أنتم مَنٔ دفعني إلى هذا الحدّ.”
عند تلك الابتسامة القشعريريّة، عضضتُ على أسناني.
النبلاء الذين تناولوا دواء الانفجار، مع الحدّ الأدنى من الاستعداد، لن ينهاروا فورًا.
لكن لماذا أشعر بهذا القلق؟
“أُووك.”
في تلك اللحظة.
سُمع صوت تقيّؤ من مكانٍ ما. التفتُّ بسرعة، فرأيتُ شخصًا يترنّح و كأنّه سيسقط.
إيزوليت.
‘آه.’
لقد نسيت أنّ تلك المرأة شربت من العقار أكثر من أيّ شخص، و بجرعةٍ مختلفة.
“كلّ شيء…..خطأ.”
همست إيزوليت بصوتٍ خافت، ثمّ بدأت تتقيّأ دمًا داكنًا بجنون.
حدّقت بمَنْ حولها، كأنّها تلوم العالم الذي أوصلها إلى هذا الحال، ثمّ انفجرت ضاحكة.
“لا تلمني كثيرًا، يا أبي. مَنٔ جعلني هكذا منذ البداية هو أنتَ، أليس كذلك؟ لذا، فلنمضِ جميعًا إلى الجحيم معًا.”
امتدّت عروق الدم الداكنة على عنقها الأبيض كالأغصان.
ثمّ أخرجت شيئًا من بين ذراعيها، و نثرته على مَنٔ حولها.
كلااك—
“ستموتون جميعًا!”
و بعد أن نثرت ما بدا كأنّه دواءٌ مركّز، تصلّب جسدها فجأة، و كأنّ ذلك كان هدفها الوحيد، ثمّ سقطت أرضًا.
كالميّتة.
“آآآآاه!”
صرخ النبلاء. و في الوقت نفسه، ظهرت أعراض غريبة على بعض من ابتلعوا العقار.
“كح!”
“لا، لا أريد أن أموت. لا أريد الموت!”
مع أنّنا أعددنا دائرةً سحريّة لتأخير تأثير الانفجار، بدا أنّ ما فعلته إيزوليت قد حرّك الانفجار بالفعل.
و في اللحظة التي عضضتُ فيها على شفتي، غارقةً في الإحباط—
انشقّ الفضاء في سقف القاعة فجأة، و سقط شخصٌ مغطّى بالدماء بقوّة.
ثمّ ظهر طرف ثوبٍ أبيض متلألئ.
الرداء المقدّس.
“يبدو أنّني تأخّرت.”
صوتٌ ناعم، و هيبة مظلمة تُسكت حتّى صرخات النبلاء الممزّقة.
“فأرٌ قذر أمسك بقدمي، لهذا أضعتُ أهمّ لحظة.”
عينا زرقاوان فاتحتان، كأنّهما تسخران من الجميع.
أحد أفراد عائلة المرشدات، الذي كان يمسك بشخصٍ منهار إلى جانبه، فتح عينيه بذهول.
“أ، أنتَ… الكاردينال هانويل؟”
“نعم، هذا صحيح. و أنا أيضًا مَنٔ أمسك بحياتكم كرهينة.”
في اللحظة التي همس فيها النبلاء الذين صلّوا معه بعدم تصديق، ثبّتُّ نظري على الشخص الملطّخ بالدماء الملقى على الأرض.
‘سيروين!’
خفق قلبي بسرعة.
أردتُ أن أندفع فورًا لأتأكّد من سلامته، لكن لم يكن ذلك ممكنًا.
كان المخطّط أن نكسب أقلّ وقتٍ ممكن، و إن استحال الأمر، نهرب.
و يبدو أنّ تلك الخطّة قد فشلت فشلًا ذريعًا.
شدَدتُ أسناني و أنا أراقبه، حين تحرّك مَنٔ ظننته فاقدًا للوعي. فتح عينيه و نظر إليّ.
ثمّ حرّك شفتيه هامسًا.
‘أنا بخير.’
كأنّه يقول: لا تقلقي.
‘حسب الخطّة.’
نعم، حسب الخطّة.
ذابت البرودة التي كانت تجمّد قلبي، و عاد إليّ بعض الاطمئنان. شددتُ أسناني و حدّقتُ في ذلك الدخيل على المسرح.
“توقّف!”
“لا تتحرّك، أيّها الكاردينال!”
توجّهت سيوف الفرسان جميعها نحو الكاردينال هانويل.
“همم. هذا محرج.”
ومع ذلك، واصل التقدّم بلا تردّد، و توقّف على مقربةٍ مّني أنا و الإمبراطور.
“صحيح، أنا كاردينال. لكنّ ذلك مجرّد تمويه. في الحقيقة، أنا مبعوث الحاكم الحقيقي العظيم. لقد شربتم عقارًا ممزوجًا بدمي، و أُصبتم بالإدمان، و بإشارةٍ واحدة من يدي ستتقيّؤون دمًا و تموتون! هل هذا ما تريدونه؟”
صرخ هانويل، باسطًا ذراعيه كالمجانين، ثمّ ألقى نظرةً إلى الأسفل.
و بعدها ابتسم ابتسامةً مشرقة.
“ربّما جهّزت الدّوقة آرييل، الذكيّة، خططًا عديدة لتمنعني، لكنّ ذلك لن يقوم سوى بتأخير الوقت….”
و عندما وقع بصره على الأرض، بدأت الدوائر السحريّة التي أخفاها السحرة بأمري تشعّ بنورٍ ساطع، مظهرةً وجودها.
التعليقات لهذا الفصل " 158"