و في الوقت نفسه اندفع نحوي يقين ناقص كالموج المتلاطم.
أمرٌ كنت أعرفه غريزيًّا، ومع ذلك تجاهلته بيأسٍ متعمّد.
لو أنّ ذلك الشخص، كانت فعلًا مرشدة امتلك قوّة طاغية إلى هذا الحدّ…
لكان من الممكن أن تكون مرشدة جلالة الإمبراطور.
لو كانت هذه المرأة التي أمامي دوقة.
لو كانت الدوقة آرييل.
خفق قلبي بعنفٍ و اضطرب كأنّه يقفز داخل صدري.
“…..”
“…..”
لكنّ المرأة المسماة هيل، و كأنّ الرقص كان آخر ما ستفعله، استدارت بجسدها دون أن تمنح فرصةً للحديث.
شعرها الأحمر مـرّ أمام عينيّ متمايلًا بخفّة.
‘آه.’
كيف لم ألحظ ذلك.
إنّه اللون نفسه.
لماذا، بحقّ السماء؟
في اللحظة التي التقت فيها عينا أردييل و ديكاردو، اهتزّ الاثنان في آنٍ واحد.
تجاهلا ليلييتا التي اقتربت لتفتح فمها من جديد، و سارا معًا في الوقت نفسه.
إدراك أقرب إلى الصدمة اجتاحهما معًا.
‘تلكَ المرأة هو مرشدتنا.’
‘هي مَنٔ أنقذتنا داخل البوّابة.’
‘تلك المرأة هي…… الدّوقة آرييل.’
‘كانت ساحرة، و مرشدة.’
‘و ربّما تكون، في الوقت نفسه، مرشدة الإمبراطور….’
كان الإدراك واضحًا جليًّا، لكنّهما لم يستطيعا الكلام.
و لا بأي شيء.
كما لو أنّهما يعلمان غريزيًّا أنّ تلك الكلمات لا ينبغي أن تخرج إلى العلن أبدًا.
* * *
ما إن خرجتُ إلى الممرّ، حتّى التقت عيناي بسيروين الذي كان يتبعني.
“أين لوِياس؟”
“السحرة يحرُسونه جيّدًا، و بشدّة. أنـتِ، هل أنـتِ بخير بعد التحدّث مع ذلك الرجل؟ يبدو طبيعيًّا من الخارج، لكنّه مجنون قليلًا. ثمّ، هل يجوز أن تغادري دون مقابلة الإمبراطور؟”
“يبدو أنّ ذلك صحيح. و يبدو أنّه يعرف أصلًا مَنٔ أكون.”
“آه، أخبرتكِ. في كلّ مرّة يتظاهر فيها ذلك المجنون بأنّه عاقل، يقشعرّ بدني… لحظة. ماذا قلتِ؟”
“قلتُ إنّه يعرف.”
اتّسعت عينا سيروين كأنّهما ستنشقّان.
“ماذا؟! يا سيّدتي، هل هذا شيء يُقال بابتسامة؟”
“هل أبكي إذًا؟ على أيّ حال، لا يبدو أنّه سيُشيع الأمر، فلا بأس.”
“لا، ليس كذلك. ألم يكن من المفترض ألّا يُكشَف أمركِ؟”
“مثلما أنـتَ استثناء، يبدو أنّه استثناء أيضًا. أو….”
ربّما، كما قالت لوسي، كلّما مرّ الوقت أكثر، كانت القيود تنفكّ تدريجيًّا.
فالأحداث الرئيسيّة في عالم الرواية هذا لم يبقَ عليها الكثير.
‘نعم، النهاية باتت قريبة.’
“أرجوكِ، سيّدتي. قلبي سيسقط من مكانه. لا تضحكي بتلك الجرأة.”
ابتسمتُ بخفّة و أنا أرى سيروين يقفز فزعًا في مكانه.
“لقد تعبتَ اليوم كثيرًا. تحمّل حتّى النهاية. هيا، انقلني إلى برج السحر.”
“آه، يا لها من سيّدةٍ قاسية.”
أمسكتُ يده بإحكام و أنا أنظر إلى الرجل الذي يرمقني بنظرةٍ مستاءة.
و بالطبع، لم أنسَ أن أقول له أمرّا واحدًاةقبل أن يُفعِّل قدرته على الانتقال.
“سيروين، غدًا، في اليوم الأخير من الحفل. هناك أمرٌ يجب أن تقوم به.”
ثمّ—
وميض!
عندما فتحتُ عينيّ، كنتُ في برج السحر.
يا له من يومٍ مزدحم حقًّا.
لوّحتُ بيدي و أوقفتُ [المهارة: القناع]، و عدتُ إلى هيئة الدّوقة آرييل.
اختفى سيروين بعد أن غمز بعينه و استخدم قدرته مرّةً أخرى، و بقيتُ وحدي في ممرّ البرج الهادئ.
كان لديّ الكثير من الأمور.
التأكّد من وصول الجرعات إلى السحرة كما ينبغي،
و إنهاء نقش جميع الدوائر السحريّة في قاعة الحفل قبل أن يبدأ غدًا.
و بينما كنتُ أُعيد ترتيب مهامي، فتحتُ باب مكتبي أوّلًا.
صرير.
“…….”
“…….”
ضيّقتُ عينيّ.
لأتأكّد ممّا إذا كان الرجل الذي يقف هناك بينما يلوّح بيده بخفّة و ينتظر، هو فعلًا كايسيس.
“……لماذا أنتَ هنا جلالتكَ؟”
“تأخّرتِ، أيتها الدوقة.”
“ألا يجب أن تكون في قاعة الحفل؟”
“بما أنّكِ رفعتِ تقريرًا عن أمرٍ جلل، كان لا بدّ من التحقّق بنفسي.”
“لقد أنهيتُ التقرير الخطيّ، و الاستعدادات تسير على ما يُرام.”
مـدّ الرجل الذي كان جالسًا على مقعدي جسده.
امتلأ بصري بطوله الفارع، و أطرافه الطويلة الأنيقة.
حدّقتُ بلا وعي في وجهه الوسيم الذي صار مألوفًا في لحظة، و هو يرسم ابتسامةً لطيفة.
لماذا…؟
تتبّعتُ نظرات كايسيس، فوجدتُه ينظر إلى يدي.
اليد التي كنتُ أمسك بها يد سيروين قبل قليل.
كتمتُ ضحكةً جوفاء في داخلي.
‘لم يكن قد رأى ذلك المشهد أصلًا. إنّه مجرّد وهم سخيف.’
ثمّ، سواء أمسكتُ يد سيروين أم لا، لماذا قد يهتم كايسيس بذلك؟
لو كان الأمر يتعلق بهيل، لكان مفهوما
“يجب أن أذهب إلى السحرة. إن كنتَ هنا للتحقّق، فلتأتي معي.”
“لا.”
لا؟
عندما نظرتُ إليه باستفهام، ضحك بخفّة.
ثمّ مدّ يده نحوي بلا مبالاة.
فزعتُ و تراجعتُ خطوةً إلى الخلف.
ساد صمت غريب.
أمال كايسيس رأسه و هو يرسم ابتسامةً مائلة.
“إنه أمر محبط.”
“ماذا تقصد؟”
“أشعر و كأنّنا على بُعد خطوةٍ واحدة، و أريد أن أنهي الأمر سريعًا، لكنّني أخشى في الوقت نفسه ما قد يحدث بعدها.”
هل تناول شيئًا فاسدًا؟
لم أفهم ما يقول، ومع ذلك لم أعرف لماذا كان قلبي يخفق وأنا أستمع.
توتر خانق و كأنّني مُطارَدة، و عرقٌ بارد تجمّع خلف عنقي.
لو لم يُغمض كايسيس عينيه فجأة و يبتسم كعادته، لكان ذلك التحديق المستمر و التوتّر الغريب قد استمرّ.
“عندما يحين الوقت ، استعدّي. كلّ ما تراكم حتّى كاد ينفجر ، سيتعيّن عليكِ تحمّله كلّه، يا دوقة”
“ما الذي تتحدّث عنه بالضبط؟”
“لا بأس، تظاهري بالجهل. فذلك كان قانوننا دائمًا.”
خطوة.
ثمّ خطوة أخرى.
لم يكن ينبغي أن نقترب، لكنّني لم أستطع الحراك.
يد بيضاء ناعمة، لا تشبه يد شخص يمسك بالسيف، امتدّت نحوي.
لا.
أغمضتُ عينيّ بقوّة دون وعي، و في تلك اللحظة، سمعتُ ضحكةً خفيفة.
فتحتُ عينيّ سريعًا، فرأيتُ الإمبراطور يزيح خصلةً من شعري دون أن يلمسني.
‘هل يسخر منّي الآن؟’
تبًّا.
اشتعل الغضب في صدري.
“إذًا، أيتها الدوقة. أرجو أن تحسني نهاية الأمر. أمن الإمبراطوريّة و مستقبلها، و كل ما سيأتي لاحقًا، بات بين يديكِ.”
إذًا، لقد جاء بدافع القلق فعلًا.
نقرتُ لساني في داخلي، لكنّني أومأتُ برأسي.
“سأضع ذلك نُصب عينيّ.”
المضحك أنّ هذا الحوار الاعتيادي، و هذه المشاكسة الخفيفة، و رؤية كايسيس يبتسم بتراخٍ وكأنّ الغد لا يحمل شيئًا جللًا، جعلت توتري يتلاشى.
آه، حقًّا.
لقد هدأتُ.
‘كان قلقًا.’
على الرغم من تظاهري بكوني الدّوقة آرييل الصارمة الوقورة، لم أكن تلك المرأة بالكامل.
يبدو أنّني كنتُ خائفة، لأنّ الكثير بات معلّقًا على تصرّفاتي.
‘كايسيس، أنـتَ حقًّا……’
كان الأمر غريبًا، كأنّه قرأ ما في داخلي.
مع أنّ ذلك مستحيل.
و قبل أن يُغلَق الباب، رأيتُ الإمبراطور، الذي لا أثر لهيبته المعتادة، يلوّح بيده.
يبدو أنّني ابتسمتُ دون وعي.
و هكذا، بعد قليل.
بدّلتُ ملابسي إلى ملابس السحرة المريح، و توجّهتُ إلى أعضاء برج السحر الذين ما زالوا يكافحون.
“س، سيّدتي!”
عندما رأيتُ وجوههم المشرقة، أنزلتُ كومةً من الطعام الذي جلبته بعد أن داهمتُ المطبخ.
رؤية عيونهم الغائرة وهم يترنّحون كزومبي، جعلتني أتذكّر نفسي في حياتي السابقة، تلك الأيّام التي كنتُ أُستنزف فيها بسبب العمل الليليّ.
“اصمدوا قليلًا بعد.”
بينما كانوا يهزّون رؤوسهم باكين، شدّدتُ نظرتي.
“يجب أن نُكمل قبل شروق الشمس. أنا أثـق بكم.”
“….”
“…آ، آه. سيّدتي، عندما تقولين ذلك…”
عندما رأيتُ السحرة يجهشون بالبكاء، ارتسمت على وجهي ابتسامةٌ أكثر وضوحًا.
لأجلهم،
لأجلكم،
لن تعلموا كم رغبتُ أن أعيش حرّة كهيلاريا.
لأجل يومٍ أستطيع فيه أن أقول بصدق: شكرًا لكم، لقد أحسنتم.
من أجل نهاية سعيدة.
* * *
و هكذا مرّ الوقت.
و أشرق اليوم الأخير من الحفل.
حاملًا هموم شخصٍ ما.
وألم شخصٍ ما.
وابتهاج شخصٍ ما.
“أخيرًا، اليوم هو اليوم الأخير من الحفل. يبدو أنّ عدد الحاضرين أقلّ من الأمس. لا بدّ أنّ الجميع باتوا يعرفون الآن.”
وجوه النبلاء المتوتّرة، و أصواتهم المتحمّسة.
“اليوم، سيُعلن جلالة الإمبراطور أيّ الشخصين سيختاره مرشدة! مَنٔ ستكون؟ هل تعلمون أنّ الرهانات قد بدأت بالفعل؟”
التعليقات لهذا الفصل " 156"